بيرو بلا رئيس.. والأزمة تأخذ منعطفا فوضويا

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

اتخذت الاضطرابات السياسية في الدولة الواقعة في أمريكا اللاتينية منعطفًا فوضويًا، عندما استقال رئيس بيرو المؤقت مانويل ميرينو ولم يتمكن البرلمان من اتخاذ قرار بشأن بديله، وترك ذلك البلاد بلا دفة وفي أزمة بعد أقل من أسبوع من إشعال المشرعين عاصفة احتجاج بإزاحة الرئيس مارتين فيزكارا، وهو مناضل مناهض للفساد ويحظى بشعبية كبيرة بين شعبه.

وأمس الأحد، أعلن الرئيس المؤقت استقالته، وذلك إثر مقتل اثنين وإصابة العشرات في احتجاجات طالبت برحيله، قائلا «أريد أن أبلغ البلاد برمتها أنني اقدم استقالتي».

وبذلك ينسحب مانويل ميرينو من المشهد بعد خمسة أيام فقط من توليه منصبه، الأمر الذي تسبب بمظاهرات عنيفة.

بداية الأزمة

أثار البرلمان الكارثة قبل أسبوع عندما صوت المشرعون بأغلبية ساحقة على عزل فيزكارا، باستخدام فقرة تعود إلى القرن التاسع عشر، اتهمه المشرعون بـ«الفساد»، قائلين إنه حصل على أكثر من 630 ألف دولار في شكل رشاوى مقابل عقدي بناء عندما كان حاكم مقاطعة صغيرة قبل سنوات.

يحقق المدعون في الاتهامات ، لكن لم يتم توجيه تهم إلى فيزكارا، وهو ينفي بشدة ارتكاب أي مخالفة.

أثارت هذه الخطوة غضب الكثيرين في بيرو، الذين استنكروا ذلك باعتباره استيلاء غير قانوني على السلطة من قبل برلمان مليء بالسياسيين الهواة الذين يبحثون عن مصالحهم الخاصة، حيث يخضع نصف المشرعين للتحقيق في جرائم محتملة، بما في ذلك غسل الأموال والقتل، وأراد فيزكارا التخلص من حصانتهم البرلمانية وهي خطوة شائعة لدى البيروفيين ولكن ليس مع الهيئة التشريعية.

وعين ميرينو رئيسا بالوكالة عقب عزل البرلمان للرئيس مارتن فيزكارا، وبموجب الدستور تولى رئيس البرلمان آنذاك مانويل ميرينو مهام الرئيس بالوكالة حتى انتهاء الولاية الرئاسية في 28 يوليو 2021.

أدى مانويل ميرينو، رئيس البرلمان غير المعروف، وهو مزارع أرز، اليمين الدستورية يوم الثلاثاء، بينما احتج مئات البيروفيين ، لكنه ووعد بالإبقاء على الانتخابات الرئاسية المقررة في أبريل، لكن التعيينات في مجلس الوزراء أغضبت الكثيرين، ورد الفعل القاسي من قبل الشرطة أشعل الغضب.

وفي وسط العاصمة ليما، احتشد المحتجون وبدأت المظاهرات بشكل سلمي عند الظهر لكنها شهدت توترا مع حلول المساء.

على حافة الفوضى

في الساعات الأولى من اليوم الإثنين، ظهر قادة البرلمان بعد عدة ساعات من المفاوضات المغلقة، ليعلنوا أن جلستهم كانت متوقفة دون اتخاذ أي قرار، وسوف يجتمعون مرة أخرى في وقت لاحق من اليوم.

هناك نوعان من المخارج المحتملة لهذه المحنة، يمكن أن يقدم البرلمان مرشحًا جديدًا للموافقة عليه بأغلبية بسيطة أو يمكن أن تتدخل أعلى محكمة في البلاد، ولكن مع عدم ضمان أي من المسارين لتحقيق حل، دعا بعض البيروفيين إلى احتجاجات جديدة، مما يجعل البلاد على وشك الفوضى.

قال المحلل ألونسو جورمندي دنكلبيرج: «أعتقد أن هذه هي أخطر أزمة ديمقراطية وحقوق إنسان نشهدها منذ أن كان ألبرتو فوجيموري في السلطة».

