بعد دحره عسكريًا.. داعش ينقل مركز ثقله إلى قلب القارة الأفريقية

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

بعد الخسائر التي لحقت بتنظيم داعش في سوريا والعراق وليبيا، بدأ التنظيم المتشدد في نقل مركز ثقله إلى قلب القارة الأفريقية، مستغلًا حالة الاضطرابات التي تعيشها دول القارة تزامنًا مع تصاعد أنشطة الجهاديين وارتفاع أعمال العنف، لتشتعل معركة قادمة لسنوات بين تنظيم القاعدة وداعش لتصبح القارة ساحة رئيسية لأنشطة الجهاديين بدلًا من الشرق الأوسط.

داعش إلى قلب القارة

 يبدو أن تنظيم داعش قد نقل مركز نشاطه من الشرق الأوسط إلى قلب القارة الأفريقية، حيث شهدت منطقة الساحل هذا العام زيادة في أعمال القتل بنسبة 67% مقارنة بالعام الماضي، بحسب ما جاء في نشرة “مؤشر الإرهاب العالمي” .

وجاء في النشرة: “إن نمو الجماعات المرتبطة بتنظيم داعش في منطقة الساحل أدى إلى تصاعد وتيرة الأعمال الإرهابية في العديد من بلدان المنطقة”، حيث تقع سبع دول من الدول العشر التي شهدت تصاعدًا في الأعمال الإرهابية في جنوب الصحراء الكبرى وهي بوركينا فاسو وموزمبيق وجمهورية الكونغو الديمقراطية ومالي والنيجر والكاميرون وإثيوبيا.

ولفتت النشرة إلى أنه في عام 2019 شهدت دول جنوب الصحراء الكبرى أكبر زيادة في عمليات القتل التي تنسب للجماعات المرتبطة بتنظيم داعش والتي بلغ مجموعها 982 حالة قتل وهو ما يمثل 41% من إجمالي أعمال القتل.

ساحة المعركة المقبلة

وبالحديث عن الجماعات المتشددة في القارة الأفريقية فهي تنشط منذ أمد طويل، فقد أقام زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن مقر قيادته في السودان قبل أن يعود إلى أفغانستان عام 1996.

وفي نيجيريا سبق أن أعلنت جماعة بوكو حرام عن انطلاق عملها “الجهادي” عام 2010 وقبل وقت طويل من قيامها عام 2014 بخطف مئات الطالبات من بلدة تشبوك.

وتواجه المنطقة حالياً تصاعداً في العمليات الإرهابية بفعل المنافسة بين الجماعات الجهادية. ويؤكد منسق محاربة الإرهاب في وزارة الخارجية الأمريكية السفير ناتان سلز أن القاعدة وتنظيم داعش نقلا مركز ثقلهما من منطقة عملهما التقليدية في سوريا والعراق إلى الجماعات المرتبطة بهما في غرب وشرق القارة الأفريقية وإلى أفغانستان.

ويرجح سلز أن تكون ساحة المعركة الأساسية القادمة ضد الجماعات الإرهابية هي القارة الأفريقية، لكن المعركة لن تكون فقط بين حكومات المنطقة من طرف والجماعات الجهادية من طرف آخر بل سنشهد صراعا داميًا بين القاعدة وداعش بسبب المنافسة بينهما.

وهذه المنافسة تحتدم أكثر فأكثر حسب رأي الخبير في شؤون الجماعات الجهادية أوليفيه غييتا من مؤسسة غلوبال سترات للمخاطر الأمنية الاستشارية، “أفريقيا ستكون ساحة الجهاد العالمية خلال السنوات العشرين المقبلة بدلا من الشرق الأوسط” حسب رأي غييتا.

 ففي الصومال التي تنشط بها حركة الشباب الموالية للقاعدة، لم يتمكن داعش من إيجاد موطئ قدم له حيث ينحصر وجوده في رقعة ضيقة من شمال شرق القرن الأفريقي.

