تونس في الذكرى العاشرة.. كل الثورات تتبخر ولا يتبقى سوى الوحل

هالة عبدالرحمن

كتبت – هالة عبدالرحمن

“كل ثورة تتبخر وتخلف وراءها وحلا من البيروقراطية الجديدة”، المقولة الشهيرة للكاتب التشيكي فرانس كافكا، ربما تنطبق على الحالة التونسية تزامنا مع حلول الذكرى العاشرة لاندلاع الثورة التونسية.

وفي سياق أزمة اقتصادية خانقة وفي ظل انسداد الحياة السياسية وفشل مختلف الحكومات في حل المشاكل المتراكمة، فلهذه الذكرى رمزيتها العميقة لدى التونسيين الذين أصبحوا أكثر تشاؤما بسبب تعقد أوضاعهم المعيشية.

ونشرت صحيفة “التايمز”، تقريرا اليوم الثلاثاء، بشأن مصير البلاد بعد 10 أعوام من الثورة التي أسقطت نظام حكم الرئيس زين العابدين بن علي.

116084316 064598528 1

وتواجه تونس عدد من الاحتجاجات والإضرابات والاعتصامات التي لا تخلو منها منطقة من مناطق البلاد. ومع معدلات البطالة العالية، تشهد تكلفة المعيشة في البلاد ارتفاعا مستمرا.

وترتفع الأصوات الداعية إلى الثورة بعد 10 سنوات من الثورة التي أسقطت نظام بن علي، وكانت الشرارة الأولى لثورات “الربيع العربي”. ولكن الكثيرين يعتقدون أن هذه الثورات التي لم تؤت أكلها ولم تفتح فرصا للناس في المنطقة ولا حتى في تونس.

على المستوى السياسي، يلاحظ انسداد تام في عمل الحكومة الحالية التي بقيت مرتهنة لتحالف برلماني غير طبيعي بين حركة النهضة الإسلامية وحزب قلب تونس، الذي سبق واتهمه الإسلاميون بالفساد، ثم ائتلاف الكرامة المتهم بالعنف والدعوة للكراهية وبتبييض الإرهاب. في المقابل ما انفكت وتيرة الإضرابات والاحتجاجات تتوسع لتشمل أغلب القطاعات وأغلب الجهات. وقد وصلت الأزمة اليوم حد مطالبة البعض علانية بحل البرلمان أو حتى بتدخل الجيش بسبب الأخطار التي أصبحت محدقة بالدولة.

ويلاحظ التعثر أيضا على مستوى استكمال البناء المؤسساتي للانتقال الديمقراطي، فعلى حيويتها في تنظيم الحكم ومراقبة التشريع، ما زال البرلمان التونسي عاجزا منذ خمس سنوات على استكمال اختيار أعضاء المحكمة الدستورية بالرغم من تجاوز الآجال الدستورية. نفس التأخير بالنسبة للهيئة المستقلة لمقاومة الفساد وللهيئة المستقلة للاتصال السمعي والبصري اللتين لم تريا النور بعد. قد نستثني من هذا المشهد القاتم فقط توسع مجال الحريات بالإضافة إلى ترسخ تقاليد المجتمع المدني هذا بالإضافة إلى عدم السقوط في العنف الشامل كما حصل في عديد البلدان العربية الأخرى. وهذا يعود بالأساس على عراقة تقليد الدولة الوطنية.

tu123

أما على المستوى الاقتصادي والاجتماعي فالأزمة أعمق. فالاقتصاد التونسي يشهد نموا سلبيا منذ سنة تقريبا ولم يتمكن حتى من العودة إلى مستوى سنة 2010 التي سبقت الثورة. وتونس اليوم يتهددها شبح الإفلاس إذا ما تشدد المانحون في توفير جزء مهم من الميزانية العمومية لهذه السنة. هذا دون الحديث عن تفاقم مستوى البطالة وتراجع الخدمات ومختلف مؤشرات التنمية.

وضاعفت الأزمة الصحية المرتبطة بوباء كورونا من محن الاقتصاد التونسي حيث يتوقع أن يهوي إلى نسبة انكماش في حدود 7 % في 2020 ، وفق توقعات الحكومة، ولكن الأزمة عرت أيضا حجم الفقر وتداعي البنية التحتية وتدني الخدمات في قطاع الصحة العمومية بالأساس.

وشكلت مثل تلك المآسي المتكررة صدمات متتالية للتونسيين وموجات غضب متفاقمة بسبب تعطل الإدارة والمؤسسات وتفشي الإهمال، وفي ظل انتقال اقتصادي واجتماعي متعثر لا يعكس الانتقال الديمقراطي الذي تحقق في تونس.

ربما يعجبك أيضا