«أرض الميعاد».. رحلة داخل ذاكرة أوباما الرئيس

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما رجل يعرف جيدا كيف يحافظ على مكانه داخل دائرة الأضواء دون إثارة للجدل، فبعد أن فاز نائبه السابق جو بايدن بالسباق إلى البيت الأبيض، إثر حملة انتخابية شارك فيها بفاعلية وربما قبل أن تبدأ حتى، سواء بهجومه على الرئيس دونالد ترامب عبر تصريحات عدة أو بالدعم المباشر لبايدن بالحديث عنه كخيار جيد لتوحيد الأمة ونبذ الفرقة والعنصرية، عاد أوباما ليؤكد أن جعبته دائما مليئة بالمفاجآت والأسرار، فكشف عن الجزء الأول من مذكراته كرئيس.

الأسبوع الماضي صدر كتاب “أرض الميعاد” وهو الجزء الأول من مجلدين، كتبهما أوباما عن فترة توليه للرئاسة من 2009 إلى 2017، يأتي الكتاب في 768 صفحة، ووفقا للناشر “بينغوين راندوم هاوس” تمت ترجمته إلى 24 لغة، وطبعته الأولى تتألف من 3 ملايين نسخة، ثمن النسخة الواحدة تقريبا 21 دولارا.

في اليوم الأول من صدور الكتاب “17 نوفمبر الجاري” حقق مبيعات بنحو 20 مليون دولار، وتم بيع 890 ألف نسخة في كندا وأمريكا، وهو رقم قياسي وفقا لـ”بينغوين راندام هاوس”.

الكتاب الأكثر مبيعا لـ2020 وفي تاريخ البيت الأبيض

في وقت سابق من العام توقعت “نيويورك تايمز” أن يكون “أرض الميعاد” الكتاب الأكثر مبيعا خلال 2020، ويبدو أن هذه التوقعات في محلها، فمبيعاته في اليوم الأول ضربت الرقم القياسي الذي سجله كتاب زوجة أوباما ميشيلBecoming” في 2018 ببيع 725 ألف نسخة في كندا وأمريكا خلال اليوم الأول لصدوره، وكان الكتاب يتحدث عن حياتها كسيدة أولى.

كما تجاوزت مبيعات “أرض الميعاد”، مبيعات كتاب الرئيس الأسبق بيل كلينتون ““My Life عندما باع 400 ألف نسخة في اليوم الأول من صدوره عام 2004، فيما باع كتاب الرئيس الأسبق جورج بوش “Decisio Points” خلال 24 ساعة من صدوره عام 2010 نحو 220 ألف نسخة.

وتتوقع “بينغوين” أن تبيع من 25 إلى 30 مليون نسخة من كتاب أوباما الجديد حول العالم من الآن وحتى نهاية 2022.

أكثر من 3 أعوام لإنجاز الكتاب   

أوباما استغرق وقتا طويلا نسبيا لكتابة مذكراته الرئاسية نحو 3 أعوام و10 أشهر، فعلى سبيل المثال طرح كليينتون مذكراته بعد ثلاثة أعوام و4 أشهر من مغادرة البيض الأبيض، فيما طرحها بوش بعد أقل من عامين، وفقا لـ”نيويورك تايمز”.

وتوضح جينيفر سزالاي في مراجعة للكتاب بصحيفة “التايمز”، أن أوباما في بداية الأمر خطط لكتابة مذكراته في 500 صفحة وإنجازها في غضون عام، لكن الأمر انتهى بكتاب يتألف من قرابة 800 صفحة واستغرق إكماله أكثر من ثلاث أعوام، وهو مجرد جزء أول يتحدث فيه الرئيس الـ44 للولايات المتحدة عن ولايته الأولى من 2009 إلى 2011.

الصحفي جوناثان ألتر – مؤلف كتابين عن أوباما- اعتبر أن إصرار أوباما على كتابة مذكراته بنفسه والدقة في رصد الأحداث هو السبب وراء استغراق “أرض الميعاد” لهذه المدة الطويلة.

لكن السبب الحقيقي ربما يعود لطريقة الكتابة نفسها، يقول أوباما إنه لا يحب النصوص الرقمية، لذا كتب “أرض الميعاد” يدويا باستخدام الورقة والقلم وكان يقضي أوقاتا طويلة منحنيا على مكتبه لإنجازه، كما حرص على رصد الأخطاء والتجرد من الذات بقدر الإمكان، لتقديم صورة واقعية عن فترة رئاسته.

