مساع تركية لإجهاض «إيريني» والصدام مع أوروبا يشتعل

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

في مسعاها لإغراق مهمة “إيريني” لمراقبة حظر السلاح على ليبيا، سارعت أنقرة للاحتجاج على تفتيش قوات ألمانية لسفينة تركية شرقي المتوسط بحثًا عن أسلحة متجهة للميليشيات غرب ليبيا، في خضم محاولات أنقرة إفشال مهمة “إيريني” ما يمثل تحديًا للمجتمع الدولي وإمعانًا في التدخلات بالبلد الغارق في الفوضى منذ سنوات.

مهمة غير مكتملة

في إطار تنفيذ مهامها، أوقفت الفرقاطة الألمانية “هامبورج” سفينة الشحن “إم في روزلين إيه” التي ترفع العلم التركي، في إطار عملية “إيريني” الأوروبية التي تضمن الامتثال لحظر نقل الأسلحة إلى ليبيا الذي فرضته الأمم المتحدة.

وبحسب أنقرة، توقفت السفينة التركية في جنوب غرب بيلوبونيز وكانت تنقل مواد غذائية ومساعدات إنسانية إلى مصراتة.

وأنزل جنود ألمان مسلحون على متن السفينة من مروحية، وفق ما أظهرته مقاطع فيديو صورها الطاقم وبثتها وسائل إعلام تركية، قبل السيطرة على غرفة التحكم.

وقالت وزارة الخارجية التركية في بيان “تم تفتيش جميع أفراد الطاقم، بمن فيهم القبطان، قسرا. وجمعوا كلهم في غرفة واحدة ليتم احتجازهم”، مستنكرة تفتيش السفينة بدون موافقة أنقرة.

بيد أن الرواية التركية تتناقض مع ما صرحت به وزارة الخارجية الألمانية التي قال متحدث باسمها في برلين إن العسكريين أبلغوا السلطات التركية بنيتهم تفتيش السفينة، وعندما لم تعترض، صعدوا إليها. وأضاف أن القرار لم يتخذه الجنود الألمان، بل مقر قيادة عملية إيريني في روما، موضحًا أن التدخل توقف بعد أن اعترضت تركيا عليه.

ووصف مراقبون في روما وبرلين خطوة الخارجية التركية بالعدائية، مؤكدين بأنها جاءت بمثابة رسالة تركية لرفض كل ما تم الاتفاق عليه بين قيادة “إيريني” وحكومة فايز السراج الليبية منذ أسبوع.

وكانت العملية إيريني” انطلقت في مايو الماضي، تنفيذا لقرار مجلس الأمن الدولي بحظر تصدير السلاح إلى ليبيا عبر البحر، وتطبيقا لمخرجات مؤتمر برلين الذي عقد في مطلع العام الجاري، ويتألف قوام القوة البحرية التي تنفذ العملية من الجيوش الأوروبية.

تركيا وإجهاض إيريني

يبدو أن “الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عازم على إجهاض مهام العملية البحرية الأوروبية “إيريني”، كما أفشل سابقا العملية “صوفيا”، لكنه لم يستوعب أن “إيريني” التي تقودها اليونان حاليا، ليست كالعملية السابقة التي كانت بقيادة حليفته إيطاليا”، بحسب تصريحات الباحث السياسي حمد المالكي.

ويضيف الباحث السياسي أن “أردوغان يتعامل مع العملية إيريني على أنها تحركات عسكرية تستهدفه في شرق المتوسط، وليس عملية أوروبية معنية بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في اتفاق برلين، الذي عقد بحضور أردوغان نفسه، علما أنه كان الرئيس الوحيد من بين الحاضرين بمؤتمر برلين الذي لم يرحب بما جاء ببنود الاتفاق”.

فيما حرص المسؤولون الأوروبيون على الموافقة على المهمة الجديدة قبل نهاية مارس الماضي؛ وهو التاريخ الذي ينتهي معه سريان العملية السابقة “صوفيا”.

