قاعدة بحرية في إفريقيا.. حلم روسي يتحقق عبر بوابة السودان

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

وجهت الرئاسة الروسية اليوم بإبرام اتفاق مع السودان لإنشاء قاعدة بحرية روسية وفقًا لاتفاق قديم وقعه نظام البشير قبل أعوام مع موسكو، ظاهرها حفظ السلام والأمن بالمنطقة وتوسيع العلاقات الخارجية للخرطوم وعدم التعويل على الأمريكان، وباطنها توسيع النفوذ الروسي في القارة السمراء.

قاعدة روسية في السودان

وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، اليوم الإثنين، وزارة الدفاع بإبرام اتفاقية مع السودان لإنشاء قاعدة بحرية روسية هناك، والمقرر إنشائها في الضاحية الشمالية لمدينة بورتسودان، بحسب الإحداثيات الجغرافية المذكورة في هذه الوثيقة المفصلة والمؤلفة من ثلاثين صفحة.

كانت الحكومة الروسية قد نشرت يوم الأربعاء الماضي، مسودة اتفاق مع الخرطوم، تكشف عزم موسكو تأسيس مركز لوجستي للبحرية التابعة لها في السودان يستوعب ما يصل إلى 300 جندي وموظف، وقادر على استيعاب ما لا يزيد على أربع سفن بما في ذلك السفن المزودة بتجهيزات نووية.

وجاء في المسودة التي نشرتها الحكومة على موقعها الرسمي أن القاعدة المزمع تأسيسها في السودان سيكون الهدف منها الحفاظ على السلام والاستقرار في المنطقة، وأنها لن تستخدم في أغراض دفاعية ضد الدول الأخرى، علاوة على إمكانية استخدامها في الإصلاحات وتجديد الإمدادات لأفراد طاقم السفن الروسية.

وبموجب تلك الاتفاقية في حال إقرارها رسميًا تتبادل الخرطوم وموسكو المعلومات والآراء المتعلقة بالقضايا السياسية والعسكرية، بجانب تعزيز التعاون الأمني والثقة المتبادلة وتطوير العلاقات في مجال التدريب الهندسي وكل مجالات العلوم العسكرية من تاريخ وتضاريس وطب وهيدروغرافيا وخلافه.

ومن المقرر أن يمتد الاتفاق لمدة 25 سنة قابلة للتجديد تلقائيًا لفترات 10 سنوات متتالية، وأكد الطرفان أن المركز اللوجيستي الروسي في السودان يحمل طابعًا دفاعيًا ويتوافق مع أهداف الحفاظ على السلم والاستقرار في المنطقة.

اتفاق قديم

تدشين المركز اللوجستيي الروسي يأتي ضمن اتفاق قديم وقعه الرئيس المعزول عمر البشير في موسكو قبل 3 أعوام، وكان يتضمن إقامة علاقات عسكرية متطورة بين البلدين بجانب تعزيز العلاقات الاقتصادية، ومن ضمن بنوده كذلك تسلم السودان 300 دبابة روسية بعد عام من التوقيع.

ومن ثم فإن المسودة المشار إليها هي مجرد استكمال لبنود الاتفاق القديم، وفق ما ذكر المحلل السياسي السوداني عصام دكين الذي يرى أن المكون العسكري في السلطة الحاليّة قرر المضي قدمًا في تنفيذ الاتفاق القديم الذي بدأت إرهاصاته الأولى تظهر عمليًا في أكتوبر الماضي حين أهدت موسكو سفينة تدريب عسكرية للقوات البحرية السودانية.

يذكر أنه في نوفمبر 2017 كان البشير قد عرض على فلاديمير بوتين في منتجع “سوتشي” الروسي إقامة قاعدة عسكرية روسية في البحر الأحمر بالسودان، يستخدمها الجنود الروس لحماية الخرطوم من أمريكا، وهو العرض الذي أثار الكثير من الجدل داخل الشارع السوداني.

تدشين قاعدة عسكرية روسية في السودان قد يثير حفيظة الحلفاء ويثير الكثير من التساؤلات، فماذا تريد موسكو والخرطوم من هذه القاعدة؟

فائدة القاعدة بالنسبة للخرطوم

تندرج تلك الخطوة في هذا التوقيت إلى سعي السلطة السودانية المؤقتة إلى تنويع علاقاتها مع مختلف الأطراف الفاعلة في المجتمع الدولي، فالتعويل على الولايات المتحدة والمعسكر الغربي فقط ربما يضع البلاد في مأزق حال توتر العلاقات بينهما.

 كما أن ملف شطب اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب لا يزال أمامه شوط لإقراره من الكونجرس، ومن الممكن أن يكون هذا الاتفاق ورقة ضغط جيدة على الأمريكان للإسراع بشطب السودان من قوائم الإرهاب وإنهاء عزلته الدولية التي استمرت لعقود طويلة.

وعن اختيار روسيا على وجه التحديد لإقامة تلك القاعدة دون غيرها من دول المنطقة رغم العروض المقدمة من بعض القوى أشار رئيس لجنة الدفاع والأمن بالبرلمان السوداني قائلًا: “لا بد أن يكون لكل دولة حليف، والحليف الإستراتيجي، يمكن نقول عنه إنه هو (الصديق وقت الضيق)، متى تخلى عنك الآخرون، فالحليف الإستراتيجي لا يتخلى عنك، ونرى ذلك على سبيل المثال العلاقة الإستراتيجية بين روسيا وسوريا، لذلك تعتبر هذه الخطوة مهمة جدًا بالنسبة لنا”.

يذكر أن الحكومة السودانية المؤقتة بقيادة عبد الله حمدوك كانت قد وضعت ضمن أولوياتها إعادة النظر في خريطة تحالفات البلاد الخارجية، وأن تكون الكلمة في النهاية لمصالح السودان العليا بعيدًا عن أي معايير قديمة كان لها دور محوري في التأثير على استقلالية القرار السيادي للدولة الإفريقية.

الحلم الروسي

مجرد الاتفاق على إنشاء مركز لوجستي من شأنه أن يقود لقاعدة عسكرية روسية في البحر الأحمر هو تحقيق لحلم قديم طالما راود رؤساء الدولة الروسية على مدار عقود طويلة مضت، وذلك بعد فشل محاولاتهم السابقة كافة لإنشاء قاعدة لهم فوق أرض إفريقية تطل على ممر مائي بحجم وقيمة البحر الأحمر.

وبحسب المحللين تمثل إفريقيا بالنسبة لروسيا سوقًا مهمًا ومحطةً إستراتيجيةً بالغة الخطورة، حيث يتطلع الروس لتعزيز نفوذهم داخل القارة في محاولة للسيطرة على ثرواتها المعدنية ومصادر الطاقة، بجانب أن الكثير من دول القارة يمكن أن تنعش تجارة الأسلحة الروسية التي تدر مئات المليارات إلى الخزانة الروسية.

يمكن القول أن إقامة قاعدة عسكرية روسية في السودان جزء من استراتيجية معدة سلفًا تستهدف تعظيم النفوذ العسكري الروسي في القارة السمراء لمزاحمة النفوذ الأمريكي والصيني الذي يتصاعد يومًا تلو الآخر، وذلك عبر تحولها تتطلع روسيا إلى لاعب رئيسي في معادلات الصراع في منطقة القرن الأفريقي من بوابة السودان.

ربما يعجبك أيضا