الاضطرابات تغذي حالات العنف الأسري في العراق

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

يبدو أن الأزمات السياسية والاقتصادية المتتالية التي ابتلي بها العراق منذ عام 2019 تسببت في تصاعد غير مسبوق في العنف الأسري ، وهو ما لم تشهده البلاد منذ عقود.

لكن المشكلة الأكبر تكمن في عدم قدرة المؤسسات العراقية على التعامل الصحيح مع مثل هذه الحالات بطرق ملموسة وليس فقط عن طريق الترويج للشعارات أو تنظيم الندوات التي ليس لها تأثير فعلي.

ورغم الجهود التي تبذلها المنظمات الدولية لدعم الحكومة العراقية في إيجاد الحلول وصياغة القوانين التي من شأنها معالجة المشاكل، فإن أي مشروع يهدف إلى معالجة القضية لم يتمكن من التغلب على المعارضة السياسية.

كما أن التأثير الذي يمارسه زعماء العشائر ورجال الدين في المجتمع العراقي جعل من الصعب على الأجهزة الأمنية، التعامل مع أزمة العنف المنزلي، ويتابع العراقيون يوميا القصص الإخبارية وعبر وسائل التواصل الاجتماعي عن جرائم القتل المرتبطة بالعنف الأسري.

سجلت المحاكم العراقية آلاف قضايا العنف الأسري في عام 2019 واحتلت بغداد المرتبة الأولى من حيث القضايا.

12000 قضية قضائية

في عام 2019، تم تسجيل حوالي 16861 حالة عنف أسري في المحاكم العراقية، ما يشير إلى أن هذه زيادة كبيرة. ومع ذلك، لم يتم تسجيل بعض القضايا في المحاكم لأسباب مختلفة، أي أن العدد الحقيقي أكبر من ذلك بكثير، وفق عضو لجنة حقوق الإنسان في مجلس النواب العراقي ، أحمد الكناني.

وأضاف الكناني، أن عدد حالات العنف الأسري بلغ 12336 حالة، وسجلت بغداد أعلى عدد حيث بلغ 4661 حالة، وفقا لصحيفة «الإندبندنت» البريطانية.

سلطت هيئة حقوق الإنسان في العراق الضوء على التطورات الجديدة في هذا الموضوع، بما في ذلك حالات قتل رجال على يد زوجاتهم، حيث تشهد مناطق الرصافة، أحد الأحياء القديمة في بغداد، ومحافظة كردستان شمال العراق، أكبر عدد من هذه الحالات.

يقول أنس العزاوي، المتحدث باسم مفوضية حقوق الإنسان: «بين مايو ويونيو، سجلنا زيادة في حالات العنف الأسري ضد النساء والأطفال في المقام الأول، وبدرجة أقل العنف المرتكب ضد رجال بنساء، وأن هذا كان نتيجة الصعوبات الاقتصادية والظروف المعيشية الصعبة».

وأضاف:«منظمات الحقوق المدنية في كردستان سجلت المزيد من حالات العنف ضد الرجال مقارنة بالمناطق الأخرى، ويعود ذلك إلى وجود مجموعات معنية بهذا الأمر، بعضها يسجل حالات في مخيمات اللاجئين، حيث ينتشر الموضوع أكثر من باقي المحافظات العراقية، وسجلت منطقة الرصافة ببغداد أرقاماً متشابهة تعود إلى الزيادة السكانية وانخفاض مستويات التعليم والدخل باستثناء المناطق التي تم تحريرها من سيطرة داعش».

وشدد العزاوي على وجود حلول لهذه المشكلة، مثل استحداث قانون للعنف الأسري واستخدام الشرطة المجتمعية، إلى جانب إنشاء مراكز لإعادة التأهيل والقضاء على السلوك العنيف والمتطرف من خلال البحث عن الخبرات الدولية.

مشروع قانون

على الرغم من الحاجة إلى تشريع خاص بالعنف الأسري، والذي تمت مناقشته لفترة طويلة في البرلمان العراقي، فإن الذين عملوا في هذا المجال يطالبون جميع الهيئات التنفيذية بالاعتراف بضرورة سن هذا القانون دون أي اعتراضات.

وبحسب بشرى الزويني، الوزيرة السابقة لشؤون المرأة، فإن زيادة حالات العنف الأسري ترجع إلى القضايا السياسية والاقتصادية والأمنية التي تواجه البلاد، وكذلك العيش في أسر ممتدة وزواج الأطفال، مشيرة إلى أن الأطفال هم الأكثر عرضة للعنف المنزلي تليها النساء.

من المحتمل أن التشريع الخاص بالعنف الأسري، الذي قدمه رئيس الوزراء العراقي آنذاك في عام 2010، يمكن أن يقلل من عدد الحالات، كما أن التعديلات التي أدخلت على المسودة الأصلية، بالنسبة للزاويني تعكس الحاجة إلى تعديل أجزاء منها تخيف المعارضين، على سبيل المثال إمكانية إبلاغ الحالات إلى أي فرد يعمل في قطاع المجتمع مما يفتح إمكانية تقديم ادعاءات كاذبة .

معارضة قوية

وقد قوبل مشروع القانون بمعارضة كبيرة، ورفضته عدة أحزاب سياسية، لا سيما الأحزاب الشيعية، التي اعتبرتها «تهديدًا» للمجتمع.

وتحدثت انتصار الجبوري، نائبة رئيس لجنة الأسرة والطفل في مجلس النواب العراقي، عن اعتراضات كثيرة على هذا القانون، من قبل مجموعات سياسية مختلفة، مما حال دون إحالة المشروع على اللجان المختلفة لمناقشته وإقراره.

وأضافت الجبوري: «وصل القانون إلى مجلس النواب في أغسطس الماضي، لكنه لم يصل بعد إلى لجنة المرأة بسبب هذه الاعتراضات».

تركزت الاعتراضات على حقيقة أنه لا توجد حاجة لمشروع قانون كهذا، وأن قانون العقوبات العراقي يجرم بالفعل الضرب والإيذاء، أو أن هذا القانون من شأنه أن يضع المرأة في موقع أعلى من زوجها وإخوتها.

ويشير الجبوري إلى إمكانية تعديل جزء كبير من مشروع القانون، على سبيل المثال، يمكن أن تكون الملاجئ المقترحة تحت إشراف وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، وأشارت إلى أن اللجنة تضغط من خلال جماعات الحقوق المدنية والأمم المتحدة لعرض مشروع القانون على اللجنة النسائية وتعديله.

تفاقم الحالات

رغم إعلان الحكومة عن عدد حالات العنف الأسري، يعتقد خبراء ومحللون أن الرقم الحقيقي ضعف ما تم الإعلان عنه.

تقول بشرى العبيدي، ناشطة في مجال حقوق المرأة وعضو سابق في لجنة حقوق الإنسان: «العنف المنزلي جريمة خفية غالبًا ما يتم الإبلاغ عنها».

وأضافت أن «سن قانون هو أحد الحلول، حتى لو لم يؤد إلى حل المشكلة، فهو على الأقل يحمي الضحية ويردع الجاني»، مشيرة إلى أنه من المهم تطبيق التشريع بشكل صحيح، والعمل على تثقيف المجتمع وليس تضليله، وتقول إن الأحزاب الدينية هي التي تقف في الطريق.

للاطلاع على الموضوع الأصلي اضغط هنا

ربما يعجبك أيضا