في ذكرى اغتيال «رابين».. من المسئول عن التحريض؟

محمد عبد الدايم

كتب – د. محمد عبدالدايم

في 4 نوفمبر عام 1955 قام اليهودي الإسرائيلي المتطرف يجآل عمير بإطلاق النار على رئيس الوزراء في حينه يتسحاق رابين، أثناء إلقائه خطابًا في ميدان “ملوك إسرائيل”، الذي تحول اسمه فيما بعد إلى ميدان رابين.

يتسحاق رابين خامس رئيس وزراء إسرائيلي، تولى المنصب مرتين، الأولى في السبعينيات (1974- 1977)، والثانية منذ 1992 حتى اغتياله، وهو الوحيد من بين رؤساء الحكومات الإسرائيلية الذي يموت باغتيال سياسي.

قبل اغتياله بعامين، في سبتمبر 1993، وقع رابين، باعتباره رئيس الحكومة الإسرائيلية، على اتفاقية أوسلو مع السلطة الفلسطينية، ممثلة في رئيسها الراحل عرفات، وفي عام 1995 كان رابين يلقي خطابه الداعم للاتفاقية، ولكن لم يمهله عمير وأطلق عليه النار، وإلى الآن ما زال هناك من أفراد اليمين المتشدد من يعتبرون عمير “بطلًا” يهوديًا.

ShowImage

أحيت إسرائيل خلال الأسبوعين الماضيين ذكرى يتسحاق رابين، الذي كان، قبيل اغتياله، هدفا لهجوم حاد من اليمين العلماني والمتشدد، بعد موافقته على اتفاقية أوسلو، وعلى رأس مهاجميه كان رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو، الذي كان رئيس حزب هاليكود في حينه، واستطاع بعدها بثلاث سنوات أن يهزم شمعون بيريس ليصبح أصغر رؤساء الحكومة سنا.

في ذكرى اغتيال رابين أعد المعهد الإسرائيلي للديمقراطية استطلاعًا للرأي، لقياس مقدار التحريض في الآونة الأخيرة، وهل يؤدي الاستقطاب الحالي إلى تكرار حالات الاغتيال السياسي.

أُجري الاستطلاع عبر الإنترنت والهاتف، في الفترة من 14- 15 سبتمبر 2020، وشمل 511 شخصًا من الإسرائيليين المتحدثين بالعبرية، و131 شخصًا من فلسطيني الداخل المتحدثين بالعربية، كعينة تمثيلية للسكان ممن تتراوح أعمارهم بين 18 عامًا وأكثر.

من المؤكد أن حالة التصعيد في الخطاب السياسي العام قد ارتفعت خلال العامين الأخيرين بشكل كبير، وجاءت متزامنة مع جمود سياسي واستقطاب حاد أديا إلى تكرار الانتخابات لثلاث مرات، وربما تكون الرابعة في الطريق.

download 4 1

في الذكرى الخامسة والعشرين لاغتيال رئيس رابين، كشف الاستطلاع الذي أجراه المعهد الإسرائيلي للديمقراطية بمشاركة دائرة المؤسسات الصهيونية في المنظمة الصهيونية العالمية، أن الخطاب السياسي العام يؤدي إلى نمو كبير في التحريض، قد يصل إلى مستويات خطيرة، وعُرضت نتائج هذا الاستطلاع خلال فعاليات المؤتمر العام للمنظمة الصهيونية، والذي تم تدشينه عبر الإنترنت الشهر الماضي.

رئيس المركز الإسرائيلي للديمقراطية، يوحنان بليسنر، وصف الوضع الحالي على الساحة السياسية الإسرائيلية بـ”الخطير”، حيث ارتفع عدد المواطنين الذين يشعرون باضطهاد سياسي، ويتعرضون لتحريض شديد، مما يجعلهم يتخندقون في مواقف دفاعية على طول الخط، وهذا ما يمكن أن يحولهم إلى أشخاص أكثر عدوانية من غيرهم، إذا ما ظلوا يشعرون بأنهم ضحايا لكيانات سياسية توجه ضدهم التحريض والهجوم.

أما درور موراج، رئيس دائرة المؤسسات الصهيونية بالمنظمة الصهيونية العالمية، فقد اعتبر أن أخطر ما في الأمر أن يشعر المواطن الإسرائيلي بفقدان الثقة، خصوصًا في تطبيق القانون، وعندما يرى أن قيادته السياسية مسئولة بشكل مباشر عن التحريض، عندها يتأكد الجمهور أن حوادث الاغتيال السياسي مسألة وقت ليس إلا.

نتائج الاستطلاع

جاءت نتائج الاستطلاع لتشير إلى أن نحو 71% من الجمهور الإسرائيلي يعتقدون أن الخطاب التحريضي ضد أفراد وجماعات بدأ يكتسب أرضية واسعة، وتزيد نسبته بشكل كبير ومخيف.

