في إيران .. احتجاجات نوفمبر صداع في رأس النظام

يوسف بنده

رؤية

تحل اليوم السبت الذكرى السنوية الأولى لاحتجاجات نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، حيث ارتفعت أسعار البنزين في مثل هذا اليوم من العام المنصرم، وهو قرار صدم كثيرًا من الإيرانيين، مما جعلهم ينزلون إلى الشوارع للتنديد، وشهدت مدن كبرى احتجاجات واسعة وعمت حالة من الاضطرابات عموم البلاد، وواجهت السلطات الأمنية هذه الاحتجاجات الغاضبة بالنار والحديد، وقمعت أصوات المتظاهرين بشكل عنيف، بحيث ذكرت وسائل إعلام دولية شهيرة أن عدد الوفيات بلغ 1500 حالة خلال أيام.

وتعد احتجاجات نوفمبر، التي انتشرت في 30 محافظة إيرانية، الأكثر انتشارًا في عمر النظام الإيراني البالغ 42 عامًا. وبالطبع، كان قمعها هو الأكثر دموية في احتجاجات الشوارع خلال العقود الأربعة للجمهورية الإسلامية.

وتشير إحصائيات مختلفة إلى مقتل ما لا يقل عن 400 إلى 1500 متظاهر. فيما لم يعلن النظام حتى الآن عن إحصائيات رسمية وتفصيلية لأعداد القتلى.

وتُظهر دراسة هيكل صنع القرار في الجمهورية الإسلامية أن ما لا يقل عن 14 من كبار المسؤولين على المستوى الوطني وحوالي 340 مسؤولًا في 31 محافظة إيرانية، هم من قادوا أعمال القمع والقتل في الشوارع في نوفمبر/تشرين الثاني 2019.

وحسب تقرير قناة إيران انترنشنال المعارضة، فقد تم اتخاذ قرار قمع المتظاهرين على أعلى مستويات صنع القرار في إيران، بقرار شخصي من علي خامنئي، مرشد الجمهورية الإسلامية. وبصرف النظر عن دوره كمرشد للجمهورية الإسلامية وصلاحياته الواسعة وإرادته لقمع المتظاهرين، في حالتين، فقد أيد على وجه التحديد قرارات السلطات الأخرى بالتحقيق في قمع المتظاهرين.

كذلك، الرئيس حسن روحاني هو ثاني مسؤول كبير يتحمّل المسؤولية عن قتل متظاهري نوفمبر إلى جانب علي خامنئي. وهو رئيس للجمهورية، أي إنه رئيس لمجلس الأمن القومي، وفقا للمادة 176 من الدستور، وهو أهم وأعلى مؤسسة أمنية في البلاد، بالإضافة إلى أنه لعب دورًا في عملية صنع القرار بخصوص القمع والتخطيط والتنفيذ. ووقف تمامًا إلى جانب مرشد الجمهورية الإسلامية. وعادة ما يتم تفويض رئاسة مجلس الأمن القومي من قبل الرئيس لوزير الداخلية. لأن وزير الداخلية يعمل تحت إشرافه كرئيس لمجلس الأمن القومي، وكسلطة عليا لجميع المحافظين.

العفو عن البعض

يوم الثلاثاء الماضي، أعلن غلام حسين إسماعيلي، المتحدث باسم القضاء الإيراني، أنه تم “العفو” عن “157 مدانًا أمنيًا”، فيما يتعلق باحتجاجات 2017-2018، و2019.

ويأتي قرار العفو عن 157 شخصًا في وقت تم فيه اعتقال 15 ألف شخص على الأقل من قبل مسؤولي الأمن وإنفاذ القانون في السنوات الثلاث الماضية، وفقًا لتقارير رسمية وتصريحات لمسؤولين حكوميين حول عدد المعتقلين في الاحتجاجات التي عمّت البلاد.

هذا وكان المسؤولون القضائيون قد أشاروا مرارًا إلى “عدم اتساع السجون، وسوء حالة” السجناء، بسبب زيادة أعدادهم في البلاد.

وبحسب المتحدث باسم القضاء، فقد تم العفو عن 3780 محكومًا، وإطلاق سراح 2301 سجين، باقتراح من رئيس القضاء، وبموافقة المرشد الإيراني.

وقال إسماعيلي إنه في الأشهر الـ18 الماضية، تم العفو عن “حوالي 40 ألف شخص” وتم إطلاق سراح نصفهم من السجن.

