حصاد عام كورونا 2020 بهولندا.. أزمات متنوعة وإفلاس

سحر رمزي

رؤية – سحر رمزي

أمستردام – قبل بداية عام 2020 كانت هولندا توعد شعبها برخاء اقتصادي كبير في المستقبل القريب، وذلك عن طريق التخطيط طويل المدى في كافة المجالات وأهمها مجال السياحة، ولكن ما حدث العكس تمامًا؛ حيث شهدت البلاد في أول شهور من السنة عاصفة هبوط حاد في كافة الاتجاهات السياسية والاقتصادية والإنسانية والصحية، وكما يقال فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) أظهر أسوأ ما يكون في المجتمعات الغربية وليس هولندا فقط.

باعتراف رئيس الوزراء مارك روتا “هولندا مرت وسوف تمر” بأزمة طاحنة على مدار 9 أشهر من مارس 2020 وحتى  نهاية العام وسوف تستمر للعام القادم، وفي رسالته المتلفزة مساء أمس الإثنين 14 ديسمبر وعندما جاء بحزمة من القرارات تهدف منع احتفالات أعياد الكريسماس والإغلاق التام في البلاد حتى 19 يناير، أكد للشعب الهولندي  أنه يعلم عام حزين على البلاد حيث المرض والموت والإفلاس والاكتئاب وانعدام الحياة، وأيضا يتفهم الاحتجاجات بسبب الخسائر المالية والبشرية، ولكنه حصاد كورونا ” الفيروس الذي دمر العالم كله.

سيناريو أحلام لم تتحقق في هولندا

قبل بداية العام الحالي وأواخر نهاية عام 2019 هولندا قررت أن يناير 2020 سوف يشهد تغيير اسم هولندا إلى نيدرلاند، باعتبار أن لفظ “هولندا” يطلق في الواقع على اثنين فقط من 12 مقاطعة في البلاد، هما شمال البلاد حيث تقع أمستردام، وجنوبها الذي يضم مدن روتردام ولاهاي، حيث مركز الاقتصاد والثروة في البلاد منذ القرن 19، حين برزت المنطقة وصار اسمها يطلق اختصارا على البلاد بأكملها.

ورصدت مبالغ طائلة لتحقيق التغيير دوليا، من أهداف هذه الحملة الرئيسية، أملت الحكومة تطوير السياحة وجذب السياح إلى مقاطعات غير تلك الأكثر شعبية، والحد منها في مناطق معينة تواجه الاكتظاظ. وحسب تقرير نشره الإعلام الهولندي استقبلت البلاد عام 2018 حوالي 18 مليون سائح، رغم أن عدد سكانها لا يكاد يتجاوز 17 مليونا. ومن المتوقع بحلول العام 2030 أن يصل تدفق الزوار إليها إلى 42 مليونا، عن طريق السياحة،  ولكن ما حدث خالف كل التوقعات حيث ضربت السياحة الداخلية والخارجية في مقتل في العام الحالي، حيث إفلاس محلات و”غلق المتاحف والأماكن الترفيهية و الفنادق  والمطاعم” وأصبح حصاد 2020 ملف أزمات متتالية:

خيبة الأمل

مع بداية شهر مارس من عام 2020 بلد الجمال أصبحت بلد الأزمات والغضب والاحتجاجات المتنوعة، وآخرها احتجاجات أمس الإثنين التي  تزامنت مع  حديث رئيس الوزراء لإعلانه الإغلاق التام سبب انتشار فيروس  كورونا المستجد (كوفيد -19)بشكل كبير وذلك بدأ من اليوم الثلاثاء  ويستمر حتى 19 يناير من العام القادم 2021  وقال روتا من أجل الحفاظ على صحة وحياة سكان هولندا ، وجاء القرار بعد ارتفاع كبير في عدد الإصابات اليومية التي وصلت إلى عشر آلاف إصابة يوميا، وعدد الإصابات الإجمالية تخطى 600 ألف شخص، وهناك أكثر من عشر آلاف حالة وفاة، بخلاف  أعداد كبيرة بالمستشفيات، بخلاف الحالات الحرجة في العناية المركزة، وهناك ضغوط كبيرة على القطاع الطبي، وكان الحل الوحيد الإغلاق التام لمحاولة السيطرة  على انتشار الفيروس، ومن المؤكد أنه قرار مخيب للآمال مثل جميع قرارات الغلق السابقة. 

