أمريكا لم تعد أيقونة للابتكار.. صدع في «وادي السيليكون»!

كتب – حسام عيد

يُعرف وادي السيليكون “سيليكون فالي” بقطب التكنولوجيا ليس فقط في الولايات المتحدة الأمريكية فحسب، بل في العالم أجمع، فهو مهد التكنولوجيا الحديثة بامتياز، ويعتبر أكبر مركز استثماري في العالم، فالشركات العملاقة تتعزز هناك، كما أنه يعد بمثابة نموذج تنافسي متكامل يمتاز بالعلم أولًا، ويسمح بالفشل ويؤمن بالحريات المطلقة للأفكار.

ودائمًا ما يدور حديث في قطاعات المال والأعمال حول سر نجاح وادي السيليكون، وهي المنطقة التي تقع جنوبي مدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا الأمريكية.

لكن على ما يبدو فإن فيروس كورونا المستجد “كوفيد-19″، سيغيب أسطورة وادي السيليكون، خاصة مع تحوله إلى جائحة عالمية تعصف بالاقتصادات العالمية، كافة، فاليوم تسببت تداعيات “كوفيد-19” الاقتصادية في تفكك قبلة المستثمرين والمبتكرين الأولى في العالم، مع مغادرة قطب الأعمال الأمريكي إيلون ماسك ثاني أغنى رجل في العالم، والرئيس التنفيذي لشركتي تسلا وسبيس إكس، وتخارج شركات كبرى عملاقة، أبرزها أوراكل، في شكل أشبه بالهجرة الجماعية من ولاية كاليفورنيا إلى ولاية تكساس.

ما هو وادي السيليكون؟

يشغل “وادي السيليكون منطقة في الجزء الجنوبي من خليج “سان فرانسيسكو” شمال ولاية كاليفورنيا الأمريكية، ويوجد به مجموعة من أبرز شركات التكنولوجيا العالمية مثل “أبل” و”سيسكو” و”مايكروسوفت” و”جوجل” و”أوراكل” وغيرها.

يرجع تسميته بهذا الاسم إلى وجود عدد كبير من مبتكري ومصنعي رقاقات السيليكون، ولكن في نهاية  المطاف، أصبح يرمز إليه على أنه منطقة تضم جميع شركات التكنولوجيا الفائقة في أمريكا.

وظهر مصطلح “وادي السيليكون” في السبعينيات عندما أصبحت المنطقة مركزا للصناعات التكنولوجية في الولايات المتحدة، خصوصا بعد أن نجحت شركة ناسا التي تتخذ من المنطقة مقرا رئيسيا لها في الوصول إلى القمر، لكنه أصبح متداولا على نطاق واسع في الثمانينيات مع شركة “آي بي إم” عندما بدأ البحث عن كيفية تحويل أجهزة الحواسب الآلية (الكمبيوتر) الضخمة التي كان يستخدمها الجيش الأميركي والمؤسسات الحكومية إلى حواسب صغيرة سهلة الاستعمال.

لكن فعليا تعود شهرة منطقة “السيليكون فالي” إلى بداية القرن الماضي، عندما تم اختراع التلغراف الذي استخدمه الجيش لتبادل الرسائل بين القواعد العسكرية، ومن هنا استمرت الاختراعات التكنولوجية في هذه المنطقة التي تقع في الغرب الأميركي، شمال كاليفورنيا.

وساعد هذا التاريخ في تحول كثيرين نحو وادي السيليكون لتأسيس شركاتهم التكنولوجية، لكن أغلب الأبحاث ترجع نجاح “السيليكون” إلى وجود جامعة ستانفورد، إحدى أكبر وأعرق الجامعات الأميركية، التي تأسست في العام 1885 وركزت منذ تأسيسها على البحث العلمي في مراكز متخصصة ومساعدة الطلاب على تأسيس أعمالهم.

ولاحقًا، باتت منطقة السيليكون فالي مرنة لأبعد الحدود، فبينما كان النمط السائد سابقا هو الانحياز الضمني لخريجي “ستانفورد” و”بيركلي” في قطاعات الأعمال، أخذت شركات كبرى مثل “جوجل” و”فيسبوك” و”أبل” تتجه إلى اعتماد الموهوبين والمبدعين بصرف النظر إذا كانوا من هاتين الجامعتين أو الأسماء اللامعة في أميركا، بل حتى أنهم ذهبوا لإلغاء شرط الشهادة الجامعية طالما أن هناك مبدعين يعملون في التكنولوجيا منذ نعومة أظافرهم وقد يكونون قيمة مضافة لهذه الشركات في خلق أفكار جديدة”.

