‫ محاربة التطرف في ألمانيا.. تدريب الأئمة من أجل احتواء التأثير الخارجي

جاسم محمد

رؤية – جاسم محمد

تقف ألمانيا، في حيرة من أمرها أمام جملة قضايا تهدد أمنها المجتمعي والقومي، إلا وهي موضوع التطرف من الداخل، مجتمعيا، وتكون المسالة أكثر تعقيدان عندما يتعلق الأمر في الديانات وتفسير النصوص والمنابر الدينية، اليوم تضع ألمانيا اصبعها على واحدة من جملة عوامل التطرف محليا إلا وهي منابر التطرف والأئمة.

أعلنت الحكومة الألمانية عن مشروعها الجديد الخاص بتدريب الأئمة منذ عام 2019  وهو يعتبر خطوة إيجابية رائدة  من أجل لاحتواء التأثير الخارجي. ويتحمل المسؤولية الكبيرة في هذا المشروع، المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، بإشراف وزارة الداخلية الألمانية، هذه الخطوة ممكن وصفها بالخطوة المهمة، وجاءت متأخرة كثيرا، بعد أن كان ألمانيا تعتمد دوما على استقدام أئمة المساجد من تركيا ربما أكثر من غيرها من الدول. وينص الدستور الألماني على حرية الأديان والعقيدة ويمنع الحكومة من التدخل في الشؤون الدينية للمجتمع، ومع ذلك ستحافظ الدولة على حيادها من خلال تأسيس جمعية مستقلة لتدريب الأئمة سيكون مقرها في ولاية ساكسونيا السفلى.

ويفترض أن مدينة أوزنابروك بغرب ألمانيا  شهدت أول الخطوات لهذا المشروع في أبريل 2021 بمشاركة ما يصل إلى 30 داعية يتحدثون اللغة الألمانية. ويتم التدريب الذي يستمر لمدة عامين بجمعية الرعاية “إسلام كوليج دويتشلاند” (كلية الإسلام في ألمانيا)، وبدعم من وزارة الداخلية ووزارة البحث العلمي في ولاية ساكسونيا السفلى، حيث تقع مدينة أوزنابروك. وقال إسناف بغيتش، رئيس مجلس إدارة الجمعية، إن تأسيس الجمعية يهدف إلى توفير عرض إضافي، لأن الأئمة القادمين من الخارج غالباً ما يتعرضون في خطبهم ” لمواضيع لا تتعلق بسياق حياتنا”. وأضاف بغيتش: إن الأجيال الجديدة للمهاجرين المسلمين أيضاً لا يمكنها في الغالب فهم خطبة بلغة موطن الوالدين بنسبة مائة في المائة.

مساجد من أجل الاندماج

وأعلنت الحكومة عن مشروع التجريبي في نوفمبر 2019، تحت اسم “مساجد من أجل الاندماج”، الهيئة الاتحادية لشؤون الهجرة واللاجئين بمساعدة مجلس استشاري يضم خبراء من منظمات إسلامية وإدارات وأوساط علمية ومدنية. ويهدف المشروع إلى دعم برامج الإرشاد والعمل الاجتماعي وإجراءات تعزيز الاتصالات بين المساجد والمحيط المجاور لها. وبحسب بيانات الوزارة، فإنها تسعى من خلال ذلك إلى دعم التضامن المجتمعي. وترعى الوزارة أيضا مؤتمر الإسلام في ألمانيا.

الأئمة ينحدرون خاصة من تركيا وشمال أفريقيا

كشفت دراسة أن نحو (90 %) من الأئمة الموجودين بألمانيا وافدون من الخارج. وجاء في تقرير مؤسسة “كونراد-أدناور” الذي نشرت عنه صحيفة “راينيشه بوست” الألمانية في 26 مارس 2019 أن هؤلاء الأئمة ينحدرون بصفة خاصة من تركيا وشمال أفريقيا وألبانيا وإيران. وأضافت الدراسة أن الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية “ديتيب” يوفر نحو (50%) من الأئمة البالغ عددهم (2500) إمام تقريبا في مساجده التي يبلغ عددها نحو (1000) مسجد. وبين التقرير أن الأرقام أظهرت أيضا حجم الجمعية الإسلامية التركية “ميلي جورش” والتي يبلغ عدد مساجدها (323) مسجدا، وكذلك اتحاد المراكز الثقافية الإسلامية (التركي) الذي يبلغ عدد مساجده (300) مسجد تقريبا، وأيضا الجالية الإسلامية للبوشناق (البوسنيين) في ألمانيا والتي يزيد عدد المساجد التابعة لها على (70 ) مسجدا.

