2020 سنة الانهيار الكبير للبنان.. كأنها دهر

مي فارس

رؤية – موناليزا فريحة

أصاب وزير الخارجية الفرنسي جان- إيف لودريان عندما وصف لبنان بأنه “تايتانيك بلا موسيقى”..  فحتى الموسيقى هجرت البلد الذي بات سفينة تغرق فيما اللصوص يتناتشون ما بقي من هيكلها، قبل أن ترتطم بالقاع.

 أياً تكن المآسي التي ضربت العالم من أقصاه إلى أقصاه عام 2020، لن تكون بحجم الويلات التي نزلت على هذا البلد الصغير في أسوأ عام يتذكره اللبنانيون على الإطلاق، فالشعب الذي عانى الحرب الأهلية والحروب الإسرائيلية والخطف والتهجير يجمع على أن 2020 كانت الأسوأ على الإطلاق، وأن المآسي التي تتوالى عليه منذ أواخر العام الماضي عندما اجتاحت نيران الحرائق مناطق شاسعة ووصلت المنازل، استوطنته هذه السنة، ولم توفر منزلاً أو مؤسسة أو عائلة إلا وضربتها.

ولكن مأساة المآسي كانت وستبقى ذلك اليوم الأسود في الرابع من أغسطس عندما دمر الانفجار “النووي”  كل الآمال بمشروع وطن لا يزال منذ استقلاله يبحث عن استقرار وسط تركيبة داخلية معقدة وموقع جغرافي مضطرب.

في 20 ثانية دمر الانفجار ما استغرق إعماره عشرين سنة، وأنسى اللبنانيين جائحة كورونا وأزمة مالية أوصلت بلادهم إلى حافة الإفلاس ودفعت مئات الآف من العائلات إلى حافة الجوع.

حتى اليوم، لم يستفق اللبنانيون من الصدمة بعد، ولا استطاعوا استيعاب الاهمال والاستهتار والفساد الذي يسمح بتخزين مواد بهذه الخطورة سبع سنوات في مرفأ يقع في قلب العاصمة، ولا يبعد إلا أمتارا عن الأحياء السكنية والشوارع التجارية.

في دولة عادية، كان مفترضاً بنكبة كهذه أن تطيح بأكبر الرؤوس، وأن يزج كل من تورط بهذه المأساة من قريب أو بعيد في السجون، ولكن بدل ذلك، ازداد أركان السلطة صلفاً وغطرسة، وتمسكوا بمناصبهم، واكتفوا بالتضحية بحكومة لا تزال حتى الآن تسير الأعمال لعجز الأحزاب السياسية على الاتفاق على بديل لها.

رغم مرور أكثر من أربعة أشهر على استقالة حكومة حسان دياب، لم لا يزال لبنان  بعاصمته المنكوبة وشعبه اليائس بلا حكومة جديدة يمكن أن تبدأ بورشة إعمار الحجر والبشر التي يتوقع أن تستمر سنوات.

في الأشهر الأربعة الأخيرة، أذهل حكام لبنان العالم بصلفهم وغطرستهم ومقاومتهم للإصلاح.

ووجه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون توبيخاً لا سابق له يوجه إلى السلطة حاكمة بكل أركانها، وامتنعت دول العالم علناً عن تقديم المساعدات للمتضررين من طريق الدولة، مفضلة التعامل مع منظمات من المجتمع المدني.

ودعت باريس إلى مؤتمرين دوليين للبنان ربطا أية مساعدات بتنفيذ اصلاحات، ولكن حتى الآن لم تطبق أي إصلاحات ولا شهدنا من يصلحون.

قيمة الخسائر

  أوقع انفجار كميات ضخمة من نترات الأمونيوم خزنت سبع سنوات في مرفأ بيروت أكثر من 200  قتيل وأدى إلى إصابة خمسة آلاف آخرين، وتشريد آلاف العائلات التي باتت بلا مأوى بعدما زعزعت قوة الانفجار مباني قديمة وحديثة وحولت أحياء كبيرة هياكل اسمنتية بلا روح.