تمر بيرو بأزمة أكثر حدة وفتكا بالبلاد من تفشي فيروس كورونا في العالم، ويقول محللون سياسيون، إن الأزمة الدستورية ألقت بالديمقراطية في البلاد للخطر.

وذكرت جماعات حقوق الإنسان، أن 112 شخصا أصيبوا في احتجاجات السبت الماضي، بجرجراء استخدام الشرطة للرصاص والهراوات والغاز المسيل للدموع، وتوفي اثنان هما جاك بنتادو 22 عاما، الذي أصيب بـ11 طلقة، وجوردان سوتيلو 24 عاما، الذي أصيب بأربع طلقات في صدره بالقرب من قلبه.

قال الكاتب البيروفي والحائز على جائزة نوبل ماريو فارغاس يوسا في مقطع فيديو مسجّل نُشر على تويتر: «لقد ضحى بهم رجال الشرطة بطريقة سخيفة وغبية وغير عادلة، هذا القمع ضد بيرو بأكملها يجب أن يتوقف».

كانت الاحتجاجات التي هزت بيرو مختلفة عن أي احتجاجات شوهدت في السنوات الأخيرة، وغذتها إلى حد كبير الشباب اللامبالون عادة بالسياسات غير المنتظمة في البلاد، والذين جاؤوا بعد عام من موجة المظاهرات المناهضة للحكومة للمطالبة بظروف أفضل للفقراء والطبقة العاملة.

قال المتظاهر فرناندو راميريز وهو يضرب بالملعقة على وعاء في إحدى الاحتجاجات: «نريد أن يُسمع صوت الناس».

قال ستيفن ليفيتسكي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة هارفارد، إن الاحتجاجات بعثت برسالة مدوية إلى النخب السياسية مفادها أن البيروفيين سيكونون بمثابة رقابة على البرلمان إذا حاولوا الاستيلاء على السلطة بطريقة غير شرعية، هذا يوم جيد جدًا للديمقراطية في بيرو».

ولكن بعد ساعات من ملأ البيروفيين المبتهجين الشوارع مبتهجين بمغادرة ميرينو، لم تكن أزمة البلاد بعيدة عن الحل.

أمام البرلمان خيارات قليلة نسبيًا لرئيس جديد من شأنه إرضاء المحتجين، حيث صوتت الأغلبية الساحقة 105 من أصل 130 نائباً لصالح إزالة فيزكارا، ومن المتوقع أن يختاروا الرئيس الجديد من بين أولئك الذين صوتوا ضد عزل فيزكارا.

قال ليفيتسكي: «إنك تبحث عن شخص نظيف وليس فاسدًا، وليس ملوثًا، ولا يتصرف بطريقة سخيفة تهتم بالمصالح الشخصية  ليس لديك الكثير من الخيارات»، وفقا لصحيفة «الإندبندنت».

بعد استقالة ميرينو، رشح قادة البرلمان في البداية روسيو سيلفا، المحامية والشاعرة من حزب الجبهة العريضة اليساري والتي كانت ستصبح أول رئيسة للبلاد، لكن 42 مشرعًا فقط من أصل 119 صوتًا أيدوا ترشيحها.

وجاء توقيت الأزمة  في وقت أسوأ،  حيث تمتلك بيرو أعلى معدل وفيات للفرد في العالم بسبب كورونا وشهدت أحد أسوأ الانكماشات الاقتصادية في أمريكا اللاتينية، ويتوقع صندوق النقد الدولي انخفاضًا بنسبة 14٪ في الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.

في منطقة ليما التاريخية وهي النقطة المحورية للاحتجاجات، وضع المتظاهرون الزهور وكتبوا رسائل حزنًا على مقتل الشابين، وألقوا باللوم بشكل مباشر على أولئك الذين صوتوا لصالح عزل فيزكارا، حيث صرخت روزا رودريغيز إحدى المتظاهرين: «أعضاء البرلمان الـ 105 هم الوحيدون المذنبون في وفاتهم».

ربما يعجبك أيضا