ويأتي الإعلان عن هذا الخبر قبل أيام من الذكرى السنوية للاحتجاجات التي عمت أنحاء البلاد في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي ، والتي أدت إلى اعتقال ما لا يقل عن 10 آلاف شخص وقتل المئات على أيدي قوات الأمن.

إغلاق العاصمة

أعلن نادر توكلي، -نائب رئيس لجنة مكافحة كورونا في طهران- أن عطلة لمدة أسبوعين في العاصمة سيتم تطبيقها بشكل كامل، إذا تمت الموافقة عليها، وأن المدينة “سيتم إغلاقها”، مضيفًا أن مسألة الإغلاق لمدة أسبوعين في محافظة طهران على وشك الموافقة النهائية. وأضاف أنه في حال الموافقة على الإغلاق، ستُغلق المدينة بالكامل، وسيدخل جميع الموظفين والعمال في عطلة.

ووفقًا لما قاله توكلي، إذا تمت الموافقة على الخطة، فلن تتمكن من العمل إلا متاجر البقالة وخدمات الطوارئ وأقسام الإطفاء والمستشفيات.

وأعلن عضو لجنة مكافحة كورونا في طهران أن العديد من المسؤولين في المحافظة يتفقون أيضًا على هذه المسألة.

وقد ربط بعض نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي الإغلاق بذكرى احتجاجات نوفمبر، متهمين الحكومة بالتأجيل لهذا السبب، تحسبًا لخروج مظاهرات احتجاجية.

وقد أشارت صحيفة “جمله” الإيرانية، إلى الأسباب الكامنة التي جعلت الحكومة تمتنع عن الموافقة على قرار فرض عطلة لمدة أسبوعين، للحد من انتشار فيروس كورونا، الذي يشهد ارتفاعا رهيبا في عدد الوفيات والإصابات، حيث تجاوز عدد المتوفين 450 والمصابين 11 ألفًا يوميًا.

وأوضحت الصحيفة أن الحكومة، وبسبب حجم الكارثة، ستضطر في نهاية المطاف إلى قبول قرار الإغلاق لكنها أرادت أن تستفيد من هذه الفرصة قدر الإمكان، بحيث أجلتها لكي تتزامن مع الذكرى السنوية الأولى لأحداث نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، وتكون بذلك قد أصابت عصفورين بحجر واحد، فهي تعمل للحد من انتشار الفيروس، وفي نفس الوقت تمنع الاحتجاجات المحتملة بحجة منع التجمعات.

وخلصت الصحيفة إلى أن قرار تعطيل العاصمة طهران راجع إلى المؤسسات والجهات الأمنية، وعندما توافق هذه الجهات يتم إغلاق طهران لمدة أسبوعين.

محاكمة للمسئولين

وبالتزامن مع ذكرى هذه الاحتجاجات، أعلنت منظمة العدالة من أجل إيران، ومنظمة حقوق الإنسان في إيران، ومنظمة “معًا ضد الإعدام” الدولیة، أن محكمة دولية في لاهاي ستنظر في قضية مذبحة نوفمبر 2019 في شهر فبراير/ شباط القادم.

وأكدت المنظمات الحقوقية المسؤولة عن “محكمة نوفمبر الدولية الشعبية” أن هذه المحاكمة تأتي استجابة لطلبات متكررة من أهالي الضحايا برفع دعوى قضائية من جهة، وتجاهل المؤسسات الدولية والمجتمع الدولي لاحتجاجات نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 من جهة ثانية.

وفي تقرير لها يوم 23 ديسمبر/ كانون الأول 2019، نقلت وكالة “رويترز” عن 3 مسؤولين في وزارة الداخلية الإيرانية قولهم إن أكثر من 1500 شخص قتلوا في أسبوعين من الاحتجاجات في جميع أنحاء البلاد في إيران، بينهم 17 مراهقًا و 440 امرأة.

ومن المقرر أن يستمع عدد من المحامين الدوليين إلى شهادات من عائلات الضحايا وشهود العيان والخبراء خلال “محكمة نوفمبر الدولية الشعبية”، التي ستعقد في لاهاي(link is external) لمدة ثلاثة أيام في شهر فبراير/شباط المقبل.

وقد رحب العشرات من أفراد العائلات وشهود العيان حتى الآن بالإعلان عن تشكيل مثل هذه المحكمة وأعلنوا أنهم سيدلون بشهاداتهم، وفقًا لمنظمة العدالة من أجل إيران، ومنظمة حقوق الإنسان في إيران، ومنظمة “معًا ضد عقوبة الإعدام” الدولية.