قدرت قيمة الخسائر الناجمة عن انفجار مرفأ بيروت بما بين 6.6 مليارات دولار و8.1 مليارات دولار، و الأضرار المباشرة للانفجار بما بين 3.8 مليارات و4.6 مليارات دولار، علما أن أكبر الأضرار وقعت في قطاعي الإسكان والإرث الثقافي.

كما قدّرت خسائر القطاعات الاقتصادية بما بين 2.9 ملياري و3.5 مليارات دولار.

 ونتيجة الانفجار، فقد أكثر من سبعين ألف شخص وظائفهم الأمر الذي رتب تبعات على حياة 12 ألف أسرة، بحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة.

حجز المدخرات

وقبل الانفجار، كان لبنان يعاني جائحتين معاً، كورونا والأزمة المالية الخانقة، فمع أولى مؤشرات شح الدولارات في المصارف، سارع عدد كبير من المودعين إلى سحب رساميلهم.

وبدأت تظهر سوق موازية أو السوق السوداء، لتأمين الدولار لشراء السلع غير المدعومة من المركزي، وبدأ بذلك يرتفع سعر الدولار تدريجياً، من 1507 مطلع 2019 إلى 1570 ليرة في سبتمبر 2019، إلى 1690 ليرة في 18 تشرين الأول 2019.

وسرعت التحرّكات الشعبية في 17 أكتوبر، الانهيار مع اتخاذ المصرف إجراءات مشدّدة على العمليات النقدية، ولا سيّما السحوبات بالدولار، وصولاً إلى توقيفه، ووضعت مؤخراً سقفاً للسحب بالليرة. وهذه الإجراءات رفعت الطلب على الدولار، وارتفع سعره في السوق السوداء بشكلٍ جنوني، حتى لامس الـ 10 آلاف ليرة، لكنّه بقي يتأرجح ما بين نحو 7 و8 آلاف ليرة. مع المباني والشركات والاقتصاد، انهارت أحلام كثيرة سنة 2020 في لبنان. فمع حجز مدخرات اللبنانيين في المصارف، اضطرت عائلات كثيرة عن التخلي عن مشاريعها، وبدلت أساليب عيشها. وعجزت عائلات عن دفع أقساط أولادها في المدارس، واضطر آلاف الطلاب اللبنانيين الذين كانوا يدرسون في الخارج إلى العودة بعدما امتنعت المصارف عن تحويل الأقساط أو قيدتها إلى مبالغ صغيرة جداً، الامر الذي ينذر بضياع سنوات من عمر جيل بكامله.

سيسيل حبر كثير عما حصل عام 2020، هذا العام الذي لا يشبه الا نفسه والذي يعد الملايين حول العالم الدقائق لينتهي ولا يتكرر، ولكن، بمعايير كثيرة سيكون لبنان من أكبر ضحايا هذه السنة، إن بكن ضحيتها الكبرى على الإطلاق.

وحتى وباء كورونا الذي مرت موجته الأولى بأقل خسائر ممكنة، عاد بموجته الثانية ليفتك باللبنانيين بقوة، مسجلاً يوماً بعد يوم أرقاماً قياسية يخشى معها انهيار نظامه الاستشفائي الذي يعاني كغيره من مؤسسات الدولة اهتراء كبيراً فاقمه تدهور سعر العملة الوطنية.

وفي أيامه الأخيرة، يعيش اللبنانيين هاجساً آخر يتمثل باحتمال برفع الدعم عن بعض المواد الغذائية الأساسية والأدوية والمحروقات، الأمر الذي يؤذن بسنة قاسية أخرى للبنانيين لا شيء يوحي حتى الآن بأنه سيكون ممكناً تجنيها، وخصوصاً في ظل تخبط سياسي مريع أفقد اللبنانيين أي أمل بنهاية قريبة لهذا الكابوس.

ربما يعجبك أيضا