الاتحاد الأوروبي.. العقوبات الاقتصادية ضد تركيا إشارة قوية لتتراجع قليلا

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

ما زال الاتحاد الأوروبي  يدرس إمكانية فرض عقوبات على تركيا، خلال اجتماع وزراء خارجية الاتحاد هذا اليوم  السابع من ديسمبر 2020، في بروكسل بهدف تقييم النزاع في شرق المتوسط وملفات أخرى، وهو تمهيد لقمة المجلس الأوروبي المقرر أن يعقد بعد يومين.

وفي هذا الإطار، يعمل الاتحاد الأوروبي بشكل مكثف، على تجهيز قائمة بالعقوبات الممكن فرضها على تركيا، من أجل حثها على قصر حفريات التنقيب عن الغاز المثيرة للجدل في نطاق مياهها الإقليمية، عند اليونان وقبرص.

ربما فرنسا هي من تقود، جناح الصقور في الأزمة، إذ تدفع باريس إلى توحيد الصف الأوروبي خلف اليونان وقبرص وتسعى للحصول على موافقة لفرض عقوبات اقتصادية تشمل تعطيل بعض الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية الأوروبية شديدة الأهمية لتركيا، وهذا ما يثير حفيظة أنقرة كثيرا.

إن الإجراءات الأوروبية المحتملة ضد تركيا هي بالأحرى تطبيق إلى ما تم الاتفاق عليه في نوفمبر 2019، عندما أنشأ الاتحاد الأوروبي الإطار القانوني للعقوبات ضد تركيا مثل حظر السفر وتجميد الأصول، وقد تمتد العقوبات لتشمل أصولاً تركية مثل السفن أو حظر استخدام موانئ الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

تحذيرات أوروبية

سبق أن وجّه الاتحاد الأوروبي رسائل عدة إلى لتركيا بالتهديد بفرض عقوبات عليها إذا لم توقف عمليات التنقيب غير القانونية في المياه الإقليمية لجزيرة قبرص. وأعطى رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال تركيا أكثر من فرصة للحوار السياسي مع تركيا . ولكنه لم يتردد بتأكيد فرض العقوبات في حالة تجدد الاستفزازات. وحذرت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين من أن “تركيا يجب أن توقف أعمالها الأحادية، إذا استمرت هذه الأفعال، سنستخدم جميع الأدوات المتاحة لنا”.

دعا رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، تركيا إلى التوقف عن ممارسة لعبة “القط والفأر” من خلال تقديم تنازلات والتراجع عنها بعد ذلك. وهي إشارة إلى “تكتيكات” أردوغان برفع وخفض لغة التصعيد في شرق المتوسط، فرغم انسحاب سفينة التنقيب التركية “أوروش ريس” من مياه قبرص قبل أيام من انعقاد القمة الأوروبية. وكان أردوغان قد قال للبرلمان يوم الأول من أكتوبر 2020 إن تركيا تفضل حل الخلافات في شرق المتوسط عبر الحوار ولا تسعى لتصعيد التوتر أو النزاع في المنطق. 

حث البرلمان الأوروبي يوم 27 نوفمبر 2020  الاتحاد الأوروبي على فرض عقوبات على تركيا بعد أن قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان خلال شهر نوفمبر الماضي بزيارة إلى شمال قبرص الانفصالي الذي يهيمن عليه القبارصة الأتراك. ووافق البرلمان الأوروبي، بتأييد 631 صوتا مقابل معارضة ثلاثة وامتناع 59 عن التصويت، على قرار غير ملزم يدعم طلب قبرص العضو في الاتحاد، الذي يحث قادة التكتل على “اتخاذ إجراء وفرض عقوبات صارمة ردا على أفعال تركيا غير القانونية”.

نوع العقوبات الاقتصادية ضد أنقرة

من المتوقع أن العقوبات لن تقتصر على أشخاص، وإنما تشمل الشركات المساهمة في التنقيب عن الغاز وسفن الحفر والبحث التي تعمل لصالح تركيا، حيث سيتم إغلاق الموانئ الأوروبية في وجهها وحرمانها من قطع الغيار. كما قد تفرض عقوبات البنوك الممولة للمؤسسات المشاركة في التنقيب.