النائبة الألمانية عن حزب اليسار، سيفيم داجديلين، قالت في كلمة بالبرلمان في أكتوبر 2020، إن “شبكة أردوغان المتطرفة تشكل تهديدا للأمن العام في ألمانيا ويجب تفكيكها بدلا من دعمها”، في إشارة إلى تمويل مساجد يديرها الاتحاد الإسلامي التركي “ديتيب” بأموال دافعي الضرائب في بعض الولايات الألمانية.

النتائج

ـ إن ألمانيا إلى جانب العديد من دول أوروبا، التفتت في وقت متأخر، إلى الثغرات الموجودة في  بعض المساجد والمراكز الثقافية، ومنها موضوع استقدام الأئمة تحديدا الأتراك إلى ألمانيا، بعد أن كشفت حقيقة مخاطر سيطرة منظمات تركية ودول أخرى واسعة ومؤثرة في ألمانيا على المساجد وعلى الجاليات المسلمة أبرزها مؤسسة “ديتيب وميللي غورش” المرتبطة مباشرة بالحكومة التركية.

ـ شخصت وزارة الداخلية تلك الثغرات، بأن الأئمة القادمون من تركيا ودول أخرى، يعتمدون نهج مخالف إلى الحياة الاجتماعية في أوروبا، ولا تتماشى مع سياسات التعايش السلمي في المجتمع، وأن أغلب المساجد والمراكز الثقافية، تحولت إلى مراكز للتطرف وتقديم الدعم اللوجستي إلى التنظيمات المتطرفة، بل انطلق عدد من منفذي العمليات الإرهابية من بعض تلك المساجد والمراكز.

ـ إن مشروع تدريب الأئمة بدون شك هي تجربة جديدة، يمكن أن تراجع العديد من التحديات والعقبات، منها الإدارية وأخرى في فهم النصوص والمحتوى، وهذا يعتمد بشكل أكيد على المؤسسات التي تشرف على هذا المشروع، وهي تحدد نجاح المشروع من عدمه.

ـ تعتبر ألمانيا الدولة الرائدة في هذا المشروع، وقد تبعتها فرنسا خلال هذا العام، ومن المترجح أن تعتمد بقية دول أوروبا هذا المشروع، خاصة أن  الاتحاد الأوروبي يعتبر من الداعمين لهذه التجربة، وربما يكون هناك معهد أوروبي داخل الاتحاد الأوروبي لتدريب الأئمة وهذا ما أكده شارل ميشال رئيس المجلس الأوروبي.

ـ إن برنامج تدريب الأئمة، من شأنه أن يكون ساندا إلى سياسات محاربة التطرف ومكافحة الإرهاب في ألمانيا ودول أوروبا، وهو إشارة إلى السياسات الصحيحة التي تنتهجها ألمانيا بالوصول إلى المصادر أو منابع التطرف مجتمعيا.

ـ إن تدريب الأئمة من داخل المجتمع الألماني، يعني فهما أكثر لعادات وتقاليد المجتمع، وإلى سلوكيات المجتمع الألماني، وما يحتاجه الشباب في ألمانيا وأوروبا، هو عدم التقيد بالقضايا الفقهية والشرعية التي يقدمها الأئمة بقدر، السلوكيات والإرشاد في المجتمع.

إن تعزيز التعاون مع مشيخة الأزهر، يعتبر، حاجة ضرورية، لتقويم عمل ومسارات مشروع تدريب الأئمة، إلى جانب التعاون مع بعض دول المنطقة الرائدة في التعايش السلمي بين الأعراق والأديان ومحاربة التطرف.

ربما يعجبك أيضا