فيروس كورونا.. «ثالثة الأثافي» تتهدد قطاع غزة المحاصر‎

محمود

رؤية – محمد عبدالكريم

غزة – عند العرب تأتي ثالثة الأثافي، المصيبة أو الكارثة التي تقصم ظهر البعير، وفي قطاع غزة الذي يخنقه حصار الاحتلال منذ 14 عاما، ويفت الجوع في عضده مع معدلات بطالة زادت عن الـ52%، ومعدلات فقر تجاوزت الـ85%، جاءت جائحة كورونا لتتهدد، كل ما سلم من بطش الاحتلال عقب حروب أعوام (2004، 2006، 2008، 2012،  2014، 2018، 2019).

ومنذ أغسطس/ آب الماضي، يعيش الغزيون قلقاً عاماً، بعد انتشار عدوى فيروس كورونا الجديد بين السكان. ولا يكتفي المصاب بالفيروس في غزة بالأعراض المرضية فقط، بل ترافقها ضغوط نفسية ومجتمعية كبيرة، وقسّمت الجهات الرسمية عدداً من الأحياء في قطاع غزة إلى مربعات وشددت إغلاق الموبوءة منها لمنع تفشي كورونا، وتفرض الأجهزة الأمنية حظراً مشدداً على هذا المربع، وتمنع أي مواطن من الدخول أو الخروج إلا لحالات الطوارئ، ولا يقتصر اهتمام لجان الطوارئ التطوعية على خدمة الأسر المحجورة بل على كافة الأسر والعائلات التي تسكن المربع دون تمييز.

وتهتم بعض المؤسسات والمبادرات المحلية بتقديم الخدمات للأسر التي طاولها الحجر، خاصة في ظل تشديد الإجراءات الناجمة عن تزايد الإصابات.

العزل المنزلي بعد تضخم أعداد المصابين

وتسود مخاوف من فقدان الجهات الصحية والحكومية السيطرة على الأمور، مع تزايد أعداد الإصابات، ووجود عشرات الحالات المنومة في أقسام العناية الفائقة، خاصة مع ضعف البنية الصحية في القطاع.

إلى ذلك، أثار قرار وزارة الداخلية التي تديرها حماس في غزة، إغلاق المنشآت والمحال التجارية يوميا من الساعة الخامسة مساءً، للحد من انتشار فيروس كورونا، حالة من الغضب لتداعياته على الحركة الاقتصادية المتردية أساسا.

وأعلنت وزارة الصحة في غزة، السبت، بدء تنفيذ العزل المنزلي للمصابين بفيروس كورونا، وذلك لأول مرة منذ بدء انتشاره في القطاع.

واستثنت الوزارة “من لا تتوفر لديهم الظروف المناسبة لإتمام العزل المنزلي، ومَن تستلزم حالتهم الصحية رعاية طبية خاصة”.

وأضافت أنه “سيتم الاستمرار في عزل المصابين المستثنيين في المؤسسات الصحية ومراكز العزل المخصصة”.

ومنذ بدء جائحة كورونا في مارس/ آذار الماضي، اعتمدت وزارة الصحة في غزة نقل المصابين بالفيروس إلى مراكز عزل ومستشفيات تم تخصيصها لذلك.

بهذا الصدد، قال مجدي ضهير مدير دائرة الطب الوقائي بوزارة الصحة، إن “قرار العزل المنزلي جاء في ظل ارتفاع أعداد الإصابات المسجلة بالفيروس مؤخراً”.

وأضاف أن “منحنى الإصابات بالفيروس في وضع تصاعدي حالياً، وهناك زيادة واضحة في عدد الحالات المتوسطة والخطيرة والحرجة”.

وتابع ضهير “ننظر لهذه الحالة بقلق شديد، ما ينذر بتفاقم الأمر مستقبلا”.

وكشف ضهير أن “45 في المائة من القدرة الاستيعابية المخصصة لعلاج حالات كورونا لدى وزارته استنزفت”.

وأشار إلى أنه “سيتم اتخاذ إجراءات أكثر تشديدا لكسر سلسلة انتشار الفيروس وعودة منحنى الإصابات إلى الهبوط”، دون الإفصاح عن طبيعتها.

