نفايات تونس تطيح بمسؤولين وتكشف لوبيات الفساد

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

عاد ملف توريد شحنات نفايات سامة من إيطاليا لدفنها في الأراضي التونسية للواجهة، بعدما بدأ القضاء تحقيقاته في القضية التي أطاحت بوزير البيئة والشؤون المحليّة في تونس مصطفى العروي، لتثار التساؤلات حول كيفية دخول نفايات من جنوب إيطاليا إلى تونس التي تواجه مشاكل في التخلص من نفاياتها، وسط شبهات بوجود ملف فساد كبير خلف مئات الحاويات التي تم ضبطها وتهدد حياة التونسيين.

بداية الواقعة.. صفقات مشبوهة

تسبب اكتشاف حاويات محملة بفضلات منزلية، في ميناء سوسة، قادمة من إيطاليا، في جدل كبير بالشارع التونسي، وتبادل للاتهامات بين الجمارك التونسية والوكالة الوطنية للتصرف في النفايات.

ووصف وزير الشؤون المحلية والبيئة مصطفى العلوي، الصفقة التي تقدر قيمتها بـ18 مليار دينار (نحو 6 ملايين يورو) بأنها كارثة بيئية، في الوقت الذي طالب فيه حزب العمال بمحاكمة كل من يثبت ضلوعه فيها، بينما اعتبر الاتحاد العام التونسي للشغل، الصفقة بأنها من أكبر ملفات الفساد في تونس.

يشار إلى أنه ومنذ شهر نوفمبر الماضي، فتحت الحكومة التونسية تحقيقا في صفقة مشبوهة، تمّت عبر عقد بين شركة تونسية وأخرى إيطالية، تم بموجبها توريد أطنان من النفايات والقمامة الإيطالية تحت غطاء نفايات بلاستيكية صناعية قابلة لإعادة التدوير والتصدير، في قضية تورطت فيها أطراف نافذة ومتداخلة في أجهزة الدولة.

وتفجرّت هذه القضيّة في شهر يونيو الماضي، عندما تنبه مواطنون إلى انبعاث روائح كريهة من داخل عدد من الحاويات أثناء نقلها على الشاحنات من ميناء سوسة التجاري إلى مخازن إحدى الشركات الخاصة، لتتحرك منظمات المجتمع المدني وتقوم بالضغط على السلطات، مطالبة بالكشف عن طبيعة الشحنة الموردة.

إلى أن تبيّن أنها قمامة وفضلات منزلية تريد السلطات الإيطالية التخلص منها ودفنها في تونس، دون الآخذ بالاعتبار خطورتها على البيئة وصحة المواطن.

تجارة غير مشروعة

بحسب المعطيات فقد تم توقيع العقد مع شركة ايطالية في مدينة نابولي هي “سفيليبو ريسورسي امبينتالي”، المتخصصة في جمع النفايات في مدينة كامبانيا (جنوب).

 وتتضمن نسخة من الوثيقة اتفاقا على اتلاف 120 الف طنا في تونس كحد اقصى مقابل 48 يورو للطن الواحد وبمجموع يتجاوز خمسة ملايين يورو.

وتبين من التحقيقات أن شركة خاصة مختصة في تدوير النفايات وإعادة تصديرها وقعت عقدًا مع إيطاليا يقضي بتوريد 120 ألف طن من النفايات خلال عام، وقامت بتوريد حوالي 282 حاوية من تلك النفايات، تسلمت منها مخازنها 70 حاوية في حين لا تزال 212 حاوية داخل الميناء.

ويبدو أن هذا الملف يكشف تفرّعات لتجارة النفايات غير المشروعة التي تتزايد في مواجهة تشديد المعايير الأوروبية، حيث حذر الانتربول في تقرير صدر في أغسطس من الارتفاع الكبير لشحنات نفايات البلاستيك غير القانونية منذ العام 2018.

