استقالة صهر أردوغان.. هروب قبل ذروة الأزمة الاقتصادية بتركيا

كتب – حسام عيد

في سبتمبر الماضي، أعلن صهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير المالية بيرات ألبيرق، أنه لا يهتم بتراجع قيمة الليرة أمام العملات الأجنبية طالما الصناعة مستمرة في البلاد، واليوم، وتحديدًا في 8 نوفمبر 2020 قدم ألبيرق استقالته.

قد تكون الاستقالة غير متوقعة في ظل رفض النظام التركي الاعتراف بوجود أزمة اقتصادية طاحنة تمر بها البلاد، والاكتفاء بترديد شعارات زائفة من أجل استمالة وتضليل الشعب، واتخاذ تدابير وسياسات مالية واقتصادية خاطئة تتفاقم على إثرها الأزمات.

وأشار البيرق (42 عامًا) إلى أسباب صحية غير محددة لقراره التنحي عن منصبه وزيرا للمالية والخزانة، وفقا لبيان نُشر على حسابه على موقع التواصل الاجتماعي انستجرام الأحد.

جاء هذا الإعلان بعد أن استبدل أردوغان محافظ البنك المركزي مراد أويصال بوزير المالية السابق ناجي إقبال، منتقد الإدارة الاقتصادية لألبيرق.

واتسم مصطلح ألبيرق بجهود غير مجدية في الغالب للسيطرة على قيمة العملة دون اللجوء إلى رفع أسعار الفائدة، تماشيًا مع وجهة نظر أردوغان المشكوك فيها على نطاق واسع بأن أسعار الفائدة المرتفعة تؤدي إلى ارتفاع التضخم. ويعتقد معظم الاقتصاديين أن العكس هو الصحيح.

خطوة متأخرة

ورغم أن أحزاب المعارضة التركية كانت تطالب حكومة بلادها باستقالة ألبيرق لاتخاذ أولى الخطوات نحو حل الأزمة الاقتصادية وتراجع الليرة، لكنها أيضاً انتقدت مغادرة صهر أردوغان لوزارة المالية.

واعتبر حزب المعارضة الرئيسي في البلاد وهو “الشعب الجمهوري” أن “الاستقالة جاءت متأخرة، وقد لا تفيد”، وفق ما ذكر مصدر من مكتب رئيسه كمال كليجدار أوغلو، وذلك في وقتٍ قال فيه غارو بايلان، مسؤول الشؤون الاقتصادية لدى الحزب المؤيد للأكراد، إن “صهر الرئيس فشل في استقالته أيضاً”، ملمحاً إلى أنها جاءت بعد “فوات الأوان”.

وتعيش تركيا أزمة اقتصادية خانقة، تعود أبرز أسبابها لسياسات أنقرة الخارجية وتوتراتٍ أخرى سياسية تعيشها في الداخل منذ محاولة الانقلاب على حكم أردوغان منتصف العام 2016.

وتفاقمت هذه الأزمة مع الظروف التي رافقت انتشار فيروس كورونا في تركيا قبل أشهر، وتلا ذلك ارتفاع نسبة العاطلين عن العمل في البلاد.

فشل وتكريس للأزمات

واستقال بيرات ألبيرق، صهر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بشكل غير متوقع كقيصر اقتصاد البلاد بعد يوم من إقالة محافظ البنك المركزي، ما أشعل فتيل اضطرابات سياسية جديدة.

وشكلت استقالة وزير المالية التركي الحدث الأبرز في تركيا منذ إعلانه الليلة الماضية عبر تطبيق انستجرام عن استقالته من منصبه، لدواعٍ صحية، بحسب قوله، خاصة أن البلاد تشهد أزمة اقتصادية تتزامن مع تدهورٍ سريع لليرة التركية التي فقدت 30% من قيمتها أمام العملات الأجنبية خلال العام الجاري فقط.

بدوره، قال باريش سويدان الخبير الاقتصادي التركي وكاتب عمود لدى موقع T24 غير الحكومي، في تصريحات أوردها موقع “اعلربية.نت”، إن “استقالة البيرق كانت مفاجئة لتركيا باعتباره يتمتع بنفوذٍ كبير، فقد كان وزيراً للمالية، وهو متزوج من ابنة أردوغان الكبرى، ومع ذلك استقال من منصبه لتجنب عواقب الأزمة الاقتصادية حين تبلغ ذروتها قريباً”.

