من الجولان .. إيران تريد الانتقام وسوريا لا تريد التورط وروسيا تبحث عن التسوية

يوسف بنده

رؤية

يترقب كثيرون في المنطقة العربية، وفي أنحاء العالم، الطريقة التي قد ترد بها طهران، على اغتيال عالمها النووي محسن فخري زاده، الذي اعتبرته إسرائيل، وهيئات استخباراتية أمريكية، أبا لمشروع سري للقنبلة النووية الإيرانية، فبعد فورة الغضب والتهديد بالرد، التي جاءت على لسان العديد من المسؤولين الإيرانيين، تسود حالة من الترقب لما قد تقدم عليه طهران، كرد انتقامي بعد توجيه معظم المسؤولين الإيرانيين، أصابع الاتهام إلى إسرائيل .

وحسب تقرير شبكة بي بي سي البريطانية، في معرض الحديث عن احتمالات الرد، بدت وسائل الإعلام الإسرائيلية، مشغولة بالسيناريوهات المتوقعة، وتكهنت صحيفة “يسرائيل هيوم”، بأنه إذا ما اختارت إيران الرد، فإن خياراتها هي الاستخدام المحدود لحزب الله في لبنان، أو إطلاق الصواريخ على مرتفعات الجولان، أو العبوات الناسفة على الحدود، باستخدام المجموعات المسلحة الشيعية في سوريا، أو عمليات للجهاد الإسلامي في قطاع غزة، أو هجمات إلكترونية. لكن الصحيفة تساءت أيضا، عما إذا كان الرد الإيراني، سيتضمن اغتيال شخصية إسرائيلية، أو شخصية داعمة لإسرائيل في أوروبا، أو مهاجمة هدف إسرائيلي في الخارج.

تنسيق إسرائيلي وأمريكي

حسب تقرير صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فقد أجرى ضباط كبار في الجيش الإسرائيلي مؤخراً محادثات تنسيقية مع نظرائهم في قيادة المنطقة الوسطى للجيش الأمريكي (سانتكوم) لتعزيز التعاون بين الجيشين على خلفية احتمالية حدوث انتقام إيراني.

حيث كبار في النظام الإيراني يهددون منذ الجمعة الماضي بالرد على عملية اغتيال عالم الذرة محسن فخري زادة في شرق طهران. وإيران تحمل إسرائيل المسؤولية عن هذه العملية، وإسرائيل من ناحيتها لم ترد على ذلك. ولكن شخصيات رفيعة المستوى في إدارة ترامب أكدت لوسائل إعلام أمريكية بأن الموساد هو الذي يقف من وراء العملية.

كجزء من التنسيق مع الأمريكيين، تم اتخاذ خطوات دفاعية مختلفة استعداداً لاحتمالية رد إيراني. وتم تنسيق إجراءات تشغيل مشترك لوسائل كشف وتشخيص إطلاق صواريخ وقذائف على إسرائيل وأهداف أمريكية في الشرق الأوسط. يتعاون الجيشان في هذا المجال أيضاً في الأيام العادية. قام الجيش الإسرائيلي بتغييرات صغيرة في استعداده الدفاعي منذ عملية الاغتيال، لكن لم يتم تجنيد الاحتياط ولم يتم إجراء تعزيز كبير للقوات.

يقدر جهاز الأمن بأنه من الأرجح حدوث رد إيراني، كما يعتقد رؤساء النظام. ربما ستبذل جهود من أجل إخراج هذا الأمر إلى حيز التنفيذ في الشهر الحالي للحفاظ على مسافة آمنة عن موعد دخول الرئيس المنتخب جو بايدن البيت الأبيض في 20 كانون الثاني المقبل.

حاول الإيرانيون سابقاً في عدة مناسبات أن ينفذوا انتقاماً سريعاً ضد إسرائيل، ولكن بدون نجاح على الأغلب، وهكذا كان الأمر في أيار 2018 بعد سلسلة هجمات لسلاح الجو الإسرائيلي ضد أهداف إيرانية في سوريا، عندما تم اعتراض إطلاق صواريخ لمليشيات شيعية بواسطة “القبة الحديدية” في هضبة الجولان. وفي الأشهر الأخيرة تم إحباط محاولات لزرع حقول ألغام قرب الحدود مع سوريا، التي نفذت على أيدي خلايا محلية يشغلها حرس الثورة الإيراني في هضبة الجولان السورية.