ويمثل ملف التصرف في النفايات أحد المشاكل التي تواجه السلطات في تونس. وحسب تقرير للبنك الدولي فان 61 %من نفايات العاصمة يتم جمعها اما الكمية الباقية فترمى.

تحقيقات تطيح بالمسؤولين

أثار الملف الكثير من التساؤلات واهتمت به وسائل الإعلام المحلية، وبسببه تقرر فتح تحقيقًا في الواقعة التي أطاحت ببعض المسؤولين من كبار الدولة، بشبهة التورط في هذه الصفقة المشبوهة، حيث أوقفت السلطات التونسية، 12 مسؤولاً من بينهم وزير البيئة والشؤون المحلية مصطفى العروي مباشرة بعد إعفائه من منصبه من قبل رئيس الحكومة هشام المشيشي، ومدير ديوانه و6 من كبار مسؤولي وزارة البيئة وجهاز الجمارك ووسيط جمركي وموظف في مؤسسة البريد الحكومية ومعهم صاحب مخبر خاص.

وقررت أيضاً الاحتفاظ بهم على ذمّة التحقيق في فضيحة استيراد 282 حاوية نفايات إيطالية إلى تونس بشكل غير قانوني، كانت هزت الرأي العام التونسي الذي ضغط بقوّة من أجل عدم طمس هذا الملف ومحاسبة كل المتورطين.

كما من المقرر أن تستمع المحكمة الابتدائية بمدينة سوسة، اليوم الإثنين في القضيّة ذاتها، لأقوال 10 آخرين غير موقوفين، بينهم وزير البيئة السابق شكري بن حسن، وقنصل تونس بنابولي ومسؤولون بوزارة البيئة وآخرون بجهاز الجمارك.

لوبيات الفساد

بحسب الخبير في تقدير النفايات وعضو ائتلاف منظمات “تونس الخضراء” حمدي شعبان، فإن “هذه القضية تكشف أن هناك لوبيات كبيرة للفساد”.

وفي تقديره أن وزارة الصحة تعرضت لضغوط كبيرة من رجال أعمال في تونس خلال السنوات الفائتة لتمكينهم من توريد النفايات. ولكن “هذه المرة الاولى” التي يتم الكشف خلالها عن مثل هذا الملف.

ولا تزال 212 حاوية قابعة في ركن من الميناء وفقا لفريق “فرانس برس” الذي زار المكان مطلع ديسمبر الحالي.

ويتساءل حمدي شعبان “أين كانت سترسل هذه الكميات الهائلة من النفايات التي لا تملك تونس وسائل لردمها؟”، في حال لم يتم الكشف عن هذه القضية.

وفي المقابل، نفت وزارة الشؤون المحليّة والبيئة، في بيان، علاقتها بتلك الصفقة، وأشارت إلى أنها لم تقدّم قطعا أي ترخيص لهذه الشركة أو غيرها لتوريد نفايات من الخارج، مضيفة أن الشركة التي ورّدت هذه النفايات تعمّدت القيام بعدد من المغالطات في مختلف إجراءاتها.

من جهته، تساءل مدير الوكالة الوطنية للتصرف في النفايات التابعة لوزارة البيئة بشير يحي “كيف للجمارك أن تسمح بدخول النفايات للأراضي التونسية، بينما ليس لها ترخيص رسمي؟”.

بدوره، كشف الأمين العام المساعد للاتحاد العام التونسي للشغل سامي الطاهري، وقال الطاهري: «إن ما حدث في ميناء سوسة فضيحة لا بد من تتبّع كل من تورط فيها؛ لأنها تستهدف حياة التونسيين وصحتهم، وهي كارثة حقيقية».

إلى ذلك، انتقدت المنظمات الناشطة في المجال البيئي، ما وصفته بـ”الإرهاب البيئي” الذي يهدد حياة وصحة التونسيين، وشدّدت على رفضها “تحويل تونس لمصب لنفايات أوروبية، احتراما لكل المعاهدات الدولية التي وقعتها تونس”.

ربما يعجبك أيضا