بِر فاطمة بوالديها.. دافعها لاحتراف صنع البوظة‎

محمود

كتب – محمد عبد الكريم

تتعدد أسباب الفقر والحرمان في قطاع غزة المحاصر من قبل سلطات الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 2006، في ظل معدلات فقر وبطالة بلغت ما يزيد عن 85% من سكان القطاع يعيشون تحت خط الفقر، تعمقت معاناتهم أكثر وأكثر مع جائحة «كورونا» التي زادت من الأوضاع الإنسانية تعقيداً.

 وفيما لا تملك هذه المنطقة الساحلية أي صناعات تقريبا وتعاني من نقص مزمن في المياه والكهرباء والوقود، تبلغ نسبة البطالة في القطاع 52%، وبين العاطلين عن العمل 70% من الشباب.

 وفي ظل اعتماد أكثر من ثلثي سكان القطاع على المساعدات الإنسانية، فإن الأزمة المالية الخانقة التي تمر بها وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا” بسبب وقف الإدارة الأمريكية الدعم، يعني حدوث كارثة إنسانية محققة، ما ينتهك حقوقهم في التعليم والصحة والغذاء، حيث نسب عالية من بينهم يعانون من أمراض فقر الدم.

وتبرز من بين ثنايا هذا الواقع الإنساني الأليم حكاية “فاطمة” تلك الفتاة التي أصبحت المعيل لأسرة من 5 أفراد، والكفيلة بعلاج والديها، فالأب مبتور القدمين ومصاب بجلطة، والأم تعاني من عدد من الأمراض المزمنة.

ومن رحم المعاناة عند حدود مخيم  يبنا (الحدود الجنوبية مع مصر) في مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، ولد نجاح فاطمة الزطمة (24 عاماً)، بعد أن بدأت  في نهاية مايو/ أيار الماضي، مشروعها لبيع البوظة بنكهات مختلفة، وحمل المحل اسم “!It’s Me”، هي التي حرصت على صنع بوظة لذيذة كما كانت تحلم منذ سنوات.

فاطمة تبدأ رحلة مقارعتها لمصاعب الحياة  مع ساعات الصباح الأولى من خلال تحضيرها لمزيج الفانيليا والشيكولاتة السائلة منزليا من أجل أن تقدم نكهة قوية وصحية، وصولا لمنتج مميز للراغبين بشرائه، وأثناء ساعات عملها الدؤوبة في التحضير  يساندها في ذلك والديها رغم معاناة المرض لكليهما إلا أنهما يمثلان ركيزة الدعم والتشجيع لابنتيهما من أجل تنمية هذا المشروع بتحدٍّ وإصرار.

 الزطمة حولت دراستها في ريادة الأعمال لبذرة طموحها في التطور وعدم نسخ نجاحات الآخرين  فعملها الحالي بني على فكرة بسيطة لكن فاطمة أضافت نكهتها الخاصة له، من خلال إخلاصها وتفانيها في تسلسل خطوات صنع و تقديم الآيس كريم الرول، فبعد أن تعبئ نكهتي الشيكولاتة والفانيليا في عبوات بلاستيكية تتجه مشيا على الأقدام وهي تحملها نحو بائع الفاكهة لتنتقي بحب أنواع عدة من فاكهة الصيف لتقدم الآيس كريم بنكهة طازجة وألوان طبيعية.

ومع وقت العصر تصل فاطمة لمحل صغير في الحجم، وما أن تبدأ بفتحه بابه الحديدي حتى يبدأ محبي الآيس كريم الرول وتحديدا من الصغار بالالتفاف حول طاولتها المربعة ذات الصاجة الحديدة المستديرة للإعلان عن نية الشراء، لتبدأ مشوارها فاطمة بتلبية رغباتهم بين ارتداء القفازات أولا ثم غسل الفاكهة وانتقاء أنواع الشيكولاتة حسب متطلباتهم ثانيا، وصولا لتقطيع الفاكهة وخلطها بالنكهة السائلة مع التقليب المستمر لدقائق متواصلة، ممزوجة بالعمل المتقن والخفة التي تشد العين وتزيد من لهفة التذوق والتجربة.

بات وجود فاطمة أمام محلها مشهدا يوميا أصبح بالمعتاد بعد أن فرضت الزطمة نفسها بقوة في مجال صناعة الآيس كريم المحصورة سابقا بين الرجال، لتصبح الزطمة وهي في مقتبل عمرها صاحبة بصمة في وجودها الأول من نوعه وقدرتها على التعامل  مع فئات الشعب الفلسطيني، بل حظيت أيضا بالمؤازرة والدعم من خلال مبادرات عبر وسائل التواصل الاجتماعي للتعريف بها وبمشروعها والحث على الإقبال على الشراء منها ليصبح مردودها اليومي أمان لها ولعائلتها  المكونة من خمسة أفراد، وأيضا لتبقى متمسكة  بتحقيق حلم  امتلاك مكانها  الخاص بصناعة الأيس كريم، لتوفير احتياجاتها الخاصة ومصاريفها المستقبلية الجامعية

درس فاطمة في جامعة غزة تخصص إدارة الأعمال. صحيح أنها ما زالت في السنة الأولى، إلا أنها أرادت من خلال مشروعها بدء تطبيق ما تعلمته في الجامعة على أرض الواقع، وتحسين ظروف عائلتها، وتأمين مصاريف جامعتها، وعدم انتظار الحصول على وظيفة بعد التخرج، على الرغم من الظروف القائمة والتدهور الاقتصادي نتيجة انتشار فيروس كورونا الجديد. تقول: “واجهت ظروفاً صعبة إذ لم أستطع متابعة تعليمي الجامعي. ومثل أي فتاة، كنت أحلم في العيش بشكل جيد ومتابعة تعليمي. اليوم، عدت لأقول إنني هنا، وقد ساندتني أسرتي لأنطلق في مشروعي، على الرغم من أن مدينة رفح لم تعتد على فكرة أن تعمل فتاة في إدارة محلّ لإعداد الطعام أو ما شابه، لأنها بيئة محافظة”.

تتطلّع إلى مواصلة مشروعها بشكل أكبر وتطويره، وصنع البوظة للعديد من محافظات قطاع غزة والتنقل بينها في أيام متفرقة، وتوظيف فتيات لمساعدتها في العمل. في أحيان كثيرة، تنهي عملها في ساعة متأخرة من الليل. على الرغم من التعب، تشعر بسعادة كبيرة لأنها تمكنت من تأمين احتياجات والديها من أدوية وغير ذلك، إضافة إلى احتياجات المنزل. أكثر من ذلك، باتت أكثر ثقة في نفسها وأكثر قدرة على التعامل مع محيطها.

ربما يعجبك أيضا