النتيجة

ردود أفعال غاضبة لأن الإغلاق استمر تسعة أشهر بين إغلاق ذكي وإغلاق تام ، أفشل الحياة بهولندا،  حيث تراجع السياحة بشكل غير مسبوق،  زيادة نسب البطالة وهبوط الاقتصاد إلى حد كبير، إفلاس محلات طعام  هولندية وعربية ومصرية ومطاعم وفنادق وشركات،  الحكومة حاولت التعويض المادي، ولكن محاولات لم توقف نزيف البطالة والإفلاس.

من جانبها الحكومة أكدت أنها حوالي 123000 شركة تلقوا  دعماً حكومياً بهدف الاستمرار في دفع رواتب الموظفين منذ أن قررت الحكومة تقديم الدعم في أبريل/نيسان من هذا العام.

تعامل الحكومة مع الأزمة غير مرضي  لبعض الأحزاب السياسية وللشارع

حدث انشقاق وخلاف كبير بين أعضاء البرلمان بعضهم البعض، وبينهم وبين الحكومة، وبين الحكومة والشارع الهولندي، مما جعل الشارع الهولندي في حالة من الغضب والبعض تصرف بشكل خارج عن السلوك الهولندي المهذب،  حيث الاحتجاجات كانت إلى حد كبير عنيفة وصلت إلى حد الاعتداء على رجال الشرطة، وفي بعض الأحيان  كانت هناك محاولات للاعتداء على برلمانيين ورجال الحكومة وأعضاء البرلمان مما اضطرهم للتحرك بحراسة أمنية، وكل هذا تعبير عن عدم الرضا على طريقة تعامل الحكومة مع أزمة كورونا من البداية وحتى الآن.

على مستوى دول الأوروبي: رفضها دعم دول متضررة وصف “بالتفاهة المتكررة”

 تأثرت دول أوروبية كبرى  بشكل كبير بأزمة كورونا المستجد مثل إيطاليا وإسبانيا. فقد راح آلاف الأوروبيين ضحايا لتفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد 19). لكن الأمر لم يقف عند حد الخسائر البشرية أو الاقتصادية، إذ إنه هدد أيضاً استمرارية كيان بحجم الاتحاد الأوروبي، ذلك أن عدداً من الممارسات والقرارات التي اتخذتها عدة دول منها هولندا، ألقت بظلالٍ من الشك على مدى جدوى استمرار هذا التكتل.

وقد شنت وقتها الصحف الإيطالية هجوماً عنيفاً على الاتحاد الأوروبي غداة قرار إرجاء اعتماد تدابير قوية في مواجهة التداعيات الاقتصادية لتفشي وباء كورونا المستجد. وعلى آثر ذلك انتقد رئيس الوزراء البرتغالي أنطونيو كوستا ما أسماه “التفاهة المتكررة” للحكومة الهولندية، التي تعد عادة واحدة من أقوى المدافعين عن الانضباط في ميزانية الاتحاد الأوروبي. وقال: “هذا الحديث بغيض في إطار الاتحاد الأوروبي. هذه هي الكلمة بالتحديد: بغيض”.

الاقتصاد الهولندي  في أسوأ حالاته

تحدث  مؤخرا مكتب التخطيط المركزي عن انكماش غير مسبوق في الاقتصاد  ويحذر من شكوك كبيرة حول المسار الحالي أثناء أزمة كورونا. والإجراءات الصارمة تسببت في تدهور الاقتصاد الهولندي أكثر. وسيتقلص الاقتصاد أيضًا في عام 2021، كما سترتفع البطالة إلى 10 بالمائة وسترتفع الديون الحكومية إلى أكثر من 75 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي 62 بالمائة هذا العام، وإذا لم يبدأ الانتعاش في بلدان أخرى تتعامل معها هولندا، فسيكون لذلك أيضًا تأثيره السلبي. كما أن التعافي قد يتسارع أيضًا إذا أدى تخفيف إجراءات مكافحة الفيروس إلى تفاؤل المستهلك.

