إسرائيل من الداخل 2020.. الكورونا تحكم وبيبي يواجه الرايات السوداء

محمد عبد الدايم

كتب – د. محمد عبدالدايم

الشأن الداخلي الإسرائيلي:

  أمطار ديسمبر 2019 ويناير 2020 تغرق إسرائيل.

موجات الكورونا تحكم المجتمع الإسرائيلي سياسيا واقتصاديا واجتماعيا.

حكومة بيبي- بيني المكتظة الآيلة للسقوط.

أمطار تغرق إسرائيل

في بداية العام، واستمرارا لسقوط الأمطار منذ ديسمبر 2019، سقطت الأمطار بغزارة على إسرائيل، ما أدى إلى ارتفاع منسوب المياه، فغرقت الكثير من المنازل، وظل مواطنون عالقين لفترات طويلة داخل سياراتهم، مع عدم قدرة شبكة الصرف الصحي على استيعاب الكم الكبير من الأمطار التي نزلت بغزارة.

الأمطار الغزيرة، التي تؤشر لحالة من تغير المناخ العالمي، سببت خسائر كبيرة في عدة مدن إسرائيلية، على رأسها نهاريا الواقعة على شاطئ المتوسط، بالإضافة إلى مدينة تل أبيب، كما ارتفع منسوب بحيرة طبريا، وسقطت الثلوج على جبل الشيخ ومرتفعات الجولان المحتلة.

تدخلت قوات متخصصة من الجيش الإسرائيلي لإنقاذ المواطنين، وسحب المياه، في الوقت الذي أشارت فيه تقارير إعلامية إلى تسرب كميات كبيرة من المياه إلى قواعد عسكرية تابعة للجيش، وحظائر طائرات عسكرية، وارتفعت مطالبات كثيرة بضرورة محاسبة المقصرين عن مواجهة الأزمة البيئية التي أسفرت عن مقتل 7 مواطنين إسرائيليين، إضافة إلى خسائر وصلت إلى نحو 300 مليون شيقل.

انتشار فيروس كورونا في إسرائيل

بداية من فبراير 202 شهدت إسرائيل ظهور فيروس كورونا، وتحوله سريعا إلى وباء، حيث تم تسجيل أول حالة إصابة مؤكدة في 21 فبراير 2020، وبدأت معامل الأبحاث البيولوجية قبلها في مساعي إنتاج لقاح مضاد للفيروس.

كانت الحالات الأولى للمصابين بالفيروس ضمن الإسرائيليين العائدين من اليابان بعد نزولهم عن السفينة السياحية “دايموند برنسيس”، وجرى نقلهم مباشرة إلى أماكن العزل الصحي.

وشهدت انتخابات الكنيست الـ 23 في مارس 2020 للمرة الأولى وجود خيام خاصة لعزل المصابين والمرضى، مع ارتفاع الأعداد المسجلة المصابة بالفيروس.

الإغلاق الكلي الأول الذي فرضته الحكومة الإسرائيلية كان في 10 مارس من هذا العام، وهو الإغلاق الذي أدى لخلافات كبيرة داخل المجتمع الإسرائيلي، بسبب الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي أدت لارتفاع نسبة البطالة، مع توقف مؤسسات كثيرة عن العمل، ناهيك عن الرفض الشديد من الإسرائيليين من الحريديم للامتثال لقرارات الإغلاق، خصوصا في حي بني براك ذي الأغلبية الحريدية، وهو الحي الذي أصبح بؤرة لكورونا.

مع قدوم عيد الفصح في 8 إبريل، تقرر فرض حالة من الإغلاق، منعا لتجمعات المواطنين الإسرائيليين في أيام العيد، وفي 12 إبريل تقرر ارتداء الكمامات كأحد الإجراءات الاحترازية، خصوصا مع الارتفاع الكبير في حالات الإصابة، مع التشديد على عدم التجمعات في الأماكن المفتوحة أو المغلقة على السواء.

في مايو من هذا العام – مع ظهور نسبة تسطيح في منحنى الإصابات بالفيروس- قررت الحكومة الإسرائيلية تخفيف إجراءات الإغلاق الكلي، مع الإبقاء على الإجراءات الاحترازية، ولكن مجددا في يونيو ارتفعت نسبة الإصابات بالفيروس، مما دفع حكومة نتنياهو- جانتس لإعادة جزء من قرارات الإغلاق.