وفي الذكرى الأولى لاحتجاجات نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، دعت هذه المنظمات الحقوقية مجموعة من المحامين الدوليين البارزين إلى التحقيق بشكل مستقل في ملف مقتل المتظاهرين وإصدار أحكام بشأن “الجرائم الدولية التي ارتكبها المسؤولون الإيرانيون وقوات إنفاذ القانون والأمن”.

وسيقوم المحاميان، حميد صبي، ورجينا باؤولوس، بأخذ شهادات الشهود وجمع الأدلة للقضاة في “محكمة نوفمبر الشعبية الدولية”.

وقال حميد صبي عن هذه المحاكمة: “ندعو جميع شهود العيان على الاحتجاجات والمصابين والمعتقلين وأهالي الضحايا والسجناء إلى الاتصال بالمحكمة والمساعدة، من خلال شهادتهم، في عملية التقاضي الدولية”.

وفي وقت سابق، قالت منظمة العفو الدولية في 4 مارس/ آذار  الماضي، إنها وجدت أدلة على أن قوات الأمن التابعة للنظام الإيراني  قتلت 23 طفلاً خلال اليومين الثاني والثالث من احتجاجات نوفمبر/ تشرين الثاني، في “مذبحة جماعية وسريعة” للمتظاهرين. ودعت إلى إنشاء آلية تحقيق من قبل الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة للتصدي لمقتل المتظاهرين والمارة، بمن فيهم الأطفال، خلال احتجاجات نوفمبر/ تشرين الثاني.

وبحسب منظمة العفو الدولية، فإن “ما لا يقل عن 23 طفلاً قتلوا على أيدي قوات الأمن خلال احتجاجات نوفمبر، منهم 22 طفلاً  تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عامًا، وكذلك طفلة يتراوح عمرها  بين 8 و12 عامًا”.

عقوبات أمريكية

كتبت وكالة “رويترز” للأنباء، نقلًا عن ثلاثة مصادر مطلعة، أنه من المتوقع أن تفرض الولايات المتحدة حتى الأسبوع المقبل عقوبات على المسؤولين الإيرانيين المتورطين في حملة قمع المحتجين العام الماضي.

وبحسب  التقرير، قالت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، إن العقوبات ستفرض في ذكرى قمع احتجاجات نوفمبر 2019، والتي تعتبر أكثر الاحتجاجات الشعبية دموية منذ ثورة 1979.

وقال مصدر لـ”رويترز”: إن العقوبات، التي ستُنفّذ الأسبوع المقبل، تشمل مجموعة واسعة من الإجراءات ضد عدة أفراد وعشرات الكيانات الإيرانية.

وبحسب التقرير، امتنعت وزارة الخارجية الأميركية والبعثة الإيرانية لدى الأمم المتحدة عن التعليق حتى الآن.

وأفادت “رويترز” أن التحضير لهذه العقوبات بدأ قبل بضعة أشهر، حيث تعتزم واشنطن فرض عقوبات على المتورطين في قتل المدنيين.

وذكر أحد المصادر لـ”رويترز” أن الأفراد الذين ستعاقبهم الولايات المتحدة سيكونون من مسؤولي الأمن والحكومة في الجمهورية الإسلامية.

وفي وقت سابق، نقلت “رويترز” عن ثلاثة مسؤولين بوزارة الداخلية الإيرانية قولهم إن حوالي 1500 شخص، بينهم 17 مراهقًا و400 امرأة، قتلوا خلال أسبوعين من الاحتجاجات في نوفمبر 2019 احتجاجًا على الارتفاع المفاجئ في أسعار الوقود. ويأتي هذا بينما أعلنت وزارة الداخلية الإيرانية عن مقتل نحو 225 شخصًا في هذه الاحتجاجات.

وتزامناً مع الذكرى الأولى لاحتجاجات نوفمبر، قال جاويد رحمن، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في إيران، في تقرير للجمعية العامة للأمم المتحدة يوم الاثنين 26 أكتوبر/تشرين الأول إن إيران تواصل انتهاك حقوق المتظاهرين بشكل جدي بدلًا من محاسبة المسؤولين عن قمع احتجاجات العام الماضي.

وكتب المقرر الخاص للأمم المتحدة مستشهدًا بشهادات موثوقة تلقاها من آلاف المحتجزين: “استخدم مسؤولو النظام التعذيب الجسدي والنفسي للمتظاهرين لإجبارهم على الإدلاء باعترافات”.

وأضاف جاويد رحمن: “بعد ذلك، وبناءً على هذه الاعترافات القسرية فقط، حُكم على بعض المعتقلين بأحكام قاسية وحتى بالإعدام”.

ربما يعجبك أيضا