اغتيال العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده.. تأجيج للصراع في المنطقة

جاسم محمد

رؤية – جاسم محمد

ما زالت عملية اغتيال العالم النووي الإيراني محسن زاده، موضع تكهنات، وسط عدم تأكيد أو نفي إسرائيلي أميركي، ورد إيراني بحق الرد، مع مطالب أوروبية ودولية بضرورة ضبط النفس، كون التصعيد من شأنه أن يؤجج الصراعات الإقليمية والدولية، ويعرقل عودة واشنطن المحتملة إلى الاتفاق النووي خمسة زائد واحد.

أعلنت إيران يوم 27 نوفمبر 2020، اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده كان متوجها يومها، من مدينة “رستمكلاي” في محافظة مازندران، إلى مدينة “ابسرد” بمنطقة دماوند، وبرفقته 3 سيارات من فريق حمايته. بعض وسائل الإعلام  الصادرة باللغة الإنجليزية منها الديلي ميل وكذلك موقع العربية تناولت روايات مختلفة، لكن في الغالب، أن 12 عنصرا اشترك في العملية، ونفذ عملية إطلاق النار أربعة أشخاص، استخدموا دراجات نارية، بعد انفجار سيارة “بيكك اب ” أمام سيارة الهدف بمسافة تقدر ب 20 م. لم تكن المرة الأولى التي يتعرض لها علماء إيرانيون في مجال الطاقة النووية، فسبق أن شهدت إيران عمليات اغتيال اكثر من خمسة علماء خلال السنوات الماضية.

أشار ظريفي، وزير خارجية إيران إلى وجود أدلة على تورط إسرائيل، وسط توعد مسؤول عسكري بالرد بقوة على اغتياله. ومكتب بنيامين نتنياهو والبنتاغون يمتنعان عن التعليق. وأشارت إيران بإصبع الاتهام إلى إسرائيل مع ما يتضمنه ذلك من أن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته ترامب بارك عملية القتل.

 وقال نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في أعقاب ذلك، إن الرد على اغتيال العالم الإيراني بيد إيران. أن إيران اتهمت إسرائيل باغتيال 5 على الأقل من علمائها النوويين خلال العقد الماضي لكن فخرزاده هو أبرزهم على الإطلاق وأن إيران “اعتادت الرد في السابق عبر وكيلها في لبنان حزب الله الذي شن غارات على أهداف إسرائيلية”. وهددت إيران بالثأر لمقتل عالمها النووي البارز محسن فخري زاده “في الوقت المناسب”.

ردود أفعال

قال الرئيس المنتخب جو بايدن إنه سيعاود الانضمام للاتفاق رغم أن محللين يقولون إن ذلك لن يتم بين عشية وضحاها وإن كلا من الطرفين سيطلب ضمانات.

دعا وزير الخارجية الألماني هايكو ماس إلى ضبط النفس عقب الهجوم الدموي على عالم نووي إيراني. ودعا ماس في تصريحات لصحف مجموعة “فونكه” الألمانية الإعلامية في إشارة إلى مفاوضات محتملة حول برنامج إيران النووي، “كافة الأطراف على نحو مُلح إلى الامتناع عن اتخاذ خطوات قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد”. وذكر ماس أنه على الرغم من عدم توفر معلومات خاصة بشأن الواقعة، فإنه من الواضح “أن مقتل محسن فخري زاده سيزيد الوضع سوءا مرة أخرى في المنطقة-  في وقت لا نحتاج فيه إلى مثل هذا التصعيد”.

وقال روبرت مالي الذي عمل مستشارا لأوباما في الملف الإيراني ويقدم المشورة بشكل غير رسمي لفريق بايدن إن قتل فخري زاده يأتي في إطار سلسلة من التحركات التي تمت خلال الأسابيع النهائية في ولاية ترامب وتهدف إلى زيادة صعوبة مهمة بايدن المتعلقة بإعادة التواصل مع إيران. 