ماذا قال أوباما داخل “أرض الميعاد”؟

يقول أوباما إن الكتاب يقدم وصفا صادقا لفترة رئاسته وما سبقها من حملة انتخابية، ويوضح في مقابلة مع “بي بي سي” أن العنوان يشير إلى “قصة أرض الميعاد التي لم يصل إليها النبي موسى”.

خلال صفحات الكتاب يتحدث أوباما عن تعامل إدراته مع الأزمة المالية العالمية، وقانون إصلاح الرعاية الصحية “أوباما كير” الشهير، ويعرج على عدة محطات مهمة في فترة ولايته الأولى انتهاء باغتيال زعيم تنظيم “القاعدة” أسامة بن لادن في باكستان في غارة أمريكية عام 2011.

كما يسلط أوباما – أول رئيس أمريكي من أصول أفريقية- الضوء على أزمة العنصرية في المجتمع الأمريكي، فيقول – بين طيات كتابه- قضية العرق تمثل أحد خطوط الصدع المركزية في التاريخ الأمريكي، إنها خطيئتنا الأصلية، لكنه أكد أن هذه القضية شغلت حيزا كبيرا من اهتمامته وأنه بعد ثماني سنوات من وجوده في البيت الأبيض أصبحت حالة الانقسام الداخلي أقل مما كانت عليه حينما تسلم السلطة.

ويتطرق أوباما أيضا إلى انطباعاته سواء عن الزعماء والرؤساء الآخرين أو البلدان التي زارها خلال فترة رئاسته الأولى، فمثلا يقول عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين “ذكرني بنوعية رجال كانوا يديرون شيكاغو، هم شخصيات صارمة تتمتع بدهاء لا تأبه للعاطفة، كانوا يعتبرون المحسوبية والرشوة والابتزاز والاحتيال وأحداث العنف المتفرقة أدوات شرعية للتجارة”.

ويقول عن المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل “ثابتة، وصادقة، وصارمة من الناحية الفكرية، ولطيفة بالفطرة”، فيما وصف رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون، بأنه “هاديء وواثق”.

أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فوصفه أوباما بالسياسي البارع، لكنه  انتقده قائلا: رؤيته لنفسه على أنه المدافع الأول عن الشعب اليهودي، سمحت له بتبرير أي شيء من شأنه أن يبقيه في السلطة، كما أن معرفته بعالم السياسة والإعلام في أمريكا أعطته الثقة، في أنه يستطيع مقاومة أي ضغط يمكن أن تمارسه عليه إدارة ديمقراطية مثل إدارتي.

وفي هذا السياق عبر أوباما عن  شعوره بالإحباط من لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية “إيباك”، واعتبر أن هذه اللوبي تحول إلى اليمين المتطرف تماشيا مع سياسة نتنياهو، وقال إنه في نظر غالبية أعضاء إدارة إيباك، ظل موضع شك، ورجلا منقسم الولاءات “في إشارة إلى أصوله الأفريقية”.

في الشق الخاص من كتابه عن رحلاته إلى الشرق الأوسط توقف أوباما أمام  زيارته الشهيرة إلى القاهرة عام 2009، واستعرض موقفه من ثورات الربيع العربي وقال: “إنه ربما كان مخطئا في بعض الجوانب”، فعلى سبيل المثال فيما يتعلق بموقفه من عزل الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك يقول في كتابه: “كنت على دراية بحجم المخاطر عندما طالبت مبارك علنًا بالتنازل عن السلطة، لكن اعتقد أنني لو كنت شابًا مصريًا، لربما كنت هناك بين المتظاهرين”.

أوباما أكد أنه فخور بهذا الكتاب وخروجه إلى النور، على الرغم من أنه ألف قبله ثلاثة كتب، هي “أحلام من أبي” الذي نشر عام 1995 وكان عبارة عن سيرة ذاتية أيضا يتحدث فيها عن بداياته كطفل لأب كيني وأم أمريكية من أصول أنجليزية وصولا إلى عضويته بمجلس الشيوخ، وكتاب “جرأة الأمل” الذي نشر عام 2006 وتصدر قائمتي “نيويورك تايمز” و”أمازون” للكتب الأكثر مبيعا، وكان يستعرض رأي أوباما في العديد من القضايا التي شكلت لاحقا محاور حملته الانتخابية، أما الكتاب الثالث فهو كتاب للأطفال بعنوان “أوف ذي آي سينج” الذي نشر عام 2010 ويضم قصصا لشخصيات أمريكية رائدة.

ربما يعجبك أيضا