عودة المتطرفين التونسيين.. «خطر» بأفق بلد يعاني أزمات متشعبة!

كتب – حسام عيد

يبدو أن توابع هجوم نيس الإرهابي الذي نفذه شاب تونسي في 29 أكتوبر الماضي، لا تزال تتوالى، وقد تعيد رسم الخارطة الأمنية الفرنسية في مكافحة الإرهاب، وكذلك خارطة استقبال المهاجرين غير الشرعيين، حتى ولو بلغت الإجراءات حد ترحيل من يثبت تطرفه، أو كونه يشكل خطرًا أمنيًا بالغًا.

وبالفعل، كشفت باريس عن عزمها ترحيل التونسيين المتطرفين، من منطلق تجفيف فرنسا لمنابع التطرف غداة الهجمات التي استهدفتها مؤخرًا، وهذا ما قد يتطرق إليه وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان عندما يزور تونس نهاية هذا الأسبوع من أجل بحث مكافحة الإرهاب.

ومن المتوقع أن تشمل المحادثات الأمنية الفرنسية التونسية، ثلاثة ملفات تتعلق أساسًا بمكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، وسيتعلق الملف الأمني الأول بالتعاون في التحقيقات حول الإرهابي ابراهيم العيساوي، لأن مجريات التحقيق ترجع أنه وفد لفرنسا في مهمة إرهابية محكمة التخطيط، والثاني يتعلق بمدى استجابة تونس لإعادة المشتبه بهم من الإرهابيين أو من قضوا فترة السجن في قضايا إرهابية، الملف الثالث يتعلق بموجات الهجرة السرية نحو فرنسا باعتبار أن إيطاليا هي منطقة عبور وليس استقرار.

تحقيق القضاء التونسي

وكان رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي قد طلب من وزيري الداخلية والعدل التعاون مع السلطات الفرنسية لكشف ملابسات الهجوم الإرهابي في مدينة نيس.

وبدأ القضاء التونسي في  التحقيق حول ما إذا كان هناك متعاونون من تونس مع منفذ الهجوم إبراهيم العيساوي. وكان المتحدث باسم القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، محسن الدالي، قد كشف في وقت سابق عن أن العيساوي لم تكن له سوابق إرهابية في تونس بخلاف تورطه في قضايا حق عام بسبب ممارسته للعنف.

وفي أعقاب حادثة ذبح المدرس صامويل باتي، أعلن وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، أن هناك 231 أجنبيًا يقيمون بطريقة غير شرعية على الأراضي الفرنسية متهمون بالتطرف ويجب طردهم، من بينهم 180 معتقلا في السجن حاليا. كما كشف الوزير عن تسجيل 851 مهاجرا غير شرعي في ملف الإنذارات لمنع التطرف.

مكافحة آفة مشتركة

وعلى إثر الهجوم الإرهابي الذي طال مدينة نيس الفرنسية، طلب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من وزير داخليته جيرالد دارمانان التوجه إلى تونس وأيضًا الجزائر لمداولة ملف مكافحة الإرهاب.

يأتي هذا الطلب، عقب مكالمة هاتفية جمعت السبت الموافق 31 أكتوبر 2020، الرئيس الفرنسي ونظيره التونسي قيس سعيد الذي أعرب عن تنديده بكل أشكال العنف والإرهاب التي شهدتها فرنسا.

وأكد سعيّد أنه “لا مجال للشك في أن بعض الجهات تريد إرباك عديد المجتمعات ومنها المجتمع الفرنسي مشددا على أن الإسلام براء من هؤلاء”.

كما تطرق الرئيسان خلال المكالمة إلى موضوع الهجرة غير النظامية والحلول التي يجب التوصل إليها “لمعالجة هذه الظاهرة التي تتفاقم بين الحين والآخر بهدف تحقيق أغراض سياسية”.

يذكر أن منفذ عملية نيس الفرنسية الذي أدى إلى وفاة 3 أشخاص هو تونسي الجنسية ويدعى “إبراهيم العيساوي” يبلغ من العمر 21 عاما، وصل مدينة نيس بعد أن عبر جزيرة لامبيدوسا الإيطالية بطريقة غير نظامية في 20 أيلول الماضي.

ومن الواضح أن الرئيس الفرنسي قرر أن يستبق زيارة وزير الداخلية التي كانت مبرمجة سابقا إثر الأحداث الأخيرة التي شهدتها فرنسا والتي كانت الخلايا النائمة في تونس عنصرا فعالا في إشعالها.

