قطار ما بعد بريكست يأمل الانطلاق.. والحسم بيد بريطانيا!

كتب – حسام عيد

بعد ثمانية أشهر من المحادثات في خضمّ جائحة كورونا الوبائية “كوفيد-19″، يبدأ الاتحاد الأوروبي وبريطانيا يوم الإثنين الموافق 16 نوفمبر 2020، الجولة الأخيرة من المفاوضات حول مرحلة ما بعد بريكست للتوصل في ختامها إلى اتفاق تجاري غير مسبوق.

وقد ألمحت بريطانيا إلى أن محادثات الخروج من الاتحاد الأوروبي “بريكست” قد تمتد إلى ما بعد هذا الأسبوع، حيث يسعى الجانبان جاهدين للتغلب على العقبات الرئيسة أمام التوصل إلى اتفاق تجاري.

وخرجت بريطانيا رسميًا من الاتحاد الأوروبي في 31 يناير الماضي، إلا أن تأثير الانفصال لن يظهر قبل الأول من يناير 2021، بعد انتهاء الفترة الانتقالية التي يُفترض أن يتواصل خلالها تطبيق المعايير الأوروبية.

وفي هذه الفترة أيضًا، تعهّدت لندن وبروكسل بإبرام اتفاقية تجارية باسم “لا رسوم جمركية، وصفر حصص” للحدّ قدر الإمكان من العواقب السلبية لبريكست والتي لا يمكن تجنّبها.

لكن قبل أقل من خمسين يومًا من نهاية العام، تراوح المحادثات مكانها رغم أنها مكثفة.

الأسبوع المقبل.. الحاسم

وعلى الرغم من اتفاق المسؤولين من كلا الجانبين يتفقون على أن الأسبوع المقبل هو الحاسم، فإن المفاوضات حول اتفاق تجاري قد مرت بالفعل بعدد من المواعيد النهائية غير الرسمية؛ وفق ما أفادت وكالة “بلومبيرج”.

وقال وزير البيئة البريطاني جورج إيوستيس، يوم الأحد الموافق 15 نوفمبر 2020، إنه سوف يكون من الممكن “تقليص الوقت الإضافي” إذا كان الجانبان على وشك التوصل إلى اتفاق.

ومن ناحيته، قال كبير مفاوضي “بريكست” البريطاني ديفيد فروست إنه يتوجه إلى بروكسل لإجراء مزيد من المناقشات مع نظيره في الاتحاد الأوروبي ميشيل بارنييه وإن المملكة المتحدة “لن تغير” موقفها في المحادثات المقبلة.

وأضاف إنه كان هناك “بعض التقدم في اتجاه إيجابي في الأيام الأخيرة”، بينما حذر قائلا: “يحتمل ألا ننجح”.

وكانت جولة الأسبوع الماضي من المفاوضات، التي اعتبرت حاسمة بعد تجاوز أكثر من موعد نهائي للتوصل إلى اتفاق، انتهت مساء الجمعة من دون تحقيق تقدم واضح حول النقاط الخلافية الثلاث، المتمثلة في مساواة القواعد والقوانين، وشروط تطبيق الاتفاقية وجزاءات انتهاكها، وحقوق الصيد في المياه البريطانية.

وغادر رئيس وفد التفاوض الأوروبي، ميشال بارنييه، لندن ليمضي السبت والأحد في دراسة مقترح بريطاني بشأن حقوق الصيد، وكذلك التشاور مع رئاسة المفوضية الأوروبية بشأن النقطتين الأخريين.

وفي حال بقاء الخلافات، سيتسبب الخروج من الاتحاد من دون اتفاق بمزيد من التداعيات للاقتصادات الأوروبية المتضررة أساسًا جراء وباء كوفيد-19، لكن بشكل أكبر للاقتصاد البريطاني، إذ إن المملكة المتحدة تصدّر 47% من منتجاتها إلى القارة، في وقت لا يصدر الاتحاد سوى 8% من بضائعه إلى بريطانيا.

وفي حال الانفصال بدون اتفاق، تعتبر لندن أن سبعة آلاف شاحنة يمكن أن تعلق في منطقة كينت (جنوب شرق) لحوالي يومين من أجل عبور النفق.

وقال وزير الخارجية الإيرلندي سايمون كوفيني مؤخرًا “إذا لم نتمكن من إبرام اتفاق، سيمثل ذلك فشلاً كبيراً للسياسة والدبلوماسية”.

وتتعثر المفاوضات بسبب ثلاث مسائل: الضمانات المطلوبة من لندن في ما يتعلق المنافسة ووصول الأوروبيين إلى مناطق الصيد في المياه البريطانية وطريقة إدارة الخلافات في الاتفاق المستقبلي.

