مسارات خلافية.. صراعات مستقبلية بين تركيا وأمريكا في عهد جو بايدن

محمود رشدي

رؤية – محمود رشدي

مع فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأمريكية يتوقع دخول الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا مرحلة جديدة من التوتر. وقد أبدت أنقرة قلقًا شديدًا حيال مستقبل العلاقة مع واشنطن في ظل اتساع نطاق الخلافات مع الرئيس المنتخب حول الملفات الإقليمية المختلفة، وعلى رأسها التنديد بالسياسة التركية تجاه الأكراد شمال سوريا، وعمليات التنقيب غير القانونية التي تقوم بها السفن التركية شرق المتوسط، إضافة إلى توصيف أردوغان بالمستبد، وانتقاده سياسة تأميم المجال العام في الداخل التركي.

وسعى كل من بايدن وأردوغان إلى توجيه رسائل مباشرة من أجل ممارسة ضغوط متبادلة لتعزيز مواقف كل منهما قبيل إجراء الانتخابات الأمريكية، ففي 4 أكتوبر الماضي لوح أردوغان بـتوغل عسكري جديد ضد الأكراد في شمال شرق سوريا، بينما دعا بايدن -في بيان له- في 6 أكتوبر الماضي إلى تكثيف الضغوط الأمريكية على تركيا لدفعها إلى خفض منسوب التوتر مع اليونان، كما دعا بايدن الرئيس التركي إلى إعادة النظر في قراره تحويل الكنيسة البيزنطية السابقة آيا صوفيا إلى مسجد، مشددًا على أهمية بقائها متحفًا مفتوحًا للجميع.

خلافات متعددة

ثمة العديد من العقبات التي ستواجه البلدين خلال المرحلة المقبلة، إذ يبدو جليًّا أن التناقضات والرؤى والرؤى المضادة بين أردوغان وبايدن قد تسهم في زيادة مساحة التوتر بين البلدين، ويمكن بيان ذلك على النحو التالي:

منظومة الدفاع الروسي إس 400

مثّل اختبار تركيا منظومة الدفاع الصاروخية (S-400) منتصف أكتوبر الماضي متغيرًا رئيسيًّا في توجهات الإدارة الأمريكية الجديدة حيال تركيا، إذ إن بايدن أبدى حرصًا على توجيه إشارات تفيد بأنه ما زال لديه طموح في تراجع أنقرة عن الاستمرار في تلك الصفقة. ويكتسب هذا الملف تحديدًا أهمية خاصة لدى الرئيس المنتخب، ليس فقط باعتبار أن تركيا عضو في حلف الناتو، وإنما أيضًا لوجود خلافات لا تبدو هينة بين واشنطن -خاصة الديمقراطيين- وروسيا حول العديد من الملفات التي تحظى باهتمام خاص من جانبهما، حسبما أشار تقرير لمركز المستقبل والدراسات المتقدمة.

في هذا السياق، فإن موقف بايدن من هذا الملف سيكون حاسمًا بالاتجاه نحو تطبيق قانون كاتسا الصادر في عام 2017، والذي يقضي بفرض عقوبات على الدول التي تتعاون مع أعداء أمريكا، وفي الصدارة منها روسيا. ويرى بايدن أن اقتناء تركيا للمنظومة الدفاعية الروسية قد يعرض المقاتلة الأمريكية F35 للخطر، ويضر بالسياسات الدفاعية لحلف الناتو.

 الأكراد

تعتبر تركيا حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري امتدادًا لمنظمة العمال الكردستانية التي تصنفها تركيا كيانًا إرهابيًّا، لكن ثمة مواقف مغايرة للرئيس الأمريكي السادس والأربعين، والذي يُصنف على أنّه من أكثر السياسيين الأمريكيين الداعمين للقضية الكردية. وتجلت مظاهر الدعم في خطابه الشهير في عام 2002 في برلمان كردستان العراق خلال زيارته للإقليم، فقد عبر من خلاله عن تعاطفه مع القضية الكردية وتعهد بدعمه لها، ووصف كردستان العراق ببولندا الشرق الأوسط. ثم قال للشعب الكردي: لن تكون الجبال صديقتكم الوحيدة.