وسجل قطاع غزة 10 آلاف و126 إصابة بفيروس كورونا منذ مارس/ آذار الماضي، منها 3 آلاف و112 حالة نشطة، و46 وفاة، و6 آلاف و968 حالة تعاف وفق أحدث إحصائية لوزارة الصحة في القطاع.

وقال الدكتور معتصم صلاح، مدير مراكز الحجر الصحي في قطاع غزة: “نحن على أعتاب مرحلة جديدة من سياسة التعامل مع المصابين بـ (كورونا) مع زيادة أعداد الإصابات، وهي سياسة العزل المنزلي”.

وأضاف صلاح: “هناك إشاعات انتشرت مؤخراً بأن المصاب مخير بين العزل المنزلي والعزل في مراكز العزل، وهذا الأمر غير صحيح، وسيتم عزل كل المرضى منزلياً، عدا الحالات التي تحتاج رعاية صحية أو الذي لا تتوفر الشروط الصحية لعزله في المنزل”.

وأوضح صلاح، أنه لا يمكن أن تتحمل المنظومة الصحية لوحدها هذه الأزمة، وأنه يجب أن تكون هناك مشاركة، وتحمل للمسؤولية من قبل المجتمع.

تحذير دولي من مغبة تفاقم الأوضاع في القطاع الفقير والمحاصر

وحذرت منظمة “ريفيوجيز إنترناشونال” (اللاجئين الدولية)، ومقرها الولايات المتحدة، من استمرار تفاقم الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة الفلسطيني المحاصر، خصوصاً بعد تفشي فيروس كورونا الجديد حول العالم. وأصدرت المنظمة تقريراً مفصلاً عن الأوضاع هناك جاء في 11 صفحة، حذر من المخاطر الجسيمة لانتشار الفيروس في قطاع غزة الذي أنهكه الحصار والحروب التي شنتها إسرائيل خلفت آلاف القتلى والجرحى من الفلسطينيين، ناهيك بنظامَين صحي واقتصادي شبه منهارَين.

وشهد شهر أغسطس/ آب الماضي ارتفاعاً في حدة التوتر العسكري، وأحكمت إسرائيل قبضة حصارها على القطاع كما شهدت نهاية الشهر أولى الإصابات المحلية لفيروس كورونا. ويضع التقرير انتشار الإصابات محلياً في السياق الأوسع للأوضاع الكارثية التي يعيش تحتها الفلسطينيون في قطاع غزة المحاصر. ويلفت إلى النقص الحاد في المساعدات المادية والإنسانية، إذ تفاقم الوضع بشكل حاد خصوصاً بعد سحب وخفض جزء كبير من أموال مانحين كالولايات المتحدة بعد عام 2018، إذ تحاول الأخيرة تركيع الفلسطينيين لقبول خططها “للسلام” كما شددت الخناق على اللاجئين الفلسطينيين الذين يعيشون معاناة مزدوجة.

فرق طبية متنقلة في غزة بديلة عن المستشفيات لمكافحة كورونا

ويعيش نحو مليوني شخص في قطاع غزة المحاصر فوق مساحة ضيقة، وجزء كبير منهم في مخيمات للاجئين تشهد اكتظاظاً كبيراً. وفي المعدل يعيش 13000 شخص في كلّ ميل مربع (2.6 كيلومتر مربع)، ما يجعل قطاع غزة أكثر المناطق كثافة سكانية في العالم. وهذا يعني، كما يوضح التقرير، أنّ تلك الظروف تشكل تحدياً كبيراً في ما يخص إمكانية تفشي الفيروس كما تحدّ من إمكانية الالتزام بالإجراءات الوقائية للحدّ من تفشي الفيروس كالتباعد الاجتماعي، علماً أنّ سبعين في المائة من سكان القطاع هم من اللاجئين الفلسطينيين المسجلين لدى وكالة “أونروا”، ويعتمدون بشكل كبير عليها وعلى شركائها، ولا سيما بعد الحصار، في توفير الغذاء والماء والمأوى والرعاية الصحية والتعليم وحتى الوظائف للسكان الذين هم في أشدّ الحاجة إليها.

