أكبر تكتل تجاري في العالم.. تقوده الصين وأمريكا لا مكان لها

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

بعد ثماني سنوات من المحادثات، أعلنت 15 دولة بقيادة الصين، اليوم الأحد الموافق 15 نوفمبر، التوقيع على أكبر اتفاقية للتجارة الحرة في العالم، وهي اتفاقية صممتها بكين جزئيًا لتكون قوة وازنة في مواجهة النفوذ الأمريكي.

بحسب وكالة “رويترز” أصرت الصين على استبعاد الولايات المتحدة والتي انسحبت بدورها من اتفاقية منافسة هي “الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ” عام 2017، وبكين لا تخفي رغبتها في الرد على حرب الرسوم الجمركية التي أطلق شرورها ترامب ودفعت هي ثمنها رغم محاولاتها لفتح الأبواب مع واشنطن والتوصل لحلول وسط.

اتفاق واعد وطموح

الاتفاق الذي وقع اليوم، خلال قمة افتراضية لرابطة دول جنوب شرق آسيا “آسيان” في هانوي، يضم كلا من الصين، واليابان، وأستراليا، ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية، إلى جانب فيتنام وتايلاند، والفلبين، ولاوس، وكمبوديا، وميانمار، وماليزيا، وسنغافورة، وإندونيسيا وبروناي.

في بداية القمة قال رئيس الوزراء الفيتنامي نجوين شوان فوك: إنني سعيد للغاية، بعد ثماني سنوات من المفاوضات المليئة بالصعوبات، أنهينا اليوم المفاوضات حول اتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة RCEP”“، ووقعنا عليها رسميا خلال قمة الآسيان الـ37.

وأضاف فوك: أن التوقيع على هذه الاتفاقية يبعث رسالة قوية تؤكد الدور القيادي لـ “الآسيان” في دعم الأنظمة التجارية متعددة الأطراف.

تعد هذه الاتفاقية في ضوء الدول الموقعة عليه وعلى رأسها الصين -صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم- أكبر اتفاق للتجارة الحرة في العالم من حيث إجمالي الناتج الداخلي لمجموع الدول الموقعة عليه “29% من الناتج الاقتصادي العالمي”، كما أنه يغطي نحو 2.2 مليار شخص من سكان العالم، ويعد الأول من نوعه الذي يضم قوى شرق آسيا “الصين واليابان وكوريا الجنوبية ” معا في مظلة تجارية واحدة.

وتشكل الاتفاقية منطقة للتجارة الحرة بين 15 دولة، تلغي بشكل أساسي الرسوم الجمركية على العديد من السلع المؤهلة بالفعل لمعاملة معفاة من الرسوم، مع السماح للدول الأعضاء بالحفاظ على حق فرض تعريفات جمركية على واردات القطاعات التي تعتبرها حساسة بشكل خاص.

كما تحدد الاتفاقية معايير مشتركة لقواعد المنشأ وكمية المنتج التي يجب إنتاجها داخل المنطقة حتى يتأهل المنتج النهائي للإعفاء من الرسوم الجمركية، بما يسهل أكثر عملية بناء سلاسل التوريد بين الدول الأعضاء.

وبحسب وزارة المالية الصينية، تعهدات الكتلة الجديدة تشمل إلغاء عدد من الرسوم الجمركية داخل المجموعة بشكل فوري، والبعض الآخر عل مدار عشرة أعوام قادمة.

لم تتطرق الاتفاقية -تجنبا للخلافات والانقسامات- إلى المعايير القانونية أو تجارة الخدمات أو قواعد حماية الملكية الفكرية، كما تجاهلت الحديث عن قوانين نقابات العمال والمعايير البيئية وإشكالية الدعم الحكومي للشركات المملوكة للدولة وتأثير ذلك على قواعد المنافسة العادلة.

 كان من المفترض أن تضم الاتفاقية “الهند” أيضا، إلا أن حكومة نيودلهي انسحبت من المفاوضات في يوليو الماضي، بعد رفض الصين لمطالبها باتفاقية أوسع تشمل تجارة الخدمات والسلع كافة، كما أن الهند كان لديها تخوف من فتح أسواقها أكثر أمام السلع الصينية بموجب الاتفاقية، حيث تستورد من الصين حاليا سلع بنحو 60 مليار دولار سنويا.

“هي ويني” المسؤول السابق بوزارة التجارة الصينية والخبير في السياسات التجارية يقول لـ”نيويورك تايمز”: إن اتفاق اليوم يمثل خطوة كبيرة إلى الأمام وسيساهم بالتأكيد في تعزيز التجارة العالمية.

نفوذ الصين في مواجهة الكبرياء الأمريكي

الاتفاقية الوليدة تعزز مكانة الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادي بوجودها على رأس أكبر تكتل للتجارة الحرة في العالم، بما يحسن وضعها في مواجهة الولايات المتحدة لصياغة قواعد التجارة سواء على صعيد المنطقة الآسيوية أو العالم.

ماري لوفلي -الباحثة في معهد بيترسون للاقتصاد الدولي – ترى أن الحواجز التجارية المنخفضة التي تفرضها اتفاقية RCEP يمكن أن تشجع الشركات العالمية على تجنب الرسوم الأمريكية على السلع المصنعة في الصين بمواصلة العمل في آسيا بدلاً من التحول إلى أمريكا الشمالية.

رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانغ، وصف الاتفاقية بأنها “انتصار للتعددية والتجارة الحرة”.

الاتفاق يحقق للصين انفراجة تتعلق بعلاقاتها مع اليابان -ثالث أقوى اقتصاد في العالم- باعتباره أول ترتيب من نوعه بين البلدين يتعلق بخفض الرسوم الجمركية المتبادلة.

ويضمن الاتفاق للصين على هذا النحو وبالتعاون مع الأعضاء الآخرين أن تكون أكثر قدرة على تجنب الآثار السلبية للرسوم الأمريكية المفروضة على بضائعها -في حال استمرت في عهد الديمقراطي جو بايدن- كما أنه يمكنها من تقليص الاعتماد على الخارج “الدول غير الأعضاء” فيما يتعلق بالعديد من السلع.

من غير الواضح كيف يمكن أن ترد واشنطن على هذه الاتفاقية، بعد أربعة أعوام من الحرب التجارية مع بكين، والتي كانت محل انتقادات من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، وأيضا من المؤسسات الدولية وعلى رأسها صندوق النقد، لكن من المتوقع أن يتخذ بايدن مواقف أكثر دبلوماسية مع بكين ويحاول وضع حد لهذه الحرب، كما يتوقع أن يعاود الانضمام إلى اتفاقية الشركة التجارية عبر المحيط الهادئ.

ربما يعجبك أيضا