هناك نسبة 45% من الإسرائيليين يعتقدون باحتمالية عالية لوقوع حوادث اغتيال سياسي، وعند تقسيم هذه النسبة حسب الاتجاهات السياسية، فيتضح أن 65% من اليسار الإسرائيلي يتوقعون بشدة أن يحدث اغتيال سياسي، في مقابل 50% من اليمين الإسرائيلي.

هذا يعني أن نسبة غالبة من اليسار الإسرائيلي، الذي كان يدعم رابين بعد توقيع أوسلو، يخشى من تكرار حادث اغتيال رئيس الوزراء السابق، وبالتأكيد يمكن أن يمثل أفراد من اليمين الإسرائيلي المتشدد خطرًا على هؤلاء، في حالة زيادة الاستقطاب السياسي.

في المقابل هناك نسبة كبيرة للغاية من جمهور اليمين الإسرائيلي تصل إلى 84% تعتقد بأن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو أحد أكثر الكوادر السياسية التي تتعرض للتحريض، أي أن قطاع كبير من اليمين يرى في رئيس الحكومة هدفًا للتحريض الذي يمكن أن يفضي إلى اغتيال سياسي.

بشكل عام، عند قياس نسبة الشعور بالتحريض، أفضت نتائج الاستطلاع إلى أن العديد من الجماعات داخل إسرائيل تشعر بموجات تحريض ضدها، منهم الفلسطينيون بالداخل، حيث يشعر 70% بالتحريض المتزايد، في مقابل 86% من المحسوبين على اليسار، و67% من اليمين، أما الحريديم فتشعر نسبة 81% منهم بالتحريض ضدهم.

من المسئول عن التحريض؟

يضع المُستطلعون مسئولية التحريض على كل من القيادة السياسية في إسرائيل، ووسائل الإعلام، وذلك بنسبة متساوية بلغت 31% لكل منهما.

بالنسبة لليمين الإسرائيلي؛ يرى أفراده أن الإعلام هو الجاني الرئيس المسئول عن التحريض، ويتهمونه بالهجوم المتواصل على الحكومة اليمينية ورئيسها نتنياهو، إلى جانب تشديد الهجوم على اليمين الديني والحريدي، وفي المقابل يُحمل اليسار الإسرائيلي المسئولية للقيادة السياسية الحاكمة.

من الواضح أن الاتهامات متبادلة بين الشريحتين الرئيستين، اليسار واليمين، فاليسار يرى في شخص نتنياهو وحزبه وحلفائه من اليمين الديني داعمين للتحريض، وأن القيادة السياسية لا تدخر وسعا لتأجيج مشاعر الكراهية، فيما يعتبر اليمين الإسرائيلي أن وسائل الإعلام المختلفة هي المسئولة عن التحريض ضده.

هذا الاستطلاع يأتي في وقت حرج، حيث ما زالت الأزمة قائمة بين طرفي الحكومة الإسرائيلية نتنياهو – جانتس، حول الاتفاق على قانون الموازنة العامة، بينما يواجه نتنياهو الغضب المتصاعد ضد سياساته الاقتصادية في عصر كورونا بالمزيد من قرارات الإغلاق والحجر.

كما لا يجب إغفال أن بيبي ظل طيلة عام ونصف يتهم وسائل الإعلام بأنها تحرض ضده شخصيًا، مستغلة الاتهامات الموجهة له بالفساد، كما قدم العام الماضي بلاغات ضد صحفيين، متهما إياهم بتشويه سمعته.

من المثير أن نتنياهو الذي كان من أكثر المحرضين على يتسحاق رابين بعد توقيع أوسلو، قد صنف نفسه مؤخرًا كأحد رؤساء الحكومة التاريخيين عندما أعلن عن التطبيع مع دول عربية، ووضع نفسه في قائمة تضم مناحم بيجن الذي وقع اتفاقية كامب ديفيد، ورابين الذي وقع أوسلو.

الصهيونية والديمقراطية وإسرائيل

أظهر الاستطلاع أن نحو 80% يرون بأن الديمقراطية عنصر ضروري لتعريف الصهيونية باعتبارها حركة داعمة لوجود “دولة يهودية” على أرض فلسطين المحتلة، فيما اختلفت نسبة من يؤمنون بتوصيف إسرائيل باعتبارها “دولة يهودية وديمقراطية” أو “دولة يهودية” فحسب، فهناك من يعتقدون بوجوب أن تكون الديمقراطية عنصرًا رئيسًا في تعريف الدولة اليهودية، بينما يرى البعض أن التعريف “اليهودي” أهم من الديمقراطية، وأشمل.

ربما يعجبك أيضا