وفي المرحلة التالية من التصعيد يمكن التفكير بفرض عقوبات ضد قطاعات اقتصادية بأكملها. وتمتد العقوبات على الأرجح الاتحاد الجمركي الذي يمكّن تركيا والاتحاد الأوروبي من تبادل السلع بدون رسوم جمركية تقريباً، يذكر أن الأتراك يسعون منذ وقت طويل لتوسعة الاتحاد الجمركي. وكانت وزارة الخارجية التركية قد وصفت، باحتمالات فرض عقوبات ضد تركيا من قبل الاتحاد الأوروبي، بأنها “غير بنّاءة”.

يقول سنان أولغن من مؤسسة كارنيغي في بروكسل، الضغط لن يغيرا من طريقة تفكير تركيا  وأن الأخيرة لا تصدق أن الدول الأوروبية يمكن أن تُجمع على قرار فرض هذا العقوبات. ويرى خبير الشؤون الخارجية التركية أن الاتحاد الأوروبي بات في مأزق، فالاتحاد “لا يمكنه فرض عقوبات إلا بإجماع كل الأعضاء. وهذا يعني أن العقوبات التي ستفرض ستكون متواضعة وغير كافية لحمل تركيا على تغيير سلوكها”. لكن النائب في البرلمان الأوروبي عن حزب الخضر والخبير في الشؤون الخارجية، سيرغي لاغودينسكي، يخالف ذلك ويقول إن  الهدف هو إرسال إشارة قوية إلى تركيا لتتراجع قليلاً في “استخدامها لخطاب الحرب”.

فما زالت دول أوروبا تشعر بالقلق من سياسات أردوغان، شرق المتوسط ومناطق أخرى. الاتهامات الأوروبية إلى أنقرة ما زالت مستمرة بالتلويح بورقة المهاجرين، ونقل المرتزقة والمقاتلين العرب والأجانب من سوريا وتركيا إلى مناطق النزاع  أبرزها ليبيا.

الخلاصة

إن سياسات أردوغان في شرق المتوسط، قائمة على الشد والجذب، بهدف أرباك دول الاتحاد الأوروبي، واستنزاف قدراتهم، وهو يراهن في ذلك على غياب إجماع أوروبي داخل الاتحاد لمواجهة التهديدات التركية. فمازال أردوغان حتى الآن يهدد بورقة الهجرة ونقل المرتزقة  و “الجهاديين” من سوريا عبر تركيا إلى مناطق النزاع، إلى جانب زعزعة أمن أوروبا من الداخل من خلال رهانه على شبكات عمل داخل أوروبا مثل الذئاب الرمادية وشبكات تجسس واسعة .

هذه المرة استنفذ أردوغان جميع أوراقه مع الاتحاد الأوروبي شرق المتوسط، وهناك إجماع أوروبي، تمثل بتصويت البرلمان الأوروبي على العقوبات، وهذا ما يعطي الدعم للمفوضية الأوروبية، بتنفيذ العقوبات الاقتصادية ضد أنقرة.

ومن دون شك فإن اجتماع وزراء الخارجية، هو تمهيد لقمة قادة مجلس دول أوروبا الذي من المقرر أن يعقد بعد يومين من اجتماع وزراء الخارجية، ومن المرجح أن تكون هناك عقوبات أوروبية اقتصادية محتملة ضد أنقرة جاهزة على طاولة قمة المجلس الأوروبي. الاحتمالات جميعا ما زالت قائمة ، لكن بات مرجحا أن تصدر القمة الأوروبية العقوبات الاقتصادية، وربطها بأفعال أردوغان مستقبلا. ورغم ذلك فبات متوقعا، أن يتراجع أردوغان مرة أخرى عن تصريحاته، واستمرار حالة الشد والجذب في شرق المتوسط.

ربما يعجبك أيضا