في يناير 2021.. فيسبوك تطلق عملتها المشفرة وتعود إلى دائرة الجدل

ولاء عدلان

كتبت – ولاء عدلان

يبدو أن شركة “فيسبوك” تخطط لاستقبال العام الجديد بخطوة قد تشكل نقلة نوعية على طريقها لتجاوز قيود المكان والزمان شكلا ومضمونا، فبحسب صحيفة “فايننشال تايمز” تستعد عملاقة التواصل الاجتماعي لإطلاق عملتها الرقمية “ليبرا” في يناير المقبل، لتقديم خيارات أوسع لعملائها فيما يتعلق بالتجارة الإلكترونية وتحويلات الأموال.

الجمعة الماضية، نقلت “فايننشال تايمز” عن مصادر مشاركة في مشروع “ليبرا”، أن رابطة المشروع التي تضم نحو 27 شريكا عالميا إلى جانب “فيسبوك” تعتزم إطلاق عملة رقمية موحدة مدعومة بالدولار الأمريكي مطلع 2021، وتسعى حاليا من خلال مقرها الرئيسي في جنيف للحصول على التراخيص اللازمة من الجهات المسؤولة عن مراقبة الأسواق في سويسرا.

“ليبرا” وطموح يتجاوز الحدود

 كما تسعى رابطة “ليبرا” إلى إصدار سلسلة من العملات الرقمية المدعومة بالعملات التقليدية كاليورو والاسترليني، وذلك إلى جانب عملتها الرمزية “ليبرا” التي ستعتمد على عملات مستقرة مربوطة بعملات تقليدية، وذلك لتفادي الطبيعة المضطربة لقيمة العملات الرقمية والتي أشهرها البتكوين.

جدير بالذكر هنا أن عملة البتكوين شهدت خلال تعاملات الخميس الماضي هبوطا بأكثر من 9%، بعد أن سجلت يوم الأربعاء الماضي أعلى مستوياتها على الإطلاق بتجاوزها حاجز الـ19 ألف دولار، وفي العموم ارتفعت “البتكوين” منذ بداية العام بأكثر من 160%، نتيجة تداعيات جائحة كورونا  وإقبال المستثمرين عليها نتيجة توقعات بأنها ستصبح أكثر قبولا ومرشحة للوصول إلى سقف الـ20 ألف دولار خلال العام المقبل.

بالعودة لحديثنا عن عملة فيسبوك، في أبريل الماضي تقدمت رابطة ليبرا إلى هيئة الإشراف على السوق المالية في سويسرا، بطلب للحصول على رخصة لإجراء المدفوعات عبر الإنترنت بواسطة العملة الرقمية الجديدة، لكن حتى اللحظة لم تعلن الهيئة عن موقفها من الطلب، إلا أنه من المتوقع أن تتم الموافقة عليه نظرا لقوة الوضع المالي لـ”فيسبوك” ودرجة الثقة التي يتمتع بها باقي شركائها في هذا المشروع أمثال ماستر كارد، وأوبر وفيزا وبوكينج، والأهم أن “ليبرا” عملة رقمية مغطاة ماليا، ما يجعلها أكثر استقرارا وموثوقية لدى الجهات التنظيمية مقارنة بعملات رقمية أخرى.

في نهاية مايو الماضي، غيّرت “فيسبوك” اسم محفظتها الرقمية “كاليبرا” إلى “نوفي”، للشروع في عملية ربط عملاتها الرقمية وليبرا بالعملات التقليدية، ومطلع نوفمبر الجاري أعلنت عن تقديم خدمات تحويل العملات عبر منصاتها المتعددة في الهند، كأول خطوة فعلية على طريق تحويل مشروع “ليبرا” إلى واقع.

كانت “فيسبوك” أعلنت في يونيو 2019، لأول مرة عن مخططها لإطلاق ليبرا بحلول 2020، بهدف التوسع في مجال المدفوعات الرقمية، ورغم أنها أكدت أن المشروع سيدار من قبل فريق متخصص في إدارة المخاطر، وستكون العملة المقترحة مغطاة ماليًّا، لافتة إلى أن الهدف الرئيس منها سيكون الاستخدام في عمليات تحويل الأموال والأعمال التجارية، لكن هذا الكلام لم يجد سوى معارضة  واسعة، ما تسبب في عرقلة سير المشروع.