كورونا وتفكيك أسطورة وادي السيليكون

لكن في ظل استمرار جائحة كورونا الوبائية “كوفيد-19” واشتداد تداعياتها الاقتصادية، أصبح وادي السيليكون المكتظ بشركات التكنولوجيا الكبرى بطيئًا في الاستجابة للأزمة، بل وكشف قناع الفشل عن الولايات المتحدة الأمريكية التي لم تعد جيدة في ابتكار ابتكار أفكار وتقنيات جديدة ذات صلة بالاحتياجات الأساسية.

الولايات المتحدة أصبحت أقل إنجازًا بكثير في إعادة اختراع الرعاية الصحية، وإعادة التفكير في التعليم، وجعل إنتاج الغذاء وتوزيعه أكثر كفاءة، وبشكل عام، تحويل خبرتها التقنية لتشمل أكبر قطاعات الاقتصاد.

وكان جون فان رينين، الاقتصادي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) الذي كتب أخيراً عن المشكلة، قد قال إن الابتكار هو السبيل الوحيد لدولة متقدمة مثل الولايات المتحدة للنمو على المدى الطويل، لكن، هناك أيضاً أدلة كثيرة على أن الافتقار إلى البحث والتطوير الممول من الشركات والحكومات هو عامل كبير في تراجع بريق وادي السيليكون وتباطؤ نمو إنتاجية شركاته.

يبدو هذا أقرب إلى الواقع، فمع بدء الولايات المتحدة في التعافي من وباء كورونا واستئناف الأعمال، ستكون هناك معضلة حقيقية في كيفية إيجاد طرق لخلق وظائف عالية الأجور وتعزيز النمو الاقتصادي. وربما يكون الحل الناجع في التحفيز البيئي وزيادة الاستثمارات في البنية التحتية التي تشتد الحاجة إليها.

هجرة جماعية إلى تكساس

من جانبه، قال إيلون ماسك، الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، إنه انتقل إلى تكساس، مستهدفًا وادي السيليكون. وأعرب عن أسفه لأن كاليفورنيا، في رأيه، أصبحت راضية عن مبتكريها.

وتستمر شركات السيد ماسك في الحفاظ على عمليات مكثفة في كاليفورنيا، وتعمل شركات التكنولوجيا الأخرى على توسيع وجودها هناك. ومع ذلك، فإن قراره بالانتقال يبرز الاستياء المتزايد، لا سيما بين المتخصصين في التكنولوجيا الأكثر ثراءً، من تكلفة المعيشة في الولاية، وأزمة العقارات قبل الوباء، وانسداد الطرق.

كما أن الحصول على الإقامة في تكساس يأتي بمزايا شخصية للسيد ماسك، فالولاية لا تجمع ضريبة دخل أو ضريبة أرباح رأس المال للأفراد.

وانضمت شركة أوراكل Oracle العملاقة إلى قائمة الشركات المتزايدة والتي هاجرت بشكل جماعي وادي السيليكون في ولاية كاليفورينا إلى ولاية تكساس في ضربة غير مسبوقة للولاية الذهبية الغنية.

وقالت الشركة في 11 ديسمبر 2020، إنها ستنقل مقرها الرئيسي إلى أوستن في تكساس كما وضعت سياسة عمل أكثر مرونة لموظفيها، والذين يمكنهم اختيار العمل من المكتب أو مواصلة العمل من المنزل.

وتعتقد أوراكل أن هذه التحركات هي أفضل موقع للنمو وتزويد موظفيها بمزيد من المرونة حول مكان وكيفية عملهم.

وتعتبر شركة Oracle واحدة من أقدم الشركات في وادي السيليكون وتأسست عام 1977 في سانتا كلارا ومقرها حاليًا في مدينة ريدوود القريبة. وهي من الشركات العملاقة التي توفر البرامج والخدمات السحابية ولديها 135000 موظف حول العالم.

وتصدرت الشركة عناوين الصحف مؤخرًا لعرضها المشترك مع Walmart لشراء تطبيق TikTok الشهير. وتعد Oracle الأحدث في قائمة شركات التكنولوجيا الكبرى والمديرين التنفيذيين الذين ينتقلون إلى تكساس.

فيما أعلنت شركة Hewlett-Packard Enterprises وهي شركة في وادي السيليكون أنها ستنقل مكتبها الرئيسي إلى هيوستن. كما انتقلت العديد من شركات التكنولوجيا الأصغر مثل SignEasy و QuestionPro وDZS(المعروفة سابقًا باسم Dasan Zhone Solutions) من كاليفورنيا إلى تكساس.

ويشتهر وادي السيليكون بأسعار العقارات الباهظة، وتوجد في كاليفورنيا معدل ضريبة دخل شخصي مرتفع جدا بينما لا يوجد في تكساس أي ضريبة.

ربما يعجبك أيضا