الذئاب الرمادية.. السلاح الخفي لأردوغان

هدى اسماعيل

هدى إسماعيل

لم يترك الرئيس التركي «أردوغان» أى طريق ليصل إلى أهدافه «الحلم العثماني» ، جماعات في الخفاء والعلن تحركات مريبة صيحات عالية كل هذا من أجل رجل تركيا الأول.

لم يقف الأمر عند محاولاته للتدخل في شؤون الدول العربية بل تطور الأمر وأصبحت أذرعه المتناثرة في دول أوروبا هي الأخرى تعبث من أجل مصلحتها العليا، فقد اعتدى ما يقرب من 250 شخصًا ينتمون لجماعة «الذئاب الرمادية» التركية في مدينة ديسين-شاربيو قرب ليون الفرنسية، على مواطنين من أصول أرمنية، بسبب النزاع في إقليم ناغورني قره باغ بين أرمينيا وأذربيجان التي تدعمها تركيا، ما أدى إلى سقوط 4 جرحى، أحدهم حالته خطرة. كما كتبت عبارة «الذئاب الرمادية» على نصب تكريمي لضحايا الإبادة الأرمنية والمركز الوطني للذاكرة الأرمنية.

حظر في فرنسا

الشرطة الفرنسية أرشيفية
الشرطة الفرنسية – أرشيفية

قررت الحكومة الفرنسية حلّ حركة الذئاب الرمادية التركية القومية، على خلفية ترويجها للكراهية وارتكاب أعمال عنف على التراب الفرنسي.

ونشر وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، نص قرار الحلّ على حسابه في موقع تويتر، مشيرا إلى أن القرار “اتخذه مجلس الوزراء بناء على تعليمات من رئيس الجمهورية، إيمانويل ماكرون، باعتبار الحركة تحرض على التمييز والكراهية وتورطت في أعمال عنف“.

كما طالب سياسيون ألمان، حكومة بلادهم بحظر منظمة «الذئاب الرمادية» التركية، كما فعلت باريس.

يعتقد النائب عن حزب الخضر الألماني، «جيم أوزدمير»، أن الجماعة هي أكبر منظمة يمينية متطرفة في ألمانيا، مع وجود 20 ألف عضو فيها.

وقال أوزدمير لصحيفة «دي فيلت» الألمانية، إن الذئاب الرمادية كانت مسؤولة عن مئات جرائم القتل في تركيا، لكن نشاطها لم يقتصر على بلدها فقط ، إنهم يهددون أيضا أعضاء المعارضة التركية والأقليات في ألمانيا،لا يمكن أن يكون المتطرفون اليمينيون الأتراك في وسط برلين أو دورتموند أو هامبورج يرهبون أو يضربون أو يهددون حياة المواطنين المسالمين. يجب على الدولة الألمانية حماية هؤلاء الناس».

كما حث البديل اليميني المتطرف للزعيم الألماني ألكسندر جولاند على الحظر أيضا، واصفا الذئاب الرمادية بـ «لواء أردوغان المتطرف».

وقال غولاند، الذي يشكل حزبه أكبر حزب معارض في مجلس النواب الألماني ، إن مثل هذا الحظر فات موعده، مشيرا إلى أن «فرنسا نموذج يحتذى به في الكفاح من أجل الحرية والديمقراطية».

الذئاب الرمادية

يعود اسم التنظيم «الذئاب الرمادية» إلى أسطورة قديمة تتحدث عن حرب إبادة تعرض لها الترك، ونجا منها طفل واحد فقط، اضطر إلى الزواج بذئبة وأنجب منها 12 شخصًا أعادوا بناء القبائل التركية.

تأسست الحركة نهاية الستينات من القرن الماضي وتجمع شبان يؤمنون بنظرية «تفوق العرق التركي»، ويطمحون إلى توحيد المنتمين إلى القومية التركية حول العالم في بلد واحد.

تعتبرالجماعة شديدة التعصب للقومية التركية، وموالية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي دخل في نزاع مع الرئيس الفرنسي حول قضايا تتعلق بمناطق ساخنة، وأخرى تتعلق بالإسلام مؤخرًا.

وأسس الحركة الضابط في الجيش التركي، ألب أرسلان توركش، ويميز أعضاء الحركة رفعهم إيماءة مميزة باليد، ترفع خلالها السبابة والخنصر بينما تضم بقية الأصابع إلى بعضها مشكلة ما يشبه رأس ذئب.

تقول السلطات التركية إن المجموعة نفذت 694 هجومًا بين عام عامي 1974 و1980، راح ضحيتها الآلاف.

كما يعتقد أن المنظمة قاتلت في أذربيجان ضد أرمينيا، قبل أن تشارك في محاولة انقلاب انتهت بحظرها هناك، كما أنها حظرت في كازاخستان في العام 2005.