في سبتمبر الماضي أوصى روني جامزو منسق لجنة مكافحة الكورونا- الذي استقال من منصبه بعد ذلك-  بفرض خطوات إغلاق جديدة، مع الارتفاع المطرد في منحنى الإصابات بالفيروس، فقررت الحكومة فرض حالة جديدة من الإغلاق لمدة 3 أسابيع، وبدأ الإغلاق يدخل حيز التنفيذ عشية رأس السنة العبرية الجديدة في 18 سبتمبر، مما رفع نسبة السخط الجماهيري، خصوصا من الحريديم، لأن الحكومة أوقفت أنشطة الاحتفال بالسنة الجديدة، واستمرت المعاناة الاقتصادية الحادة، خصوصا لدى العاملين في القطاعات السياحية والفنادق والمطاعم، والعاملين غير الدائمين.

إلى الآن وصل عدد المصابين بالكورونا في إسرائيل إلى نحو 5 ملايين، مع ارتفاع الوفيات إلى ما يقرب 4 آلاف، وبدأت الموجتان الثالثة والثالثة للوباء في إسرائيل، والجدل الكبير الآن في قبول المواطنين للقاح أو رفضه، بعد إعلان الحكومة استيراد كميات كبيرة من اللقاح الذي تطوره شركة فايزر الأمريكية.

انتخابات الكنيست وتشكيل حكومة بيبي- بيني

في مارس 2020 جرت انتخابات الكنيست الـ23، وهي الانتخابات الثالثة خلال أقل من عام، بسبب حالة الجمود السياسي التي شهدتها إسرائيل، والتي بدأت منذ 2019، مع استقالة أفيجادور ليبرمان من وزارة الدفاع والحكومة الإسرائيلية.

انتخابات مارس أسفرت عن فوز حزب هاليكود برئاسة نتنياهو بأكبر عدد من المقاعد بالكنيست، لكن بيني جانتس رئيس حزب كاحول لافان استطاع أن ينال تكليف الرئيس رؤوفين ريفلين بتشكيل الحكومة، بعد توصية 61 عضو كنيست (كاحول لافان + يسرائيل بيتينو+ القائمة العربية المشتركة+ تحالف هاعفودا جيشر ميرتس)، في مقابل 58 عضوًا قد منحوا توصية بتكليف نتنياهو.

استمرت مفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة إلى إبريل، حيث أعلن بيني جانتس عن بلورة اتفاق لتشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، بمشاركة بنيامين نتنياهو، تكون حكومة بمثابة حكومة “طوارئ وطنية”، لمدة ثلاث سنوات.

جاء إعلان جانتس مساء يوم 20 إبريل، الذي وافق إقامة مراسم “ذكرى المحرقة والبطولة” التي تحيي فيها إسرائيل ذكرى ضحايا اليهود على يد النظام النازي إبان الحرب العالمية الثانية، وجاء اتفاق جانتس مع نتنياهو على خلاف اتفاقه مع رفاقه في تكتل كاحول لافان، وهو ما أدى لحل التكتل، وشروع جانتس في مفاوضات تشكيل الحكومة بصفته رئيس حزب حوسن ليسرائيل (مناعة لإسرائيل) وليس بصفته رئيس تكتل كاحول لافان، وبعد انتهاء تشكيل الحكومة أصبح جانتس رئيسا لحزب كاحول لافان.

حكومة الوحدة، حكومة التناوب، حكومة التبذير، هذه بعض من المسميات التي أًطلقت على حكومة بنيامين – بنيامين، بيبي نتنياهو وبيني جانتس، وهي الحكومة الخامسة والثلاثين في تاريخ إسرائيل، والأكبر عددًا بـ 34 وزيرًا إضافة إلى 16 نائب وزير.

وفقًا للاتفاق بين الطرفين؛ يتولى بنيامين نتنياهو، رئاسة الحكومة لمدة عام ونصف، ثم يترك منصبه لبيني جانتس الذي يتولى – تحت قيادة نتنياهو – حقيبة الدفاع، لكن المشكلات سرعان ما تفاقمت بين الثنائي، بعد رفض هاليكود ونتنياهو بندًا رئيسا في اتفاق الائتلاف يقضي بالموافقة على تمرير مشروع قانون الميزانية للعامين 20- 2021 معا، بينما يتذرع هاليكود إلى الآن بعدم إمكانية تمرير الميزانية سوى لعام 2020.