مخاوف من “ليبرا”  

في داخل الولايات المتحدة -موطن فيسبوك- اعتبرت لجنة الخدمات المالية في مجلس النواب أن ليبرا  تهدد السياسة النقدية ومكانة الدولار، إلى جانب ما تثيره من مخاوف تتعلق بالخصوصية والأمن والتجارة، فيما رهن الاحتياطي الفيدرالي السماح لـ”فيسبوك” باستكمال مشروعه بمعالجة بواعث القلق التي غذتها ليبرا لدى الهيئات التنظمية، وأعلن عن تشكيل لجنة لدراسة الأمر والتنسيق مع بنوك مركزية أخرى حول العالم، نظرا لطبيعة أعمال “فيسبوك” العابرة للحدود.

كما أبدى رؤساء البنوك المركزية في دول مجموعة السبع مخاوفهم حيال ليبرا، وقدرتها على تهديد الاستقرار المالي عالميًّا.

بالأمس جدد فابيو بانيتا العضو في مجلس إدارة المركزي الأوروبي، الحديث عن هذه المخاوف، وقال في تصريحات نقلتها “سي إن بي سي”: إن العملات المشفّرة التي تنوي شركات تكنولوجيا عملاقة على غرار فيسبوك إصدارها قد تقوّض المنظومة المالية الأوروبية، مضيفا بينما يمكن لهذه الشركات أن توفر حلولا للدفع مناسبة وفعالة، إلا أنها تحمل في الوقت ذاته خطر تهديد المنافسة والخصوصية والاستقرار المالي وحتى السيادة النقدية.

وأعرب عن تأييده لطرح يورو رقمي في مسعى لتعزيز سيادة الاتحاد الأوروبي المالية.

منذ سبتمبر الماضي، يجري البنك المركزي الأوروبي بالفعل، مشاورات للنظر في مسألة تبني عملية رقمية خاصة بمنطقة اليورو، للحد من طموحات “ليبرا” داخل نطاق أوروبا.

في أكتوبر الماضي، صرحت كريستين لاجارد، رئيسة المركزي الأوروبي، بأنه يجب التأكد من أن اليورو مناسب للعصر الرقمي، وأن تكون أوروبا على أتم استعداد لإصدار يورو رقمي، إذا دعت الحاجة إلى ذلك.

العديد من البنوك المركزية حول العالم تدرس خطوات مماثل لإصدار عملات رقمية تحظى بمراقبة الجهات التنظيمية والأهم أنها تكون قادرة على منافسة العملات الرقمية التي تشكل هاجسا أمنيا، وخلال العام الجاري استخدم بنك الشعب الصيني أول عملة رقمية في 4 مدن ضمن اختبارات يجريها، لقياس مدى قبول المستهلكين لهذه العملات والقدرة على مراقبة معاملاتها بدقة.

يعد الهاجس الأمني من أكثر أسباب معارضة الجهات التنظيمية لمشروع “ليبرا”، فإلى جانب قاعدة البيانات الضخمة التي تمتلكها منصات “فيسبوك” المتعددة عن مستخدميهما، سيضاف  إليها -في حالة استكمال المشروع- البيانات المالية لهؤلاء المستخدمين، ما يعني أن بيانات أكثر من 2.5 مليار من سكان العالم ستكون في يد رجل واحد هو مارك زوكربيرغ.

كما أن اتساع نطاق خدمات فيسبوك حول العالم، يضمن سهولة الترويج لـ”ليبرا”، وإقناع عدد كبير من المستخدمين حول العالم باستخدامها، ما يعني أنها قد تتحول بسرعة الضوء إلى عملة أساسية ومنافسة لعملات مثل الدولار واليورو.

يبدو قلل صناع السياسات المالية والنقدية من عملة “فيسبوك” في محله، لا سيما وأن العملات الرقمية آخذة في الانتشار على نطاق واسع، والأهم أن بعد عامنا هذا ودروس جائحة كورونا بات الدفع الإلكتروني وفكرة التخلي عن النقود التقليدية أكثر قبولا بين شعوب العالم.

ربما يعجبك أيضا