في السنوات الأخيرة، تم تسريع الخطوات الأمريكية والإسرائيلية ضد إيران في أرجاء الشرق الأوسط. في إطار “المعركة بين حربين” هاجم الجيش الإسرائيلي الساحة الشمالية مئات المرات، وفي حالات كثيرة أضر بالجهود للتمترس العسكري لإيران في سوريا، وكذلك بصناعة تهريب السلاح من إيران إلى حزب الله في لبنان. كانت السنة الأخيرة بائسة بشكل خاص بالنسبة لإيران، عند اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني في كانون الثاني، وعالم الذرة فخري زادة في تشرين الثاني، هذا إضافة إلى الانفجار في منشأة نطنز.

حسب تقديرات إسرائيلية، يبدو أن حزب الله غير معني تماماً بأن يكون مشاركاً في التصعيد العسكري في المنطقة الآن، وسيبذل كل ما في استطاعته لرفض جهود إيران لإدماجه في عمليات الانتقام. ما زال في حوزة الإيرانيين إمكانيات متنوعة نسبياً للرد – من العراق أو من سوريا، وربما حتى بواسطة المتمردين الحوثيين في اليمن الذين يمكنهم تهديد التجارة البحرية مع إسرائيل عبر البحر الأحمر. خطر آخر يتعلق بمحاولات مهاجمة شخصيات إسرائيلية أو ممثليات إسرائيلية في الخارج. في أيلول 2019 أظهرت إيران قدرة عملياتية عالية في القيام بهجوم لطائرات بدون طيار وإطلاق صواريخ كروز على آبار نفط في السعودية أدت إلى دمار غير مسبوق في حجمه.

الجيش الأمريكي الآن في ذروة عملية لتقليص قواته في الشرق الأوسط وجنوب آسيا، بتوجيه من الرئيس التارك دونالد ترامب. من أجل ضمان انسحاب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان، نقلت إلى منطقة الخليج الفارسي حاملة طائرات وقاذفات قنابل كبيرة. يبدو أن الإيرانيين سيضطرون إلى دراسة خطواتهم بحذر، وبصورة لا تورطهم في مواجهة مباشرة مع الإدارة الأمريكية المغادرة.

عين إسرائيل على الجولان

تشهد مرتفعات الجولان المحتل والمنطقة الشمالية لإسرائيل، الخميس، حالة تأهب عسكري، وذلك بعد الغارات الجوية الإسرائيلية ضد ثمانية أهداف عسكرية سورية وإيرانية نوعية في سوريا الأربعاء الماضي.

وقد اتهم الجيش الإسرائيلي، الخميس، فيلق القدس الإيراني، بزراعة عبوات ناسفة على الحدود السورية، تم كشفها الثلاثاء الماضي.

وقال أفيخاي أدرعي، المتحدث بلسان الجيش الإسرائيلي، إن “الوحدة الإيرانية المسؤولة عن زرع العبوات الناسفة على الحدود السورية في هضبة الجولان، هي الوحدة 840 الموجهة من قبل فيلق القدس الإيراني”.

وأضاف: “في شهر أغسطس/ آب الماضي، رصدت قواتنا خلية قامت بزرع عبوات ناسفة بالقرب من السياج الحدودي، بإيعاز إيراني، وتم إحباطها”.

وتابع أدرعي: “الثلاثاء تم الكشف عن حقل عبوات ناسفة، تمكنت قواتنا من تحييدها وإبطالها”. وأشار أدرعي إلى أن “الوحدة التي تقف وراء هذه المحاولات هي وحدة 840 في سوريا. وهي وحدة عملياتية تعمل سرا نسبيا، تأخذ على عاتقها تخطيط وإنشاء بنية تحتية، خارج إيران، موجهة ضد أهداف غربية ومعارضة”.

