المهاجرون في جزر الكناري.. قصة جديدة عن معاناة اللجوء إلى القارة العجوز

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

في جزر الكناري، سيُذكر عام 2020 على أنه أكثر من مجرد عام جائحة كورونا، حيث تحولت الجزر التي تبعد عن السواحل المغربية بحوالي مئة كيلومتر إلى محطة جديدة للمهاجرين الذين يصلون إليها من مختلف الدول الإفريقية.

امتلأت شوارع الجزيرة ليس بالسياح الباحثين عن دفء الشتاء، ولكن بضباط الشرطة والعاملين في مجال الصحة والصحفيين، وجميعهم ينطلقون من وإلى الرصيف المزدحم، الذي أصبح رمزا حديثا لظاهرة قديمة.

وأصبح الوضع الاقتصادي متأزم  في جزر الكناري بسبب الأزمة الصحية العالمية, فالسياح الذين يشكلون ما لا يقل عن سبعين في المئة من الدخل تقلص عددهم بل وانعدم في بعض الجزر.

وتحولت القوانين الجديدة التي تفرضها إسبانيا على الجزر إلى عائق في وجه المهاجرين الذين يرغبون في إكمال رحلتهم إلى الأراضي الأوروبية بعد تسوية وضع إقامتهم بجزر الكناري. 

بعد ما يقرب من 15 عامًا من «أزمة كايكو» في عام 2006، عندما وصل حوالي 36000 شخص إلى الأرخبيل الإسباني في قوارب صيد صغيرة وخطيرة، فإن جزر الكناري تواجه مرة أخرى التعامل مع وصول آلاف المهاجرين واللاجئين.

على مدار الأحد عشر شهرًا الماضية، اجتاز حوالي 20000 شخص طريق المحيط الأطلسي من إفريقيا إلى أوروبا، ووصل أكثر من 8000 شخص إلى جزر الخالدات في نوفمبر وحده، وفي العام الماضي، وصل 2557 مهاجرا إلى الأرخبيل ارتفاعا من 1307 في 2018.

لا يوجد مكان يتجلى فيه التوتر والفوضى أكثر من رصيف ميناء أرغوينغوين، في مركز الاستقبال المؤقت، الذي تم إنشاءه قبل أربعة أشهر ويهدف لإيواء 500 شخص، تضخم عدد المقيمين إلى ما يقرب من 2700 شخص خلال الأسابيع الأخيرة، ويبلغ عدد سكان أرغوينغوين، وفقًا للأرقام الرسمية، 2309 نسمة.

يعيش الأشخاص المحتجزون في المركز المؤقت رسميًا لمدة أقصاها 72 ساعة في ظروف صعبة، بعضهم في خيام لكن الكثير منهم ينام على رصيف مكشوف مليء بالفئران، تقدم معظم الوافدين إلى معسكرات مؤقتة أفضل تجهيزًا في الداخل أو في مراكز الاستقبال الحكومية أو غرف الفنادق.

وبالرغم من النزاعات المستمرة وإغلاق الحدود البرية الذي فرضه الوباء وزيادة الضوابط في بعض دول شمال إفريقيا، ارتفاع استخدام طريق الأطلسي هذا العام، وأعادت عصابات التهريب تنشيط المعبر الطويل والمحفوف بالمخاطر، حيث نقلت آلاف الرجال والنساء والأطفال بين القارتين.

أولئك الذين حالفهم الحظ بالهبوط على جزر الكناري يجدون أنفسهم في وضع مشوش ومفكك بالإضافة إلى نقص الموارد، ودعا أمين المظالم العام في إسبانيا إلى إغلاق مركز الإيواء في أرغوينغوين على الفور على أساس أنه قد ينتهك الحقوق الأساسية للناس.

3753

أوضاع مؤسفة

في الشهر الماضي، قرر أحد القضاة أنه بينما كانت الأوضاع في المخيم «مؤسفة»، إلا أنها لا تشكل جريمة، وقد تم تقديم الشكوى من قبل أوناليا بوينو، رئيسة بلدية موغان، التي تنتمي إليها مدينة أرغوينغوين.

ويأست بوينو من عدم وجود تنسيق بين وزارات الحكومة المركزية، مستشهدة بأحداث 17 نوفمبر على وجه الخصوص، وفي ذلك اليوم، حيث كان مركز الميناء مكتظًا تمامًا، تم إبعاد 200 مغربي من قبل الشرطة، ووضعوا في حافلات متجهة إلى عاصمة الجزيرة لاس بالماس، وتركوا دون مكان للإقامة.

بينما تدخلت وزارة الهجرة أخيرًا ووجدت مكانًا مناسبًا لهم، ترى بوينو الحدث على أنه أحد أعراض الغياب العميق والمقلق للإرادة السياسية، قائلة: «إن الافتقار إلى الإنسانية من جانب الحكومة لا يمكن أن يستمر، ولا يبدو أنه قادر على حل المشكلة المطروحة»، ومع ذلك تضيف، وجدت إسبانيا طريقها خلال «أزمة كايكوكو» في عام 2006.

يقول خوسيه سيغورا كلافيل، الذي كان ممثل الحكومة المركزية في جزر الكناري في ذلك الوقت، إن الوضعين لا يحملان مقارنة، ويشير إلى أن الوباء يعني أن رحلات العودة إلى الوطن مستحيلة، لكنه يقول إن المهاجرين واللاجئين لا يتلقون «الاستقبال الإنساني» الذي يستحقونه.

ومع ذلك، إذا فشلت السلطات الإسبانية في الوفاء بالتزاماتها، كما يضيف سيجورا، فإن الاتحاد الأوروبي أيضا لديه «سلوك خطأ، فليست لدينا سياسة مشتركة واضحة».