ويكمن الهدف من هذه الزيارة هو التنسيق المحكم بين البلدين بهدف كشف بعض الخلايا والشبكات النائمة التي تستحق الضرب المنسق بين الحكومات العربية الإسلامية من جهة والحكومات الأوروبية من جهة أخرى للخروج بخطة عمل محددة تسهم في تطويق آفة الإرهاب المشتركة، وفق ما أفاد الدبلوماسي التونسي السابق أحمد ونيس في تصريحات أوردتها وكالة “سبوتنيك” الروسية.

وأضاف أن “وزير الداخلية الفرنسي لن يأتي إلى تونس للاستشارة وإنما بهدف تبادل معلومات أمنية عن هذه الخلايا التونسية، خاصة وأن العمليات الإرهابية الأخيرة التي طالت فرنسا لم تكن عمليات مبعثرة وإنما متجمعة ومبنية على إرادة فوقية مخططة”.

ولفت إلى أن زيارة وزير الداخلية تدل على أن فرنسا خرجت باستنطاقات واستنتاجات تحتاج إلى مطابقتها مع التحقيقات التونسية، التزاما باتفاقية مكافحة الارهاب التي أمضت عليها تونس أواخر 2015 مع كل من فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا وأمريكا.

ترحيل التونسيين المتطرفين

ويعتقد مراقبون أن ملف ترحيل العشرات من المتهمين بالتطرف ممن يحملون الجنسية التونسية من فرنسا سيكون على رأس جدول أعمال وزير الداخلية الفرنسي في تونس، وسيكون الملف الأكثر تعقيدا في محاداثاته مع المسؤولين الأمنيين في تونس، وهو ما يجدد الجدل حول ملف إعادة الإرهابيين التونسيين في الخارج.

ومنذ العام 2016، وانحسار تنظيم داعش في سوريا والعراق، بدأت تونس تخشى من عودة آلاف الإرهابيين من حاملي جنسيتها والذين انخرطوا في صفوف الجماعات المسلحة بين 2011 و2014، وسط رفض شعبي وسياسي لعودتهم للبلاد أو محاول استعادتهم من طرف الدولة.

وآخر عملية تسلم لإرهابيين من الخارج قامت بها السلطات التونسية كانت في بداية العام 2019 عندما استلمت أربعة عناصر إرهابية كانت تنشط في سوريا وصادرة بحقها بطاقات جلب من القضاء. وتقدر الحكومة التونسية عدد المقاتلين في مناطق النزاع في الخارج بنحو ثلاثة آلاف عنصر أغلبهم في سورية وعدد أقل في العراق وليبيا.

ويعتقد الأكاديمي التونسي المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية عبيد الخليفي، في تصريحات أوردتها شبكة “سكاي نيوز عربية”، أن تونس في هذه الحالة “لا تملك العديد من الخيارات، فهي ملتزمة مع الجانب الفرنسي بمعاهدة تسليم المجرمين والإرهابيين وفقاً للإجراءات القضائية بين البلدين، وكذلك واقعة تحت ضغط المصالح المشتركة”، على حد تعبيره.

ويتابع الخليفي:” للأسف لا تملك السلطات التونسية إلا الحل الأمني لمواجهة الخطر الإرهابي العائد من ساحات القتال في ليبيا وسوريا والعراق، ولم تطرح أي برنامج جذري ومتكامل يجمع بين أساليب مختلفة تشمل الثقافة والتعليم والدين ويكون حلاً جذرياً طويل المدى. كما يساهم غياب الاستقرار السياسي والتغيرات الحكومية المتكررة وخاصة تلك التي شملت الأجهزة الأمنية ووزارة الداخلية في غياب رؤية واضحة وطويلة المدى لتجاوز تحدي العائدين، خاصة وأن تجميعهم في سجون مختلطة بسجناء الحق العام، يزيد من مخاطر استقطاب عناصر إرهابية جديدة، وقد حدثت العشرات من الحالات”.

ويعاقب قانون مكافحة الإرهاب وغسيل الأموال في تونس، الصادر في العام 2015، بالإعدام أو السجن بقية العمر كل من يرتكب جريمة إرهابية داخل البلاد أو خارجها.

ربما يعجبك أيضا