وكان الجيش الإسرائيلي قد نفذ ليل الثلاثاء وفجر الأربعاء، غارات على أهداف في سوريا قال إنها تابعة لإيران والنظام السوري، ردا على “زرع الألغام”.

كما أعلن رئيس هيئة الأركان العامة في الجيش الإسرائيلي آفيف كوخافي، خلال زيارة تفقدية إلى الجولان المحتل اليوم الأحد، عن تصميم بلاده على مواصلة محاربة تموضع إيران في سوريا.

وتفقد كوخافي القوات التابعة لفرقة الجولان المنتشرة عند الحدود وأجرى تقييما عاما للوضع، كما تحدث مع القادة والجنود في المنطقة العسكرية الشمالية عن استعداد الجيش لكافة السيناريوهات.

وأوضح قائد الأركان في كلمته أن زيارته تأتي للاطلاع عن كثب على آخر مستجدات الوضع الميداني عند الحدود، لا سيما فيما يتعلق بـ”التموضع الإيراني”، مذكرا في هذا الصدد بإعلان الجيش الإسرائيلي قبل عشرة أيام عن اكتشاف حقل للعبوات الناسفة في الجولان وتنفيذه غارات على أهداف إيرانية مزعومة في سوريا ردا على ذلك.

وتابع: “رسالتنا واضحة: “إننا مستمرون في العمل بالقوة المطلوبة ضد التموضع الإيراني في سوريا كما أننا مستمرون في الجاهزية الكاملة ضد كل محاولة عدوانية تستهدفنا”.

وحسب تقرير صحيفة الجريدة الكويتية، فقد أكد مصدر رفيع المستوى في «فيلق القدس»، الذراع الخارجية لـلحرس الثوري الإيراني، أنه رغم الهجمات الإسرائيلية المتواصلة على الإيرانيين وحلفائهم في سورية، فإن الفيلق استطاع تدريب نحو 5 آلاف عنصر من أهالي منطقة الجولان والجوار وتسليحهم نوعياً لتشكيل نواة جبهة للمقاومة الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي هناك.

وأوضح المصدر أن بعض حلفاء إيران يصرون على ضرورة بدء عمليات عسكرية في الجولان ضد إسرائيل واستخدامها كجبهة للرد على أي استهداف تقوم به تل أبيب، لكن حتى الآن تصر الجهات السياسية في إيران على ضرورة موافقة الحكومة السورية على بدء العمليات، لأن هذا العمل يحتاج إلى دعم لوجستي مستمر لا يمكن تأمينه إلا بوجود غطاء سياسي من الحكومة والجيش السوريين.

سوريا لا تريد التورط

وحسب الجريدة الكويتية، فإن الحكومة السورية ما زالت مترددة في إعطاء الضوء الأخضر لـ «المقاومة الشعبية في الجولان»، لأنها لا تريد أن تحارب على جبهتين، وتفضّل الانتهاء من الحرب الداخلية قبل فتح جبهة جديدة.

وقال إن بعض حلفاء إيران يصرون على أنه يجب أن يفتح لهم المجال، للرد على القصف الإسرائيلي لمواقعهم العسكرية، وأن عدم الرد يشجع الإسرائيليين على الاستمرار في اعتداءاتهم ويوسع نطاق الهجمات إلى لبنان.

وأضاف أن قائد فيلق القدس إسماعيل قآني بحث هذا الملف مع قادة سوريين، خلال زيارته القصيرة أخيراً إلى سوريا، مشيراً إلى أن من المقرر أن تعطي الحكومة السورية جواباً واضحاً للإيرانيين.

وحسب المعلومات التي وصلت إلى طهران فإن دمشق تتعرض لضغوط كبيرة من الروس كي لا تقبل بهذا الموضوع، إذ إن الروس لا يعارضون استهداف الوجود الأميركي أو التركي على الأراضي السورية، لكنهم يعتبرون أن استهداف إسرائيل من داخل الأراضي السورية سيكون خطأ استراتيجياً.