وشاركت المنظمة في الصراع بين القبارصة الأتراك واليونانيين في قبرص، ودعمت الأويغور في إقليم شينغيانغ الصيني، وقاتلت في حربي الشيشان الأولى والثانية ضد الروس، وفي السنوات الأخيرة ظهرت تقارير تتحدث عن تنسيقها مع تتار شبه جزيرة القرم وتركمان سوريا.

وينتشر التنظيم بشكل كبير في أوروبا، إذ تتحدث تقارير غير مؤكدة عن أن عناصرها في ألمانيا يقدرون بـ 18 ألف شخص.

وكان الرئيس التركي رفع إشارة اليد الشهيرة لدى المنظمة في تجمع انتخابي ضمن حملته الانتخابية 2018، لكن كثيرين ينفون أن إردوغان يقصد بها «حركة الذئاب الرمادية».

وليس بالضرورة بأن تكون هذه الإشارة، التي تشبه رأس ذئب، تشير إلى الانتماء إلى منظمة الذئاب الرمادية، لكنها قد تعني، بشكل واسع، التعاطف معها.

دولة الظل

المنظمة بمثابة هيكل يتشابك فيه جهاز أمن الدولة والأحزاب السياسية والمنظمات الشبابية، واعتمدت على استهداف الشباب الفقراء في أقاصي الأناضول، وبدأت في تدريب الريفيين في معسكرات أقيمت في مقاطعة إزمير الغربية بعد 1968، بإشراف ضباط متقاعدين تولوا تدريبهم.

واستمر صعود هذه القوة شبه العسكرية برعاية الدولة في السبعينيات، وبلغ ذروته مع حكومة «بولنت أجاويد»، إلا أن الانقلاب العسكري في 12 سبتمبر 1980 كان بمثابة صدمة لعناصرها، إذ كانوا يعتقدون أنهم كانوا يعملون لصالح الدولة، لكنهم شهدوا اعتقال العديد من الأعضاء البارزين وتعذيبهم.

وبدأت «الذئاب الرمادية» في الثمانينيات، تتشكل مع أمثال «محسن يازجي أوغلو، وعبدالله تشاتلي، ومحمد الغول، ومحمد شينر، ويالجين أوزبي»، مستغلة علاقاتها مع المافيا التي كانت تسيطر عليها الدولة، واعتمدت تهريب الهيروين للحصول على المال.

شاركت المنظمة في حرب تركيا ضد الحركة السياسية الكردية في التسعينيات، ونجحت في السيطرة الكاملة على طريق تهريب المخدرات من أفغانستان إلى أوروبا والأمريكتين.

واستخدمت تركيا «الذئاب الرمادية»، ضد الجيش الأرمني السري لتحرير أرمينيا، المجموعة التي صنفتها تركيا إرهابية لاستهدافها الدبلوماسيين والبيروقراطيين الأتراك، انتقاماً للنفي والقتل الجماعي للأرمن في ظل الإمبراطورية العثمانية وتركيا.

أداة أردوغان

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان

يرى الباحث في قسم العلوم السياسية بجامعة باريس إست «رامي التلغّ»: «أن السياسة الخارجية لأردوغان تقوم على محاولة استنهاض الشعور القومي التركي من خلال توظيف الوجود التركي العرقي في كل مكان لخدمة مصالح مشروع حزب العدالة والتنمية».

ويتابع:«تقوم الدعاية التركية بالنفخ في مشاعر التفوق القومي الشوفيني وخلطها بالإيديولوجية الدينية المتطرفة التي يرعاها الحزب، ونلاحظ أن هذه السياسة تستغل كل مكان وجد فيه الترك لخلق نوع من الإرتباك الداخلي في هذه الأماكن، في ليبيا يستغل أردوغان وجود قطاع من الشعب الليبي من ذوي الأصول التركية في مصراته للتدخل هناك بمساعدة جماعة الإخوان المسلمين وفي الصين يدعي نصرة المسلمين الإيغور من أصول تركية وفي سوريا يوظف التركمان السورين في حروبه داخل سورية وخارجها في أرمينيا وليبيا، وكل هذا نابع من المشروع الكبير الذي يتبناها وهو إعادة بعث العثمانية البائدة والتي قامت تاريخيا على فكرة المشروعية الدينية والتفوق العرقي التركي».

من جانبها، اتهمت صحيفة أحوال التركية المعارضة أردوغان، بأنه «يستغل الجاليات التركية والمسلمة في أوروبا، وبخاصة في النمسا وألمانيا وفرنسا، من أجل الضغط على الدول التي يقيمون فيها، ليقدّم نفسه زعيما ممسكا بخيوط اللعبة، وأنّ بإمكانه إثارة الفوضى في تلك البلدان حين يريد، وأن ثمن ذلك سيكون صمت أوروبا على سياساته، أو عليها مواجهة الغضب الذي يمكن أن يثيره في مجتمعاتها».

ربما يعجبك أيضا