وانطلقت عملية “صوفيا” العسكرية الأوروبية في أبريل 2015؛ بهدف قطع طرق تهريب اللاجئين في البحر المتوسط، بعد حوادث مأساوية تسببت في غرق مئات من المهاجرين غير الشرعيين، وكان من مهمتها أيضًا البحث عن السفن المشبوهة وإعادة توجيهها إذا لزم الأمر.

لكن تركيا عملت على إحباط هذه المهمة، بعد تقارير تحدثت عن تدخلات من جانب أنقرة في تدريب خفر السواحل في غرب ليبيا؛ رغم أن ذلك كان جزءًا من مهمة “صوفيا”؛ الأمر الذي أفضى إلى نهاية هذه المهمة.

من جهة أخرى، اعتبر حساب “نبض تركيا” على تويتر، والمختص في الشأن التركي مهمة عملية إيريني الأخيرة ضد سفينة تركية بمثابة رسالة أوروبية للرئيس أردوغان، مفادها أن أوروبا “لن تسمح له بالاستمرار في تصرفاته المزعزعة لاستقرار المنطقة، خاصة مع وصول زعيم (مثل جو بايدن) إلى البيت الأبيض”.

صدام مع أوروبا

ومن منطلق الواقع الميداني، فقد سخر النظام التركي أدواته في غرب ليبيا من ميليشيات وعصابات ومرتزقة سوريين وتركمان لنقل الفوضى من طرابلس ومصراتة إلى كامل ربوع ليبيا، ضاربا بعرض الحائط كل ما تم الاتفاق عليه بين الأطراف الدولية بخصوص إنهاء الحرب الليبية في مؤتمر برلين، واليوم يدخل في صدام جديد ضد أوروبا، لكن تلك المرة جاء الصدام بصبغة عسكرية.

ويرى أستاذ العلاقات الدولية محمد غزوان، أن حكومة الوفاق الموالية لتركيا وللتدخل الأجنبي في ليبيا “صارت في مأزق لا مفر منه”.

واستطرد: “لم تعد أمام السراج أي فرصة لمناورة الأوروبيين، بعد أن دخلت برلين على خط الأزمة مع تركيا، على خلفية تأكيد الجيش الألماني أن تركيا منعت قوات ألمانية تعمل ضمن مهمة عسكرية للاتحاد الأوروبي من تفتيش سفينة شحن تركية، يشتبه بأنها تنقل أسلحة إلى ليبيا”.

من جهتها، نشرت الدول الأعضاء في عملية إيريني – بما في ذلك ألمانيا وفرنسا – من جانبها، أمس الإثنين، إعلانًا مشتركًا يهدد بفرض عقوبات على “جميع الأطراف الليبية أو الدولية” التي يمكن أن تعرض للخطر عملية السلام الهشة الجارية في ليبيا.

فى غضون ذلك، تنتاب تركيا حالة من القلق، مع اقتراب الاتحاد الأوروبى من فرض عقوبات اقتصادية على أنقرة، ما دفع أردوغان لتراجع لافت، داعيًا الدول الأوروبية إلى “تأسيس تعاون مثمر” و”الوفاء بالوعود”، رغم حالة الشد والجذب التى شهدتها علاقات الطرفين خلال الأشهر القليلة الماضية.

التصريحات التى أطلقها أردوغان، قابلتها باريس بتعليق على لسان وزير خارجيتها جان إيف لودريان، حيث قال أن دعوات تركيا للحوار والتهدئة “غير كافية”، مشددًا على أن تركيا مطالبة بأفعال لا أقوال.

تأتي تصريحات لودريان قبل أيام من انعقاد المجلس الأوروبي المقرر بداية ديسمبر، والذى سينظر في ملف فرض العقوبات على تركيا بسبب انتهاكات النظام التركي المتكررة تجاه دول الاتحاد وفي مقدمتها فرنسا وقبرص واليونان.

يأتي الحادث الأخير في وقت تتدهور فيه العلاقات بسرعة كبيرة بين تركيا والاتحاد الأوروبي، بسبب تنقيب تركيا عن موارد الطاقة في المياه الإقليمية لليونان وقبرص، إضافة إلى انتقاد أردوغان للرئيس الفرنسي ودعواته لمقاطعة البضائع الفرنسية، وهو ما أثارغضب فرنسا.

ربما يعجبك أيضا