التطرف في ألمانيا.. تداعيات تمويل تركيا للإسلام السياسي

جاسم محمد

رؤية – جاسم محمد

تعيش ألمانيا إلى جانب بقية الدول الأوروبية بالقلق إزاء دعم تركيا إلى الأئمة الأتراك وتمويل المساجد و”الجمعيات الإسلامية”، واتجهت ألمانيا بشكل جاد إلى إغلاق العديد من المساجد التي يديرها أتراك وأوقفت عن استقبال أئمة جدد من تركيا ، بعدما  تأكد لديها أن الأئمة الأتراك الموجودين يمارسون أنشطة تجسسية لصالح الاستخبارات التركية و يتلقون تمويلا من تركيا.

تجسس الأئمة لصالح تركيا

يأتي معظم الأئمة في مساجد ألمانيا من خارج البلاد، لكن بمشاركة عشرات الدعاة سيبدأ في مدينة أوزنابروك أول تدريب للأئمة المسلمين باللغة الألمانية. تشهد مدينة أوزنابروك بغرب ألمانيا في أبريل المقبل  2021 أول تدريب للأئمة المسلمين باللغة الألمانية، بمشاركة ما يصل إلى 30 داعية. وسيتم التدريب الذي يستمر لمدة عامين بجمعية الرعاية “إسلام كوليج دويتشلاند” (كلية الإسلام في ألمانيا)، وبدعم من وزارة الداخلية ووزارة البحث العلمي في ولاية ساكسونيا السفلى، حيث تقع مدينة أوزنابروك. وقال إسناف بغيتش، رئيس مجلس إدارة الجمعية، إن تأسيس الجمعية يهدف إلى توفير عرض إضافي؛ لأن الأئمة القادمين من الخارج غالباً ما يتعرضون في خطبهم ” لمواضيع لا تتعلق بسياق حياتنا”.

يقول الخبير الاستخباراتي والكاتب “أريش شمدت اينبوم” لموقع “لوكال” الإخباري الألماني وفقا لصحيفة العرب اللندنية في 1 ديسمبر 2018 بوجود نحو (3)ملايين شخص من أصول تركية في ألمانيا، فهذا يعني أن كل مخبر يمكن أن يراقب (500) شخص، وهو رقم أكبر مما كان جهاز شتازي يراقبهم في ألمانيا. وتتهم السلطات الألمانية اتحاد الأئمة التركي في برلين (ديتيب) بممارسة أعمال استخباراتية لفائدة النظام التركي وتلقي تمويلات مشبوهة منه.

تصاعد الأدوار السلبية للأئمة المتشددين في ألمانيا، وبخاصة الأتراك التابعين للاتحاد الإسلامي التركي”ديتيب” من خلال ترويج خطاب سياسي يستدعي إرث العثمانية القديمة ويدعم التطرف.نشرت مجلة “فورين أفيرز الأمريكية “مقالًا للكاتبة “جونال تول”  في 10 يناير 2019  تشير فيه إلى أن الدين بمثابة أداة حاسمة في السياسة الخارجية التركية، تحديدًا بعد وصول حزب العدالة والتنمية .ومما يؤكد ذلك سعي تركيا لاستقطاب المسلمين عبر العالم عبر بناء المساجد، ومحاولة استعادة التراث العثماني، وإظهار نفسها كقائد للعالم الإسلامي.

أن التمويل الخارجي للاتحادات الإسلامية والمساجد في أوروبا  يأتي من تركيا  وقطر ودول أخرى، ما يجعلها عرضة للاتهام بالترويج لقيم مثيرة للشك على المستوى السياسي، ودعم تكوين مجتمعات موازية.

