بعد تصريحات وزير الداخلية «الجدلية».. قلق تونسي بالغ من عودة «متطرفي» فرنسا

حسام السبكي

حسام السبكي

ساعات قليلة، مرت على تصريحات وزير الداخلية التونسي “ توفيق شرف الدين”، حول استعداد بلاده – بموجب الدستور – لاستقبال دفعة من “المتطرفين”، الذين ترغب باريس في ترحيلهم، من بين جملة من أكثر من 230 مهاجرًا، في أعقاب الهجمات المتلاحقة التي شهدتها فرنسا، في باريس ثم نيس وليون، كان من بين القائمين بها “متشددون تونسيون”، حتى سادت حالة من القلق المتزايد، وصل مداها إلى أروقة البرلمان التونسي، فضلًا عن الساسة والخبراء والمحللين، في مشهد، ربما يعود بالذاكرة التونسية إلى مشاهد العنف والدماء، التي شهدت البلاد آخرها، في سبتمبر الماضي “هجوم سوسة“.

رغبة فرنسية

وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان
وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان

بعد سلسلة الهجمات المتزامنة، والتي استهدفت فرنسا، في الآونة الأخيرة، في أعقاب إعادة نشر الرسوم المسيئة لرسول الإسلام صلى الله عليه وسلم، بدأت باريس التفتيش في سجلاتها من المهاجرين، وكان القرار الأولي، الاستعداد لترحيل دفعة، لا تقل عن 230 مهاجرًا.

البداية، يمكن اعتبارها، من ثناء على المعلومات الأمنية الدقيقة، التي قدمتها السلطات التونسية، لنظيرتها الفرنسية، والتي أشار إليها وزير الداخلية الفرنسي، جيرالد دارمانان، قبل أيام، من أن “الأجهزة الأمنية في تونس قدمت معلومات “بالغة الأهمية” بعد دقائق فقط من هجوم نيس الإرهابي”.

وأضاف الوزير الفرنسي، على هامش مؤتمر صحفي، جمعه بنظيره التونسي توفيق شرف الدين، في تونس: “لقد أتاحت المعلومات لفرنسا فهم ما الذي حصل بشكل أفضل”.

تأتي زيارة دارمانان بعد نحو أسبوع من هجوم إرهابي في كنيسة نوتردام في مدينة نيس أودى بحياة ثلاثة مواطنين طعنا بسكين على يد متشدد تونسي، كشفت المعلومات الأمنية أنه دخل فرنسا عشية الهجوم بعد أن كان وصل إلى جزيرة لامبيدوزا الإيطالية عبر رحلات الهجرة غير الشرعية في سبتمبر الماضي.

تجدر الإشارة، إلى أن وزير الداخلية الفرنسي، يقوم حاليًا بجولة في دول المغرب العربي تشمل كلا من تونس والجزائر والمغرب، لبحث لترحيل 231 أجنبيا، غالبيتهم من المنطقة، مقيمين بشكل غير شرعي بفرنسا.

كما يسعى الوزير إلى تعزيز الشراكة مع هذه الدول فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب وشبكات التهريب.

وزير الداخلية التونسي

لقاء وزير الداخلية التونسي ونظيره الفرنسي
لقاء وزير الداخلية التونسي ونظيره الفرنسي

على الجانب المقابل، قال وزير الداخلية التونسي توفيق شرف الدين إن تونس مستعدة لقبول التونسيين المرحلين وفق شروط وضوابط.

وأوضح أن هناك اتفاقا إطاريا ينظم عودة التونسيين يعود لعام 2008 وأن كل من يثبت أنه تونسي مرحب به في بلده تبعا للضمانات التي يضبطها الدستور التونسي في هذا المجال.

وأوضح شرف الدين “مستعدون لقبول كل التونسيين. لا بد أن يتم ذلك وفقا للشروط والضوابط. أولها صون كرامة التونسي وتمكينه من ممارسة كل حقوقه واستنفاد كل طرق الطعن المخولة له في فرنسا قبل ترحيله“.

وتابع الوزير أن مكافحة الهجرة غير الشرعية تحتاج إلى “مقاربة شاملة ولا يكفي اللجوء إلى الحل الأمني وحده”، مشيرا إلى أن “عدد كبير من التونسيين ساهم ولا يزال في نفع الفرنسيين في الكليات والمستشفيات والمخابر العلمية”.

قلق وانتقاد

النائب التونسي أسامة الخليفي
النائب التونسي أسامة الخليفي

تصريحات وزير الداخلية التونسي، تحركت سريعًا، لتستقر بالأمس، في داخل البرلمان التونسي، الذي أبدى شجبًا ممزوجًا بالقلق، من تأثير تصريحات قد تتبع بقرارات في هذا الشأن، يكون مردودها سلبًا على تونس الخضراء.