تم توضيح الافتقار إلى نهج واضح ومشترك وعادل للهجرة في الرسالة التي أرسلتها إسبانيا وإيطاليا واليونان ومالطا إلى المفوضية الأوروبية، ردًا على مقترحات الاتحاد الأوروبي الجديدة للهجرة واللجوء.

وقالت الدول الأربع: «نعتقد أن قواعد التضامن والالتزامات ذات الصلة من جميع الدول الأعضاء يجب أن تحدد بوضوح»، ولا يمكن للدول الأعضاء في الخطوط الأمامية مواجهة ضغط الهجرة على الاتحاد الأوروبي بأكمله، يجب أن نجد حلولاً مجدية ومنسقة لتحدياتنا المشتركة».

في غضون ذلك، فإن الضغط على رصيف أرغوينغوين يتراجع كل يوم، ويتم نقل الأشخاص إلى معسكر سابق للجيش في الجزيرة، والذي يمكن أن يأوي ما يصل إلى 1000 شخص، لكن هناك مخاوف من أن الأمطار الشتوية قد تحول المخيم إلى ممر طيني.

وهناك  حوالي 6000 شخص بما في ذلك أكثر من 455 طفلاً غير مصحوبين بذويهم، يتم تسكينهم في غرف الفنادق التي دفعتها الحكومة الإسبانية أكثر من 3470 منهم يقيمون في 10 فنادق في موغان.

لكن الأمور أبعد ما تكون عن الاستقرار، وأصدرت بوينو إنذارًا نهائيًا لوزارة الهجرة، محذرًا من أن تضامنهم يجب أن يحدد له موعد قبل 31 ديسمبر، مطالبة الحكومة المركزية إبعاد المهاجرين واللاجئين من الفنادق وإيوائهم في أماكن أخرى.

وقالت وزيرة الدولة للهجرة، هناء جلول، إن وزارة الداخلية تعمل على إعادة جميع الأشخاص غير المؤهلين للحصول على حق اللجوء، لكنها أضافت «أن الوافدين الجدد بحاجة إلى رعاية مناسبة، إذا تركت هؤلاء المهاجرين في الشوارع الآن، فسيتعين على الخدمات الاجتماعية أن تتحمل المسؤولية عنهم».

5000

سجن كبير

يروي بعض المهاجرين غير الشرعيين الذين وصلوا إلى الجزيرة عبر قوارب صيد قصصهم، يقول باكاري شاب من مالي يبلغ من العمر عشرون عاما يعتبر وصوله إلى البر بعد أربعة أيام قضاها في البحر معجزة ويرى بأنه الآن متواجد على الأرض الإسبانية، مضيفا: «هربت من الحرب والعنف في بلدي».

 بينما يعترف الشاب ماباي وهو من السنغال أنه جاء إلى جزر الكناري بسبب الأزمة الاقتصادية في بلاده فهو صياد وما يجنيه من صيد السمك لا يسد حاجة عائلته، وفقا لصحيفة «مونت كارلو».

سيلفانوس كامارا، مهاجر يبلغ من العمر 22 عامًا من سيراليون، هو أحد أولئك الذين يقيمون في الفنادق، ويحكي أنه مثل العديد من زملائه المهاجرين، صعد إلى قارب مزدحم في ميناء مبور السنغالي ذات يوم في أكتوبر «بحثًا عن المستقبل» في مواجهة قلة العمل، قرر المقامرة على معبر البحر الخطير، تاركًا ابنته البالغة من العمر خمس سنوات في رعاية أخته.

ولكن على عكس معظم الوافدين الجدد إلى جزر الكناري، ليس لدى كامارا أي خطط للانتقال إلى البر الرئيسي، قائلا: «إن جزر الكناري مكان رائع وتذكره بأفريقيا، وحلمه الآن هو أن يبدأ مسيرته الكروية الوليدة التي تركها وراءه في سيراليون، إنه يستيقظ الساعة 6 صباحًا كل يوم للتدريب على الشاطئ على بعد ميلين ويأمل أن يؤتي تفانيه في العمل».

مثل كثيرين آخرين يرى الرئيس الإقليمي لجزر الكناري تكسيما سانتانا، أوجه تشابه واضحة بين ما يحدث في الأرخبيل وما حدث بالفعل في لامبيدوزا في إيطاليا وليسبوس في اليونان، قائلا قد تختلف الأرقام لكن الاستجابة لا تختلف إن الاتحاد الأوروبي ينظر إلى أراضي الجزر كسجون.

لكن بالنسبة لمن هم أقل حظًا، فإن جزر الكناري والمياه التي تؤدي إليها ليست سجونًا، بل مقابر.

ففي أكتوبر، لقي ما لا يقل عن 140 شخصًا حتفهم عندما اشتعلت النيران في القارب الذي كان يقلهم من السنغال وانقلب في أكثر حطام سفينة دموية تم تسجيله حتى الآن هذا العام، في الشهر الماضي، لقي ثمانية أشخاص حتفهم عندما اصطدم قاربهم بالصخور أثناء محاولتهم الهبوط في لانزاروت.

وفقًا للمنظمة الدولية للهجرة (IOM)، لقي ما لا يقل عن 563 شخصًا مصرعهم على طريق المحيط الأطلسي في عام 2020، ولا يأخذ هذا الرقم في الاعتبار وفيات لانزاروت.

يقول سانتانا: «إلى أن نحصل على وسيلة آمنة وقانونية ومنظمة للناس للتنقل، سنواصل رؤية هذه المعابر غير النظامية، وسيكون هناك دائمًا أشخاص مستعدون للاتجار بالأشخاص الآخرين ولبيعهم حلم الوصول إلى أرض أخرى»

ربما يعجبك أيضا