يذكر أنّ السلطات المحلية في غزة كما منظمات المجتمع المدني و”أونروا” اتخذت عدداً من التدابير في الأشهر الأولى عندما بدأ الفيروس بالانتشار، مما ساعد على الحدّ من انتشاره. لكن، مع فتح المدارس والعودة إلى ممارسة الحياة “الطبيعية”، فإنّ القطاع يشهد في الأسابيع الأخيرة زيادة في انتشار الإصابات المحلية وينذر بخطر كبير.

وبحسب التقرير، فإنّ الأعباء الاقتصادية على الشركات الصغيرة كانت كبيرة خصوصاً في الأشهر الأولى لانتشار الفيروس والإغلاق العام. ويشير التقرير إلى أنّه وفقاً لرئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في غزة، فقد نحو 4 آلاف شخص في غزة وظائفهم بين منتصف مارس/ آذار ومنتصف يوليو/ تموز الماضيين. كذلك، أغلق 50 مصنعاً على الأقل أبوابه، وشهد أكثر من 10 آلاف سائق سيارة أجرة انخفاضاً كبيراً في دخلهم. وزاد الوباء وتبعاته الاقتصادية العبء على العائلات الفقيرة ودفع نسبة أخرى من الغزيين إلى الفقر، لتزيد نسبة الفقر عشرة في المائة عما كانت عليه أساساً بحسب البنك الدولي.

ويورد التقرير عدداً من الإحصائيات المخيفة حول تفشي الفقر والمعاناة في غزة والتي يعود أغلبها لما بعد الحصار الإسرائيلي البري والبحري والجوي على القطاع، كما استمرار إغلاق مصر حدودها، مع بعض الاستثناءات. وحول الإغلاق تحسباً من انتشار كورونا في الأشهر الأولى وتأثيره على التعليم، يلفت التقرير إلى عدد من القضايا وهي أنّ بقاء المدارس والجامعات مغلقة لعدة أشهر بسبب كورونا وانقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة تصل إلى عشرين ساعة في اليوم أحياناً، جعلا إمكانية ممارسة التعليم الافتراضي صعبة، إن لم تكن مستحيلة، إذ يصعب الوصول إلى الإنترنت في ظل انقطاع الكهرباء المستمر. وكلّ هذا زاد من الضغط على البنية التحتية في غزة وأدى إلى عدم دفع طلاب جامعيين أقساط التعليم، ما أدى بدوره إلى نسبة عالية من التسرب بين طلاب الجامعات وصلت إلى ثلاثين في المائة في جامعة “غزة”، ما أدى إلى عجز الجامعة عن دفع رواتب الموظفين أو في الأحسن الأحوال اضطرت إلى تخفيضها، كما لم يحصل بعض معلمي المدارس على رواتبهم خلال الأشهر الستة الماضية بسبب نقص في التمويل كذلك.

ولاحظ التقرير زيادة ملحوظة في المشاكل الاجتماعية، ومن بينها العنف عموماً والعنف الجندري والأسري خصوصاً، فضلاً عن زيادة في حالات الاكتئاب وتعاطي المخدرات وزيادة في حالات الانتحار بحسب تقارير لعاملين في المجال الإنساني في القطاع. ويزيد النقص الحاد في التمويل من قبل المانحين لصناديق الصحة النفسية والدعم الاجتماعي من المعاناة، على الرغم من الحاجة الماسة إليها. ومولت الدول المانحة فقط عشرة في المائة من الصندوق المخصص للاستجابة للصحة النفسية في الضفة وغزة، والذي تصل ميزانيته إلى قرابة ستة ملايين دولار.

وقد ساهم نقص التمويل والحروب التي شنت على غزة في إنهاك البنية التحتية الطبية، ونقص الأدوية والمعدات والإمدادات والموظفين. ويشير كذلك إلى إغلاق عدد من العيادات والمستشفيات عام 2018، بسبب نقص في التمويل وانقطاع مستمر للكهرباء. كذلك، زاد القرار الأميركي بقطع التمويل عن “أونروا” من معاناة أهل غزة، وإضعاف نظام الرعاية الصحية حتى قبل تفشي الوباء. كما أدى الحصار والحروب إلى نزوح أعداد كبيرة من الأطباء. أما الذين بقوا فإنّ أعداداً كبيرة منهم تفتقر إلى فرص التخصص والتطور في اختصاصهم، ومواكبة الأبحاث والاختراعات الأخيرة.

ربما يعجبك أيضا