وأضاف أن “أوضاع معظم مؤسسات وشركات البلاد تنذر بأزمة اقتصادية كبيرة ووشيكة خاصة مع تراجع قيمة الليرة أمام الدولار، ولذلك حاول البيرق التهرّب منها من خلال إعلانه عن استقالته التي قد تساهم حالياً وخلال فترة محدودة وقصيرة، باستقرار سعر صرف الليرة، لكن الاقتصاد يعاني من مشاكل أخرى ويحتاج لحلولٍ جذرية”.

وتابع “هذه المشاكل الاقتصادية تتطلب بشكلٍ عاجل، اللجوء لبرنامجٍ اقتصادي جديد، لا أعتقد أن أردوغان سيوافق عليه، حتى إنه قد لا يوافق على استقالة صهره مثلما رفض استقالة وزير الداخلية قبل أشهر”.

البرنامج الاقتصادي 2023.. سراب

فيما اعتبرت رئيسة حزب الخير، ميرال أكشنار، أن البرنامج الاقتصادي الجديد لحكومة حزب العدالة والتنمية الذي كشف الستار عنه وزير الخزانة والمالية بيرات ألبيراق، صهر الرئيس رجب طيب أردوغان اعتراف من الحزب بأن مشروع أهداف 2023 مجرد سراب.

ميرال أكشنار المعروفة بمعارضتها الشرسة لحزب العدالة والتنمية، قالت عن البرنامج الاقتصادي الجديد: “حزب العدالة والتنمية يحصل على الأصوات في 7 انتخابات منذ عام 2011، من خلال مداعبة قلوب المواطنين بما يسمى بأهداف 2023. ولكن البرنامج المعلن بمثابة اعتراف صارخ بأن أهداف 2023 مجرد سراب وخيال، وأسفاه على أحلام المواطنين”.

ويربط الرئيس التركي رجب أردوغان المشاريع الضخمة والأحداث العظيمة المنتظر تحقيقها في تركيا بعام 2023 الذي تكمل فيه تركيا مئويتها الأولى منذ إعلانها كجمهورية، وفي هذا التاريخ ينتهي العمل بمعاهدة لوزان التي فرضت قيودا عديدة على تركيا.

ارتفاع الليرة فور الاستقالة

قد تساهم استقالة صهر أردوغان ووزير المالية التركي بيرات ألبيرق في تحسّنٍ بطيء لسعر صرف الليرة أمام بقية العملات.

وبالفعل، عقب ساعاتٍ من إعلان صهر أردوغان عن استقالته من منصبه الذي شغله لأكثر من عامين، سجّلت الليرة التركية ارتفاعاً أمام الدولار الأميركي. وبات سعر صرفها 8.24 ليرة أمام الدولار الواحد عوضاً عن 8.52 بعد أسابيع من تدهورٍ مستمر، بما نسبته 4.1% مقابل الدولار، وهي أكبر قفزة في 20 شهرًا، مما يشير إلى تفاؤل المستثمرين بأن التغييرات قد تنذر بالعودة إلى العقيدة الاقتصادية.

وقال أرول قاطرجي أوغلو، وهو خبير اقتصادي ونائب في البرلمان التركي عن حزب الشعوب الديمقراطي المؤيد للأكراد، “باعتقادي استقالة البيرق قد تفيد الليرة التركية مؤقتا، لكننا حتى اللحظة لم نعرف من الذي سيتولى هذا المنصب بعد استقالته وما هي الخطوات المقبلة للحكومة”.

وختامًا، كان يُنظر إلى ألبيرق على نطاق واسع على أنه يتم إعداده ليكون خليفة محتملًا لأردوغان، الذي قاد تركيا كرئيس للوزراء أو رئيسًا منذ عام 2003، وإذا قبل أردوغان الاستقالة، فقد يمهد ذلك الطريق لتحول جذري في السياسة الاقتصادية.

ربما يعجبك أيضا