بالإضافة إلى ذلك كان لــبايدن مواقف متعاطفة مع الكرد في سوريا، حيث عارض العمليات العسكرية التي أطلقتها تركيا ضد وحدات حماية الشعب الكردية في أغسطس 2016 ويناير 2018. كما وصف الرئيس المنتخب في وقت سابق قرار ترامب بسحب القوات الأمريكية من سوريا قبيل عملية نبع السلام التي أطلقتها تركيا في أكتوبر 2019 بأنّه خيانة للكرد، ولقوات سوريا الديمقراطية، التي يشكل الكرد الغالبية العظمى فيها. بل إنّه رفض وصف تركيا للقوات الكردية في سوريا بالجماعة الإرهابية، واعتبرها قوات صديقة ساهمت مع التحالف الدولي في القضاء على تنظيم داعش في مدينة الرقة السورية.

في هذا السياق، يبدو الملف الكردي مرشحًا لأن يكون إحدى القضايا الخلافية في المرحلة المقبلة بين أردوغان وبايدن، فبينما يدعم الأول إقامة حكم ذاتي للوحدات الكردية شمال سوريا، يعارض الثاني الكيانات الكردية ويصفها بالإرهابية.

توسعات تركيا

يناهض بايدن خطط تركيا التوسعية في سوريا والعراق وشمال إفريقيا، كما اتهم أردوغان بتأجيج النزاع في القوقاز، وطالب في مطلع أكتوبر الماضي تركيا بالبقاء بعيدًا عن الصراع في ناغورنو كاراباخ، كما طالب بايدن في وقت سابق بضرورة استبعاد أنقرة من أي جهود دبلوماسية في الحرب الدائرة بين أرمينيا وأذربيجان، وهو ما دفع الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن لاتهام بايدن بــالاستسلام للوبي الأرميني.

في المقابل، أعلن الرئيس المنتخب في أكثر من مرة استياءه من عمليات التنقيب غير القانونية التي تقوم بها تركيا شرق المتوسط قبالة سواحل قبرص واليونان، وهو ما يثير قلق أنقرة، خاصة أن نيكولاس بيرنز، أحد أقرب المستشارين السياسيين لــبايدن، يتوقع أن يوسع الأخير مساحات التعاون الاستراتيجي بين واشنطن وكل من قبرص واليونان، ويكشف عن ذلك مطالبة بايدن في 6 أكتوبر الماضي إدارة ترامب بالضغط على تركيا للامتناع عن ممارسة مزيد من الأعمال الاستفزازية والعدائية في منطقة المتوسط ضد اليونان.

انتقاد السياسات الداخلية

خلافًا لـترامب الذي أبدى إعجابه بقادة يحكمون بقبضة حديدية، ومن بينهم أردوغان الذي كان يصفه بأنه صديق؛ وبخ بايدن الممارسات السلطوية للرئيس أردوغان في الداخل التركي، وانتقد سعيه لتأميم المجال العام وتقييد الحريات. ففي مقابلة له مع صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في ديسمبر 2019، أكد بايدن على ضرورة دعم المعارضة التركية حتى تتمكن من الإطاحة بـأردوغان الذي وصفه بـالمستبد، مهددًا إياه بضرورة دفع ثمن سياساته التصادمية ومواقفه الاستفزازية. وكذلك يرفض بايدن تسليم الداعية التركي فتح الله غولن الذي يتهمه أردوغان بتدبير الانقلاب الفاشل في صيف 2016، وقد تمارس الإدارة الأمريكية الجديدة ضغوطًا سياسية على تركيا لإطلاق سراح موظفين أتراك يعملون في القنصلية الأمريكية بأنقرة، وتحتجزهم حكومة العدالة والتنمية لارتباطهم بـغولن، كما فعل ترامب في إطلاق سراح القس أندرو برونسون. ولا تقف اهتمامات بايدن بخصوص تركيا عند هذا الحد، فقد كان ضد قرار تحويل آيا صوفيا مسجدًا.

ربما يعجبك أيضا