الأمتار الأخيرة لاتفاق ما بعد بريكست

ويعتبر دبلوماسي أوروبي أن “المنطق والعقل يجب أن يسمحا بالتوصل إلى اتفاق”. ويتابع “لكن ما اتضح خلال السنوات الأخيرة هو أن المنطق الاقتصادي والحسّ السليم لا يكفيان لشرح ما يحصل في ملف بريكست”.

وقال جورج إيوستس وزير البيئة البريطاني، إنه لابد من تحقيق تقدم في محادثات الخروج من الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع وذلك قبل انتهاء الاتفاق الانتقالي مع الاتحاد في نهاية العام الجاري.

وقال إيوستس: “من الضروري تحريك الأمور هذا الأسبوع وتحقيق انفراجة في بعض هذه المشاكل الصعبة والتوصل إلى حل وأن يكون لدينا على الأقل بعض الخطوط العريضة لاتفاق ما”.

وأضاف الوزير “بخلاف ذلك يصبح الأمر في غاية الصعوبة ويبدأ الوقت المتاح لنا للتنفيذ في النفاد”.

هناك أمر مؤكد وحيد هو أنه يجب التوصل إلى اتفاق في الأيام المقبلة للتمكن من المصادقة عليه في الوقت المناسب من جانب البرلمانين البريطاني والأوروبي.

ويمكن أن يشكل مؤتمر عبر الفيديو الخميس 19 نوفمبر 2020، يجمع رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي – وهو مخصص حتى الآن لأزمة كوفيد-19 – موعداً نهائيًا للتوصل إلى اتفاق. لكن لا يمكن استبعاد تمديد جديد للمحادثات.

تهديد بقطع الطاقة

وفي سياق ضغوط اللحظات الأخيرة، سرب الأوروبيون احتمال وقف توصيل الطاقة من أوروبا لبريطانيا عبر كابلات ربط الشبكات الكهربائية التي تمد الشبكة البريطانية بالطاقة من أوروبا إذا لم يتم التوصل لاتفاق بشأن حقوق الصيد.

ولم ينفِ المسؤولون الأوروبيون، أو يؤكدوا، التقرير الذي بثته وكالة “بلومبيرج” الخميس 12 نوفمبر، بهذا الخصوص، على الرغم من أن موضوع ربط الشبكات ليس مطروحاً في المفاوضات. وحتى إذا انتهت العلاقة بين بريطانيا وأوروبا إلى “بريكست” من دون اتفاق في 1 يناير 2021، فإن قواعد منظمة التجارة العالمية لا تعني وقف الربط الكهربائي؛ لأنه في النهاية تبادل تجاري للطاقة على أساس تفضيل أسعار، إنما ما هددت به أوروبا، حسب تقرير “بلومبيرج”، سيعني حرمان بريطانيا من أفضلية الحصول على الكهرباء من دول الربط الأوروبية؛ فرنسا وهولندا وبلجيكا، وليس القطع التام لربط الشبكات.

وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد لمح شهر أكتوبر الماضي في تصريحاته المتعلقة بحقوق الصيد إلى إمكانية حرمان بريطانيا من الأفضلية في توصيل الطاقة الأوروبية؛ كهرباء وغاز، عبر ربط الشبكات إذا لم تقدم تنازلات عن موقفها في مسألة حقوق الصيد ضمن اتفاق “بريكست”.

وتحصل بريطانيا على نحو 9% من استهلاكها من الكهرباء عبر ربط الشبكات مع الدول الأوروبية الثلاث، وبخاصة من فرنسا، حيث إن سعر الكهرباء منها أرخص حتى من إنتاجها في بريطانيا لتوليدها من مفاعلات طاقة نووية.

ويقلل المسؤولون البريطانيون من أهمية التهديد الأوروبي، في حال كان أكيدًا، على اعتبار أن لدى شبكة الكهرباء الوطنية البريطانية فائض سعة لتوليد الكهرباء يمكن أن يعوض النقص في حال حرمت بريطانيا من الأفضلية الأوروبية. لكن، في هذه الحالة ستضطر بريطانيا لإعادة تشغيل محطات توليد كهرباء احتياطية بالغاز والفحم، ما يعني ارتفاع أسعار الكهرباء، وخصوصًا في ذروة فصل الشتاء، حيث يزيد استهلاك الكهرباء والغاز موسمياً، كما أن طاقة إنتاج الكهرباء الاحتياطية في بريطانيا بالكاد تساوي القدر الذي تحصل عليه من أوروبا عبر ربط الشبكات، وهو في حدود 4.8 جيجاواط. ومع أن المحللين والمراقبين لا يرون في هذا التهديد سوى ورقة ضغط أوروبية، فإن احتمالات الاضطرابات الاقتصادية الآخر في بريطانيا نتيجة “بريكست” من دون اتفاق لا تسمح بإضافة عبء آخر يهدد المواطنين بانقطاع الكهرباء أو ارتفاع سعرها وسعر الغاز للمنازل في يناير المقبل.

ربما يعجبك أيضا