وقال متحدث باسم الأمم المتحدة إن الأمين العام أنطونيو جوتيريش دعا إلى ضبط النفس وتفادي أي أعمال قد تؤدي لتصعيد التوتر في المنطقة بعد محسن فخري زاده الذي يشتبه الغرب منذ فترة طويلة إنه العقل المدبر لبرنامج أسلحة نووي إيراني.

التحليل

ـ إن مقتل العالم النووي الإيراني محسن زاده، يمكن أن يصب في مصلحة إسرائيل وإدارة ترامب، كون عملية الاغتيال، من شأنها، أن تعرقل أي تفاهمات ين إدارة بايدن وطهران بالعودة إلى الملف النووي، وهذا الاحتمال يبقى قائما ودارجا وتناولته العديد من وسائل الإعلام.

لكن إلى جانب ذلك  هناك احتمالات أخرى يجب أن تؤخذ بالحسبان : وجود مراكز قوى داخل إيران أو ربما الحكومة الإيرانية ذاتها مستفيدة من التخلص من العالم النووي الإيراني زاده.

وهذا ما يطرح الأسئلة التالية:

ـ  في باب التحقيقات الأمنية والجنائية لمسرح العملية :ماهو مصير الأشخاص الذين نفذوا عملية الاغتيال؟ عددهم 12، وتبادلوا إطلاق النار مع حماية العالم النووي زاده، دون أن يصاب أحد منهم؟ ما هو مصيرهم، وهل من شهود عيان أو نتائج جنائية؟ وما هي عائدية سيارة “بيك اب” التي استخدمت في عملية الاغتيال أو عرقلة موكب العالم النووي زاده؟

في حالة عدم تورط الحكومة الإيرانية في عملية الاغتيال، أكيد يعتبر خرقا أمنيا كبيرا داخل الاستخبارات الإيرانية، ويعكس هشاشة أمن إيران من الداخل.

ـ  سيناريو التخلص من العالم النووي محسن زاده : طالما أن إسرائيل وأميركا لم تؤكد تورطهما في عملية الاغتيال، فليس مستبعدا أن تكون مراكز قوى إيرانية (ولاية الفقيه، الحرس الثوري، الحكومة الإيرانية وأطراف قوى داخلية تتصارع على النفوذ) متورطة بعملية الاغتيال وربما يعود ذلك إلى ما يلي: وجود مفاوضات سرية بين بايدن وإيران حول العودة إلى الملف النووي الإيراني، بشرط  تسليم أو عزل العالم النووي الإيراني زاده من أجل العودة إلى اتفاق خمسة زائد واحد. أو أطراف داخلية تسعى للتخلص من نفوذ زاده.

ـ إن مقتل العالم النووي الإيراني زاده، يمكن أن يثير الكثير من القلق وزعزعة الأمن الإقليمي والدولي، ويخلط الكثير من الأوراق، وهذا كان واضحا في رد فعل إيران التي دوما لا تتردد بالقول، (إنها ترد في الوقت والمكان المناسب)، أي أنها تحتفظ بحق الرد.

احتمالات الرد الإيراني

ـ ضرب المصالح الأميركية أو الإسرائيلية إقليميا ودوليا من خلال أذرعها خاصة في العراق ولبنان وسوريا، أكثر ما تقوم هي بأي عملية  أو تهديد لمياه الخليج الإقليمية. لكن رغم هذه التكهنات، من المتوقع أن إيران تعمل على ضبط النفس من أجل إعطاء أميركا ودول أوروبا فرصة للعودة إلى الاتفاق النووي خمسة زائد واحد وهو ما بات مرجحا.

أن اغتياله لن يوقف البرنامج النووي لطهران التي تنفي وجود أي نوايا عسكرية لها في المجال النووي وتعكس عملية اغتيال زاده وجود اختراق للنظام الأمني الإيراني، وهو ما يعرف بالقوة العسكرية المتغلغلة في المؤسسات الإيرانية النووية والعسكرية والأمنية.

ربما يعجبك أيضا