أعربت المستشارة الألمانية “أنغيلا ميركل عن تأييدها لقيام بلادها بتدريب المزيد من الأئمة. وأضافت ميركل أن قرار عدم مراقبة جمعية مساجد الاتحاد الإسلامي التركي المعروف باسم “ديتيب” عن طريق هيئة حماية الدستور على الرغم من بعض الأعمال المخالفة للدستور، صدر من الأجهزة الأمنية نفسها. ونفت أن يكون هذا قرارا سياسيا، وأوضحت ميركل أنها تثق في الأجهزة الأمنية وطالبت باستمرار بحث العلاقة بين “ديتيب” وتركيا.

تعزيز سياسات مكافحة الإرهاب والتطرف

راجعت أجهزة الأمن الألمانية مستويات التهديد الإرهابي، وأكدت وزارة الداخلية تقريرا إعلاميا بشأن مراجعة إرشادات تم توزيعها على الشرطة في ولايات ألمانيا الـ(16) بحيث يمكنها اتخاذ “إجراءات أمنية مناسبة” لحماية عدة منشآت منها الأميركية. السلطات الألمانية في حالة تأهب لدرء أي تهديد إرهابي في البلاد، وفق أرقام المكتب الفيدرالي للشرطة الجنائية.

أجبرت العديد من الحوادث الإرهابية  فى عدد من العواصم الأوروبية ، الشرطة الألمانية على مراجعة إجراءاتها وتعزيز القدرات لوحداتها  المعنية في مكافحة الإرهاب، وتركز التدابير الأمنية،  على منع  محاربة التطرف محليا ومكافحة الإرهاب، من خلال تعديل الكثير من السياسات والإجراءات. اتخذت الاستخبارات الألمانية،”استراتيجية” جديدة مؤخرا وهي تنفيذ عمليات استباقية وأخرى وقائية، ساعدت على كشف وتفكيك خلايا تنظيمات متطرفة ومنعت وقوع عمليات إرهابية على أراضيها.

المعالجات

ـ اتخذت ألمانيا وبشكل مبكر ربما خلال عام 2016، إجراءات تعزيز التعاون الأمني داخل الولايات الألمانية، ومراجعة سياسات مكافحة الإرهاب والتطرف، خاصة في أعقاب استلام وزير الداخلية الألماني هورست زيهوفر خلال عام 2017، حيث اعتمد عدد من النقاط لتثبيت سياساته الجديدة في محاربة التطرف والإرهاب. ابرز النقاط كانت تقوم على إبعاد من يتورط في عمليات إرهابية، أي إبعاد من يحمل جنسية ثانية أو إلى البلد الأم، خاصة مع دول شمال أفريقيا، وعزز زيهوفر سياسته هذه من خلال عقد اتفاقيات ثنائية مع دول المنطقة خاصة بالترحيل.

ـ إنشاء مراكز أولية  خاصة في استقبال اللاجئين عند الحدود سماهها “المرساة”  وبالتوازي مع سياسة الترحيل القسري   ، والتي تعتبر عملية سيطرة على الهجرة غير الشرعية، وربما تحديد وعزل من يستحق اللجوء قبل دخوله إلى ألمانيا.

ـ حصلت الداخلية الألمانية وجهاز حماية الدستور، الاستخبارات الداخلية، على صلاحيات أوسع من غيرها، في محاربة الإرهاب والتطرف، بمنحها صلاحيات جديدة أوسع في رصد ومراقبة وتعب الخطرين في ألمانيا، منها الدخول على غرف الدردشة والمراقبة على الإنترنت والدخول على الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر.

ـ توازن خطابها السياسي، رغم التحديات بما يتعلق في سياسات الهجرة واللجوء وكذلك في سياسات الاندماج في المجتمع، وركزت على خطابها الذي يراعي مشاعر جميع الأديان والأعراق، ليكون داعما للإجراءات التي تقوم بها أجهزة الاستخبارات والشرطة على الأرض.

تبقى التهديدات قائمة إن كانت من قبل الجماعات “الجهادية” الإسلاموية المتطرفة أو اليمين أو اليسار المتطرف، وهذا ما حذرت منه أجهزة الاستخبارات، رغم ما حققته من نجاحات خلال السنوات الأخيرة.

ربما يعجبك أيضا