«زواج التجربة» بين المشروعية الدينية والمجتمعية.. هل يحل معضلة الطلاق في مصر؟

حسام السبكي

حسام السبكي

لغط كبير، أحدثته تقليعة أخرى، من تقاليع الزواج في مصر، على غرار مصطلحات ومسميات متعددة، تهدف في النهاية لإحداث البلبلة، وإن كانت النية تسعى لغير ذلك، في مسعى لتغيير الواقع، الذي ضرب الكثير من الأسر المصرية في الآونة الحالية، وانعكست آثاره السلبية بشكل مباشر على المجتمع المصري.

قالوا عنه “زواج على ورقة طلاق”، الحديث هنا عن ما يسمى بـ”زواج التجربة”، وهو المقترح الذي قدمه أحد المحامين المصريين مؤخرًا، يقول عنها أنها تهدف لكبح جماح ظاهرة الطلاق المقيتة، والتي تفشت بصورة غير مسبوقة داخل المحروسة خلال السنوات الماضية.

زواج التجربة

باختصار، يُعرف “زواج التجربة”، بأنه: “عقد اتفاق منفصل تماماً، من خلال وثيقة ملحقة بقائمة المنقولات التى تُكتب مع وثيقة الزواج، وتسمى «مشارطة زواج التجربة» يضع فيه الزوجين كل شروطهم، والمشكلات الزوجية المحتملة والمتوقعة، ووضع حلول متفق عليها من الطرفين، ووقت الخلاف يتم العودة إليها، ومن يخل بالعقد يكون هو المسؤول، فهناك بند جزاءات يلزم المخل بكل الحقوق تجاه الطرف الآخر”.

التعريف السابق، أورده صاحب المبادرة، الدكتور أحمد مهران رئيس مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، والذي تحدث عن أسباب إطلاقه لهذه المبادرة، قائلاً: «بحكم عملي كمحام وشغلي في الفترة الأخيرة بقضايا المرأة والأسرة، أصبح لدي حالات كثيرة من السيدات التي لديها قضايا ومشكلات متعلقة بالطلاق»، وفقًا لما أوردته صحيفة «أخبار اليوم» المصرية.

وأضاف مهران:«هذا بالإضافة إلى أن الإحصائيات تقول إنه لدينا مطلقة كل دقيقتين و11 ثانية، ولدينا أكثر من 8 ملايين مطلقة، والدراسات والأبحاث التي نجريها فى المركز أكدت أن أعلى نسبة طلاق تتم بين حديثي الزواج اللذين لا يتجاوز زواجهم ستة أشهر أو عام».

وتابع مهران: «كل هذه الأمور جعلتني أفكر في فكرة تجعلهم لا يتسرعون في تقييم التجربة وإقرارهم بفشل العلاقة، ويستمروا على الأقل ثلاث سنوات قبل اتخاذ قرار الطلاق».

حل مناسب للطلاق المبكر

من بين الأصوات المؤيدة للمبادرة، جاء تعقيب الدكتور رشاد عبداللطيف نقيب الاجتماعيين الأسبق، حيث رأى فيها، «فكرة جيدة، وحل مناسب للحد من ظاهرة الطلاق المبكر في ظل الظروف المتوترة في المجتمع».

واشترط عبداللطيف، أن تكون المبادرة أو الوثيقة المقترحة بعيدة عن وثيقة الزواج، وأن يكون هناك عقد زواج صريح مكتمل الأركان، ويلحق به هذا العقد المدني، بحيث إنه يجعل الشخص قبل الطلاق يفكر جيداً في الطرف الآخر الذي ارتضى أن يرتبط به ويكون شريك حياته.

ترسخ للتربص بين الزوجين

على الجانب المقابل، رأت الدكتورة اعتماد عبد الحميد خبيرة العلاقات الأسرية والزوجية، أن مبادرة زواج التجربة ليست من الحلول العملية والشرعية، متسائلة «ليه نقعد لبعض بالورقة والقلم، وبنحسب كل حاجة؟، ده بيخلى فى تحفز دايماً بين الزوجين، بالإضافة إلى أن الزواج الجديد بين الشباب لا يوجد به قائمة منقولات».