انتقد رئيس الكتلة البرلمانية لحزب “قلب تونس”، أسامة الخليفي، قرار قبول ترحيل التونسيين من الخارج، مبينا أن اجتماع وزارة الداخلية الذي انعقد الجمعة الماضي، أظهر وجود سياسة ممنهجة لترحيل التونسيين من الخارج، واصفا ذلك بالخطير جدا.

وأوضح الخليفي في مداخلته بالجلسة العامة المنعقدة بمجلس نواب الشعب، مساء السبت، أن الفصل 25 من الدستور يتحدث عن عودة طوعية وليس عن ترحيل.

وأضاف أن وزير الداخلية توفيق شرف الدين، في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره الفرنسي، قد شدد على أن التونسيين المرحلين مرحب بهم في تونس، وعلى أن الفصل 25 من الدستور يمنع عدم قبولهم في بلادهم.

وتابع قائلا ”لماذا يتم ترحيل التونسيين فقط ؟ ماذا أعددت لهم في تونس ؟ كيف تم القبول بمثل هذا القرار ؟ هذا غير مقبول ومدان”.

على مستوى الخبراء والمحللين، اعتبر الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الإسلامية ،عبيد الخليفي أن السلطات الفرنسية تمارس ضغوطا كبيرة على تونس، لدفعها نحو ملفات تكتسي خطورة كبرى على أمنها القومي، وفق قوله.

وأضاف عبيد الخليفي، في تصريحات أوردتها “إرم نيوز”, أن السلطات التونسية تفتقد الإمكانات اللوجستية، التي تمكنها من احتواء ظاهرة عودة العناصر الخطيرة والمتشددة، لافتا إلى أن العناصر المتطرفة التي تنوي فرنسا إعادتها إلى تونس، بينها من مارس القتل، ومن ارتكب جرائم وحشية.

وحذر الخبير التونسي، من مقايضة السلطات الفرنسية لتونس ببعض المساعدات الاقتصادية، بهدف إقناعها باسترجاع العناصر المتشددة التونسية، و إيوائها في تونس.

من جانبه، قال المحلل السياسي الصغير القيزاني، إن ما يثير القلق أن تونس لا تمتلك منظومة سجنية تستجيب إلى شروط تأهيل المتشددين، والحيلولة دون ارتكابهم مزيدا من الجرائم.

وأضاف القيزاني، أن السلطات الفرنسية منعت عناصر فرنسية متشددة، في وقت سابق، من العودة من بؤر القتال، لما يمثلونه من خطر على أمنها القومي، معتبرا أن تونس يمكن أن تتخذ مثل هذا الموقف لحماية أمنها.

وقال القيزاني: “الدستور التونسي يجرم منع أي تونسي من العودة إلى بلاده، ولا يسمح بإسقاط الجنسية عن أي مواطن تونسي، لكن هل يمكن اعتبار من ينكر الجنسية التونسية ويعلن الانتماء إلى الجماعات المتطرفة، وزور وثائق هويته، مواطنا تونسيا؟”.

الأمن التونسي
الأمن التونسي

في المقابل، يرى الرئيس السابق للهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب، مختار بالنصر، أن تونس تحسن التعاطي مع ملف عودة العناصر المتشددة، وتتعامل مع الملف حالة بحالة.

وأكد مختار بالنصر، في تصريحات لـ”إرم نيوز”، أن هناك لجنة تضم ممثلين من عدد من الوزارات، من بينها الخارجية والدفاع، تدرس الملف عن كثب، ولها سلطة تقدير الإجابة بالرفض أو التأييد بخصوص عودة العناصر المتشددة، وذلك حسب مدى خطورتها، ومدى قدرة البلاد على التعاطي معها.

وأشار بالنصر إلى أن الدبلوماسية التونسية تتعامل بحرفية مع هذا الملف، من ذلك أنها لم تمضي في قرارات اتخذتها دول أخرى في طلب الدعم المالي لتأهيل العائدين ، معتبرا أن هذا الخيار يعد قبولا برغبات إعادة الإرهابيين إلى بلدانهم ويمكن أن يعرض البلاد إلى مخاطر كبرى.

يشار إلى أن السلطات التونسية ، قدمت إحصائيات رسمية، أكدت فيها أن عدد التونسيين في بؤر القتال يبلغ 2929 شخصا، فيما ترجح تقارير أجنبية أن يكون عدد العناصر المتشددة التونسية في فرنسا في حدود العشرات.

ربما يعجبك أيضا