وفي موزمبيق يمثل الجيب الذي أقامه داعش في مقاطعة كابو دلغادو والذي يحمل اسم ” إمارة وسط أفريقيا في الدولة الإسلامية” تجسيداً فعليا لمثال التمرد الشامل على الدولة وإقامة جيب منفصل عبر وسيلة الإنترنت حصراً.

مالي والساحل.. قنبلة موقوتة

تضم منطقة جنوب الصحراء الكبرى التي تعرب باسم منطقة الساحل أيضًا، بعض أفقر دول العالم وهذه الدول هي مالي ونيجر وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا وجميعها شهدت هجمات مسلحة وأعمال تمرد.

وتعاني أجزاء واسعة من هذه المنطقة من القحط بدرجات متفاوتة ومن الفقر والبطالة والفساد إضافة إلى وجود مناطق شاسعة خارج سيطرة الحكومات.

وبحسب المحللين فإن منطقة غرب أفريقيا تمثل البيئة المثالية لنشاط الجماعات الجهادية بسبب فشل الحكومات في السيطرة على أراضيها وارتكاب القوات الحكومية انتهاكات ضد السكان وسهولة عبور الحدود بين هذه الدول.

والجماعة الجهادية المهيمنة في المنطقة هي “جماعة نصرة الإسلام والمسلمين” الموالية للقاعدة وهي تتنافس مع جماعة “الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى” الموالية لداعش وقد وقعت عدة معارك بين الجماعتين خلال العام الحالي لكنها لم تتحول إلى مواجهات واسعة.

وكانت نيجيريا الدولة التي عانت أكثر من غيرها من عنف الجماعات المتطرفة حيث تواجه القوات الحكومية مصاعب في السيطرة على المناطق الشمالية من البلاد، وهي المناطق التي تنشط فيها جماعة بوكو حرام التي بايعت داعش في 2015 .

الخطر يتمدد لشمال أفريقيا

يذكر أن القاعدة انطلقت في شمال أفريقيا من الجزائر وبالتالي لا غرابة أن يكون الزعيم الجديد للقاعدة في “المغرب الإسلامي” جزائرياً، حيث حل أبو عبيدة العنابي البالغ من العمر 51 عاماً محل الزعيم السابق عبد المالك دوركدال الذي قتل في عملية للقوات الفرنسية في شهر يونيو الماضي في مالي.

وتواجه تونس مخاطر الأعمال الإرهابية بسبب البطالة المتفشية بين الشباب ومجاورتها لليبيا. وشكل التوانسة أكبر نسبة من المقاتلين الأجانب الذين التحقوا بصفوف داعش في سوريا بين عامي 2013 و2018 حيث بلغ عددهم ما بين 15 إلى 18 ألف مقاتل.

وتعيش ليبيا منذ الإطاحة بحكم القذافي عام 2011 حالة من الفوضى والفراغ الأمني وانعدام القانون وهذا الوضع لم يؤد إلى وقوع آلاف الأطنان من المتفجرات والذخائر والأسلحة التي كانت في مخازن الجيش الليبي في يد المدنيين ووصولها إلى دول الساحل بل سمح أيضًا لتنظيم داعش في إنشاء قاعدة له في شرقي البلاد.

ويتحصل الجهاديين على تمويلهم من خلال أموال الفدية مقابل الرهائن، حيث يقدر الخبراء إجمالي المبلغ الذي تم دفعه للجهاديين خلال السنوات الماضية مقابل إطلاق سراح الرهائن الغربيين بنحو 120 مليون دولار، وهي أموال يستخدمها المتطرفون في شراء المزيد من الأسلحة والمتفجرات والسيارات وأجهزة الرؤية الليلية وأجهزة الاتصال وتجنيد المزيد من الأفراد ورشوة المسؤولين.

ويبقى السؤال هل ستصبح فعلاً القارة الأفريقية الساحة الرئيسية لنشاط وعمل الجماعات الجهادية بدلاُ من الشرق الأوسط كما يتوقع البعض؟

ربما يعجبك أيضا