لافتة إلى أنها منذ ثلاث سنوات كانت قد طرحت فكرة أن تكون هناك وثيقة تأمين ضد الطلاق بجانب وثيقة الزواج، بحيث إنه فى حالة الطلاق لا تلجأ الزوجة لأن تأخد حقها من بنك ناصر أو محكمة الأسرة، ولو حصل الطلاق بالتراضي تكون قيمة الوثيقة بين الطرفين، معلقة على أنه كان الهدف منها أن يشعر الطرفين أن بينهم جمعية مشتركة تحثهم على الاستمرار.

مرفوضة شرعيًا.. وخطيرة اجتماعيًا

وعن رأي الدين في المبادرة الجديدة، لـ«زواج التجربة»، قال محمود الهواري عضو اللجنة العليا للدعوة الإسلامية أشار إلى أن هذه المبادرة مرفوضة من الناحية الشرعية وخطيرة من الناحية المجتمعية.

وأوضح الهواري، أنه من ناحية الشرع فإن ما أصله الشَّرع وحدَّد غاياته ومراميه لا يخضع للهوى، ولا لوجهات النَّظر، ولا للتَّجربة ، وأن الله سبحانه وتعالى سمَّى عقد الزَّواج «ميثاقًا غليظًا»، وهذا يعني أنَّه محاط بسور من القداسة الدِّينيَّة ، فهو عقد دينيٌّ أصلًا، فإذا حوَّلناه إلى مجرَّد عقدٍ مدنيٍّ كسائر العقود، وصفقة تخضع لقواعد الرِّبح والخسارة لفقد الزَّواج معناه، وأصبح معاملة تجاريَّة لا روح فيها. 

أما عن الخطورة المجتمعيَّة، فيشير عضو اللجنة العليا للدعوة الإسلامية، أنها تظهر في عدد حالات الطَّلاق الَّذي سيزيد جدًّا بسببه، وذلك أنَّنا حين نضع في نفوس الزَّوجين أنَّهما في فترة للتَّجربة إمَّا أن تنجح وإمَّا أن تفشل فقد لا يتحمَّلان ضغوط الحياة، واختلاف الطَّبائع، خاصَّة في الفترة الأولى للزَّواج فيتَّجهان للطَّلاق مع أدنى مشكلة فتزيد نسب الطَّلاق في المجتمع وليس العكس كما يأمل صاحب المبادرة. مشيراً إلى أنه الأولى من كل هذا أن يخضع الزَّوجان قبل عقد الزَّواج لبرامج تدريبيَّة وتوعويَّة تضمن إلمام الزَّوجين بمفاتيح الحياة، وأصول العشرة، وآداب إدارة البيوت، ومعرفة الواجبات والمسئوليَّات، لتكون إدارة الأسرة إدارة حضاريَّة في اتِّفاقها واختلافها.

أرقام صادمة

وحول نسب الزواج إلى الطلاق في مصر، خلال الأعوام القليلة الماضية، والتي يستند إليها في الحقيقة مقدم المبادرة ومؤيدوها، كشف الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء عن تراجع عدد عقود الزواج في عام 2019 مقارنة بعام 2018 بعدد 8017 عقدا، ليبلغ عدد عقود الزواج 887315 عقدا عام 2018 مقابل 879298 عقدا عام 2019.

أما بالنسبة للطلاق فقد بلغ عدد شهادات الطلاق 211554 شهادة للعام 2018 في مقابل 205387 شهادة للعام الماضي.

أرقام الجهاز نفسها، أزاحت الستار عن وقوع 1.9 مليون حالة طلاق في مصر خلال الـ 10 سنوات الماضية.

ربما يعجبك أيضا