إلى الآن لم يُمرر مشروع الميزانية، مما جعل حزب كاحول لافان يقرر عرض مشروع لحل الكنيست، سوف يتم التصويت عليه بالقراءة النهائية خلال أيام، وهو ما يعني – في حالة الموافقة عليه- الدخول إلى معركة انتخابات رابعة في إسرائيل.

تداعيات كورونا على الاقتصاد الإسرائيلي

هددت أن الأزمة الاقتصادية التي سببها الوباء في 2020 قطاعات عديدة في بنية المجتمع الإسرائيلي، وذلك بسبب التراجع الكبير على الطلب، وعزوف المستهلكين عن الشراء، مما أجبر بعض الشركات لفصل عاملين.

شهد قطاع الهايتك الذي أصبحت إسرائيل من الدول البارزة فيه تراجعا كبيرا، وكذلك قطاع السياحة تلقى ضربة قوية، مع توقف حركة الطيران التي سببت أزمة مالية كبيرة لشركة إلـ عال، كما تضررت الشركات العاملة في مجال السياحة، بعد توقف زيارات السياحة لإسرائيل أو السفر للخارج، وأصبحت الفنادق خاوية، وتضررت جميع شركات النقل، وتنظيم الرحلات، وشركات الطيران، والمواقع السياحية.

ارتفاع أعداد المصابين بالكورونا؛ وضع ملْحًا على جروح الاقتصاد الإسرائيلي المنهك، وألقى خوفًا لدى الجمهور، خصوصًا وأن قطاعات عديدة أصابها شلل تام، كالمطاعم وشركات الطيران، وجاءت الموجة الثانية للكورونا لتقتل الأمل في الإنعاش بالنسبة لأصحاب المصالح الخاصة كالمطاعم وقاعات المناسبات والاستديوهات والمعارض والمسارح والملاهي والسيرك والشركات الصغيرة، وما يرتبط بها من عاملين مستقلين.

جاءت الإجراءات الاحترازية المتدرجة بهدف تسطيح منحنى الإصابات بفيروس الكورونا، في الوقت الذي اشتعلت جلسات لجنة مكافحة الكورونا بالكنيست بخلافات حادة بين أعضائها وبين أعضاء من حكومة نتنياهو، مع رفض رئيسة اللجنة يفعات شاشا بيطون تمرير إجراءات الحكومة، مطالبة بإجراء تعديلات عليها أولًا.

خالفت لجنة الكورونا الحكومة في آليات تنفيذ الإجراءات الاحترازية، حيث طالبت بأن تغلق الشواطئ وحمامات السباحة في نهايات الأسبوع فقط، ويُسمح للمطاعم بالعمل في الأماكن المفتوحة، وبطاقة استيعابية لا تزيد عن 35% مثل الفنادق، كما أوصت بعدم إغلاق صالات الرياضة والمتنزهات السياحية، مع الأخذ بالاحتياطات الصحية المشددة.

رئيسة اللجنة يفعات بيطون رأت- حينذاك-  في قرارات الحكومة تحزمًا مبالغًا فيه يصيب الإسرائيليين والاقتصاد بشكل حاد، في وقت يحاول الجميع فيه التعافي من الإغلاق السابق، فطالبت بيطون بإيجاد “توازن” بين متطلبات المجتمع وبين الإجراءات الاحترازية، وذلك عبر فهم أبعاد الوباء، اقتصاديا وصحيًا واجتماعيا، ونتيجة رفضها قرارات الحكومة، تقرر تهميش دور يفعات بيطون، رغم أنها تنتمي لحزب هاليكود، وتنتشر الأقاويل أنها بصدد الانشقاق من الحزب، لتلحق بجدعون ساعر الذي أعلن انشقاقه هو الآخر وتكوين حزب سياسي جديد ينافس نتنياهو.