تراجعت ثقة المستهلك في الاقتصاد وقدرة الفرد الشرائية

بحسب مركز الإحصاءات العامة فقد تراجعت ثقة المستهلك في الاقتصاد وقدرة الفرد الشرائية بداية  من شهر إبريل الماضي بشكل غير مسبوق إلى سالب 22. وهو أكبر انخفاض خلال شهر على الإطلاق. وفي شهر مارس كانت قد وصلت ثقة المستهلك إلى سالب 2، وجاء ذلك في تقييم لمكتب الإحصاءات العامة في هولندا حول ثقة المستهلكين في الاقتصاد الهولندي وقدراتهم الشرائية، وما إذا كانت لديهم القدرة على القيام بعمليات شرائية كبيرة. ويعزو مكتب الإحصاءات هذا التراجع إلى تفشي فيروس كورونا وإصابة الآلاف وإغلاق المتاجر والشركات والمدارس والانهيار الحاد في سوق الأسهم، بالإضافة إلى الركود الكبير الذي تشهده البلاد، وذلك حسب مانشرته نيدرلاند نو، نقلا عن مكتب الإحصاءات العامة في هولندا، أنه كلما انخفضت ثقة المستهلكين كانت نظرتهم سلبية الى الاقتصاد ويظهر ذلك واضحا في إنفاقهم. فتتأثر عمليات الإنفاق فبدلاُ من شراء المنازل وشراء الأثاث، يكتفي المستهلكون بالترميم وإجراء الإصلاحات، وفي حال تراجع الثقة، وتوقعات اقتصادية سلبية يضغط المستهلكون على مكابح الأنفاق. مما يبطئ دوران عجلة الاقتصاد، الجدير بالذكر أن استهلاك الأسر الهولندية جيد ويمثل ثلث الاقتصاد الهولندي تقريبا. وصلت ثقة المستهلك إلى أدنى مستوى لها في مارس 2013 إلى سالب 41، وأعلى مستوى لها كان في يناير 2000 إلى موجب 36. في المتوسط، كانت ثقة المستهلك على مدى العشرين عامًا الماضية سالب 5.

تعليم أبناء الأسر الفقيرة ضحايا كورونا

باعتراف وزير التعليم الهولندي مستوى الدراسة تأخر كثيرا لعدة أسباب منها التعليم عن بعد  غير كاف لتقييم مستوى الطلاب، وأيضا تلقى تلاميذ نهائي المرحلة الإبتدائية في المتوسط توصية من المدرسة لتحديد المستوى والاعتماد على ذلك فقط للانتقال للمرحلة الإعدادية في العام الدراسي الماضي أيضا فاشل ، وذلك بعد أن تم إلغاء الاختبار النهائي بسبب كورونا. وقد كتب الوزير سلوب في مجلس النواب أن أطفال الأسر الفقيرة على وجه الخصوص أصبحوا الضحايا. غالبًا ما يتم وضعهم دون مستواهم في التعليم الإعدادي والثانوي.

بالنسبة لوزير التعليم  الانتقال من المراحل الابتدائي إلى الثانوي، التجربة أثبتت أن المشورة المدرسية من المعلم وحده لا تكفي. يجب أن يُمنح التلاميذ الفرصة ليثبتوا عن طريق الاختبار النهائي أنهم لا يقدرون حقهم  بشكل سليم وربما يمكنهم التعامل مع المزيد.

“حقيقة موضوعية ثانية”

كتب سلوب في رسالة: “هذا يدل على أن الاختبار النهائي مهم كعنصر موضوعي ثانٍ”. “يقلقني أن الطلاب تلقوا نصائح أقل. ويؤثر هذا بشكل أساسي على الطلاب الذين لديهم بالفعل فرص أقل في الحياة”.

وفقًا للوزير، تم وضع عدد أكبر من التلاميذ أكثر من المعتاد في نهاية المطاف في مستوى أعلى مما تشير إليه نصائح المدرسة، مما جعله أقل أهمية بالنسبة لهم. لكن هذا لا ينطبق على أطفال الأسر الفقيرة. وقد اتفق مع المدارس الثانوية على مراقبة طلاب الصف السابع عن كثب هذا العام.

وفي السياق نفسه وحسب تقرير للقناة الإخبارية الهولندية أن أو اس يبلغ عدد الطلاب في هولندا 54000 طالب، ويعاني العديد منهم هذا العام من تأخر في الدراسة بسبب أزمة كورونا مقارنة بالأعوام السابقة. السبب الرئيسي هو إغلاق المدارس والجامعات بسبب انتشار فيروس كورونا، وقال رئيس اتحاد الطلاب كيس جيليس في مقابلة مع راديو أن أو أس، “يختلف الأمر من طالب إلى آخر، ولكن التأخر الدراسي يكون غالباً بين 11 و14 نقطة دراسية. ومع ذلك تبذل المؤسسات التعليمية قصارى جهدها لتنظيم الدروس عبر الإنترنت، ويحظى ذلك بتقدير الطلاب، لكن ثلاثة أرباع الطلاب لم يكونوا راضين عن جودة التعليم عبر الإنترنت.

مشاكل أسرية

حسب الإحصائيات زادت نسب المشاكل الأسرية  بسبب البطالة والضغوط النفسية على اثر ذلك وأيضا ازدياد نسب الطلاق، والعنف ضد المرأة والطفل، كما زادت نسب الاكتئاب والاحتياج للأطباء النفسيين بشكل غير معتاد.

ربما يعجبك أيضا