وفي حين لفت المصدر إلى أن أغلبية أعضاء «جبهة المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الإسرائيلي في الجولان» هم من غير العلويين أو الشيعة السوريين، بعكس حلفاء إيران في العراق ولبنان، أكد أنه بعد عملية اغتيال فخري زاده طُلب من هذه المجموعات رصد تحركات عدد من كبار القادة الإسرائيليين الذين يقومون بزيارة الجولان المحتل، بانتظار أن تصدر الأوامر باستهدافهم، حتى ولو لم توافق الحكومة السورية!

تسوية قضية الجولان

حسب تقرير موقع المركزية اللبناني، في الربع الأخير من العام 2015، دخلت روسيا إلى سوريا بعد فشل إيران في حماية النظام، فانقلبت المعادلة العسكرية لمصلحة الأخير وتقلّص نفوذ المعارضة بفضل السلاح الجوّي الروسي الذي أمّن التغطية لعمليات الجيش السوري.

قبل أيام من التدخل الروسي، قام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بزيارة إلى موسكو من أجل إيجاد آلية لمنع التداخل بين الطرفين، لاسيما وأن إسرائيل خرقت الأجواء السورية (الموضوعة تحت سيطرة الطيران الحربي الروسي) لتوجيه ضربات صاروخية ضد أهداف إيرانية لإبعادها إلى جانب حزب الله عن حدودها. 

وشكّل هذا التعاون بين موسكو وتل أبيب “مظلة” لحماية مصالحهما الاستراتيجية في سوريا، وبات الحديث عن “توزيع الأدوار” لمواجهة إيران، بحيث تولّت إسرائيل المهمة عبر الجوّ بشنّ ضربات مكثّفة بين الحين والآخر من خلال “قبّة باط” روسية ضد مواقع عسكرية تابعة لإيران وحليفها حزب الله، في حين تصدّت روسيا للوجود الإيراني في الأراضي السورية عبر إبعاده عن مناطق معيّنة بالتعاون مع الجيش السوري.

وكما تمحور التعاون حول تقليص نفوذ إيران وحزب الله في سوريا، كذلك تسعى موسكو لاستثمار علاقاتها مع النظام السوري من جهة وإسرائيل من جهة أخرى من أجل تقريب المسافات بينهما من بوّابة التفاوض على الجولان المحتلّ، على اعتبار أن الاتفاق على الهضبة سيكون المدخل للحل بين الدولتين. وتريد موسكو الاستفادة من أجواء التطبيع العربي مع إسرائيل لاقتناص الفرصة والتوقيت المناسب لتطبيع العلاقات بين تل أبيب ودمشق.

وفي الإطار، تكشف أوساط دبلوماسية غربية عن تواصل بين تل أبيب وموسكو حول هذا الموضوع من أجل إدخال سوريا إلى قطار التطبيع، ما سيؤدي حتماً إلى إغلاق جبهة عسكرية (هضبة الجولان) لطالما شكّلت مصدر قلق أمني لإسرائيل”. 

واعتبرت الأوساط “أن لا بد لإسرائيل إذا أرادت فعلاً تركيب بازل “التطبيع” بما يتناسب مع أمنها واستقرارها، أن تقدّم تنازلا في الجولان يتم الاتفاق عليه بضمانات غربية مع احتفاظها بالهضبة في مقابل التنازل عن جزء من الأراضي السورية التي احتلتها لعقود”.

ورجّحت “أن تكون هذه الأراضي المُتنازل عنها ربما عائدة لدروز الجولان لصالح السيادة السورية، بحيث تشكّل الخطوة موقفاً سوريا إيجابياً للسلام في المنطقة مع شرط حفظ الحقوق الفلسطينية لقيام دولتهم وعاصمتها القدس”.

واعتبرت الأوساط الدبلوماسية “أن نجاح موسكو بهذه المهمة سيُشكّل انتصاراً استراتيجياً لها، بحيث ستكون لها إقامة دائمة في البحر المتوسط عبر قواعدها العسكرية في سوريا، كما تُصبح شريكاً أساسياً في صنع السلام في المنطقة إلى جانب منافستها الولايات المتحدة”.

ربما يعجبك أيضا