مفاعل «هوالونغ الأول».. خطوة صينية على طريق الاستقلال النووي

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

تواصل الصين – ثاني أكبر اقتصاد في العالم- السير بخطى ثابتة على طريق الاستقلال عن التكنولوجيا الغربية في قطاع الطاقة النووية، فبعد أكثر من خمسة أعوام من الجهد المتواصل أعلنت عن تشغيل مفاعلها النووي الأول باستخدام تكنولوجيا “هوالونغ” المطورة محليا.  

وبحسب المؤسسة الوطنية النووية الصينية، تم ربط المفعل “هوالونغ وان أو الأول”، أمس، بشبكة الكهرباء الوطنية، ومن المتوقع أن يسهم بإنتاج حوالى عشرة مليارات كيلوات في الساعة سنويا، بما يساعد على خفض انبعاثات الكربون بمقدار 8,16 مليون طن سنويا.

حتى العام الماضي لم تؤمن المحطات النووية الصينية سوى 5% من حاجات البلاد للكهرباء، لكن من المتوقع أن تزداد هذه الحصة تدريجيا وصولا إلى تحييد أثر الكربون بحلول 2060، وفق الخطة الطموحة التي أعلن عنها الرئيس الصيني “شي جين” في سبتمبر الماضي، جدير بالذكر هنا أن الصين هي أكثر بلدان العالم استهلاكا للفحم وأكبر مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

كسر الاحتكار الغربي بمفاعل طموح

كان الرئيس الصيني أيضا قد وضع هدفا محوريا في خطته الاستراتيجية المعروفة باسم “صنع في الصين 2025″، وهو خفض التبعية للتكنولوجيا الغربية في القطاعات الاستراتيجية مثل القطاع النووي وغيره من القطاعات التي تعتمد على تكنولوجيا تستوردها بلاده من الغرب.

وتتضمن هذه الاستراتيجية توزيع مساعدات حكومية بمليارات الدولارات على الشركات الصينية لمساعدتها من أجل التخلي قدر الإمكان عن التكنولوجيا الغربية وتطوير تكنولوجيا بديلة -حتى لو كانت مرتفعة التكلفة مقارنة بنظيرتها المستوردة من الخارج- وبالطبع أثارات هذه الاستراتيجية غضب الشركاء التجارييين لبكين وعلى رأسهم الولايات المتحدة غير الراضية في الأساس عن إغراق أسواقها بالمنتجات الصينية وتوطين شركاتها الأصلية الشهيرة داخل الصين كبلد “تصنيع”.

 بدأت أعمال بناء “هوالونغ وان” عام 2015 في فوتشينغ بمقاطعة فوجيان بجنوب شرق الصين، وحاليا يتم بناء ستة مفاعلات أخرى من الجيل الثالث المطور محليا، ستضاف إلى 47 محطة نووية تبلغ طاقتها الإجمالية 48,75 مليون كيلوات، ما يضع الصين في المرتبة الثالثة عالميا “نوويا” بعد أمريكا وفرنسا.

وتم تصميم المفاعل الطموح الأول من نوعه، بواسطة مجموعة الصين النووية العامة والمؤسسة النووية الوطنية الصينية، ونجح في الحصول على  موافقة الحكومة على استخدام تكنولوجيا “هوالونغ وان” في أغسطس 2014، ويشتمل المفاعل على ست معدات كهرونووية، تبلغ قدرة توليد الطاقة لكل منها مليون كيلووات.

والمفاعل المطور محليا بنسبة تصل إلى 90% من مكوناته، يسمح للصين بإنتاج الطاقة الكهربائية بتكلفة أقل أربع مرات عن تلك المنتجة بواسطة المفاعلات الأوروبية أو الأمريكية، ويصل عمره الافتراضي إلى 60 عاما ومصمم بمعايير صارمة لتحمل الزلازل وتحقيق الأمان المطلوب طوال مدة التشغيل ويضم ثلاث حلقات لسائل التبريد وأنظمة أمان نشطة للعمل في حالة أي خلل أو عطل بشكل جيد لمدة تصل إلى 72 ساعة.

تحييد الكربون هدف طويل المدى

إذا كانت الصين تخطط للاستغناء عن التكنولوجيا المطورة بواسطة شركائها التجاريين من الغرب بحلول 2025، فإن تحقيقها لهذا الهدف في حال نجاح مخططها للتوسع في استخدام تكنولوجيا “هوالونغ” وبناء المزيد من المفاعلات محلية الصنع إلى جانب الترويج لهذه التكنولوجيا على طول “الحزام والطرق”، يبدو سهلا مقارنة بهدفها الخاص بتحييد الكربون بحلول العام 2060.

بحسب تقديرات سابقة لمجموعة بوسطن الاستشارية، الصين في حاجة إلى استثمار  من 90 إلى 100 تريليون يوان، لمدة أربعين عاما قادمة، لتحقيق هدف تحييد الكربون.

لكن تخطيط الصين طويل المدى من أجل تحييد الكربون يعكس صدق الرغبة في التحول إلى الاقتصاد الأخضر، حتى وإن كانت حتى لحظتنا هذه لا تستطيع التخلص من اعتمادها شبه الكلي على الوقود الأحفوري في العديد من القطاعات تحديدا الصناعة وإنتاج الطاقة.

حتى العام 2014 كانت الصين تنتج نحو 73٪ من احتياجات الكهرباء اعتمادا على الفحم، وحاليًا تسعى لتقليل هذه النسبة إلى 45% بحلول 2030، وتشير دراسات إلى أن الخطوات التي اتخذتها الحكومة لتقييد صناعة الفحم  وبناء محطات لتوليد الكهرباء من مصادر بديلة كالشمس والرياح ساهمت خلال الفترة من 2014 إلى 2019 في الحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكبريت وأكسيد النيتروجين بأكثر من النصف، ما يعني أنها تسير نحو تحقيق هدفها بخطى جيدة، وبالتأكيد سيسهم نجاح تجربة مفاعل “هوالونغ وان” في تسريع هذه الخطوات وصولا إلى عام 2060.  

ربما يعجبك أيضا