تحركت الحكومة الإسرائيلية في محاولات لامتصاص غضب الجمهور الناقم على الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي سببتها الكورونا وإجراءات مواجهتها، فصادقت على الإطار المالي لخطة “الهِبات”، وتبلغ كلفتها نحو 6 مليارات شيقل من ميزانية الدولة، وتنص على منح إعانات للمواطنين من المستقلين وأصحاب المصالح التجارية والعاطلين، بداية من شهر يوليو، وحتى بداية عام 2021، على أن يتلقى المواطن الإسرائيلي الأعزب من سن 18 عامًا والمتزوجين بدون أطفال على 750 شيقل، فيما تحصل الأسرة التي لديها ولد واحد على 2000 شيقل، وترتفع إلى 2500 شيقل للأسر التي لديها ولدان، و3000 شيقل للأسر التي لديها ثلاثة أولاد أو أكثر، كما أشار نتنياهو إلى تخفيض الفائدة على الاقتراض، لمواجهة هذا الوضع.

رغم هذه الإجراءات التي قررتها حكومة نتنياهو؛ فإن السخط الجماهيري كان في أوجه عام 2020، حيث فشل نتنياهو بشكل مروع، وعلى عكس الصورة التي رسمها لنفسه كخبير في الاقتصاد، فإنه لم يقدم شيئا لإصلاح النظام الاقتصادي الإسرائيلي منذ 2009، لم يعمل على إصلاح القطاع العام، بل ترك الفساد ينتشر داخله، لم يعمل على خفض تكاليف المعيشة بالنسبة للجمهور، وارتفت أسعار السكن إلى حدود رهيبة، فيما انخفضت معدلات النمو، وتراجع مستوى معيشة الفرد الإسرائيلي مقارنة بنظيره الأوربي، أما تعامله مع ملف الميزانية فقد كان شائنًا، بعدما أنفق عشرات المليارات دون موازنة معتمدة، حتى وصل العجز في الناتج المحلي إلى 14%، ونسبة الدين إلى 80%، وارتفعت البطالة إلى 12% من القوى العاملة، أي ما يقرب من نصف مليون شخص.

مظاهرات الأعلام السوداء وارتفاع مستوى الاستقطاب

شهد عام 2020 خروج الآلاف من المواطنين في التظاهر بشكل شبه يومي ضد نتنياهو وحكومته، متهمين بيبي بالفساد المالي والسياسي، إضافة إلى فشله وحكومته بشكل ذريع في مواجهة وباء الكورونا، ويرى هؤلاء المتظاهرون، ومعهم كثير من المحللين والمشتغلين في مجال الإعلام أن بيبي دفع حكومته لإقرار الإغلاق الشامل حتى يتخلص من ضغط المتظاهرين الذين يعانون اقتصاديا، فيما يكدس ملابس أسرته في حقائب ويحملها لتُغسل بالمجان في البيت الأبيض.

تكررت مشاهد لتوافد المتظاهرين في مسيرات بالسيارات متجهة نحو مقر نتنياهو بالقدس، رافعين الأعلام السوداء مع علم إسرائيل، في تحد لقرارات الحظر المفروضة، وحاولت قوات الشرطة الإسرائيلية تنفيذ الإغلاق، وحررت مئات المخالفات على المخالفين.

تسببت سياسة نتنياهو، في وجود حالة غير مسبوقة من الاستقطاب، بدلا من التحرك نحو خلق حالة من الترابط بين أفراد المجتمع في مواجهة الجائحة، حيث تحول الجميع ضد الجميع، متدين ضد علماني، يميني ضد يساري، مؤيد ضد معارض، يهود ضد عرب، فانتشرت الكراهية بين صفوف الجماهير، واستغلها نتنياهو في تلبية احتياجاته السياسية.

أحيت إسرائيل في نوفمبر الماضي ذكرى يتسحاق رابين، وفي ذكرى اغتياله أعد المعهد الإسرائيلي للديمقراطية استطلاعًا للرأي، لقياس مقدار التحريض في الآونة الأخيرة، واحتمالية تكرار حالات الاغتيال السياسي.

جاءت نتائج الاستطلاع لتشير إلى أن نحو 71% من الجمهور الإسرائيلي يعتقدون أن الخطاب التحريضي ضد أفراد وجماعات بدأ يكتسب أرضية واسعة، وتزيد نسبته بشكل كبير ومخيف.

أفضت نتائج الاستطلاع كذلك إلى أن العديد من الجماعات داخل إسرائيل تشعر بموجات تحريض ضدها، منهم الفلسطينيون بالداخل، حيث يشعر 70% بالتحريض المتزايد، في مقابل 86% من المحسوبين على اليسار، و67% من اليمين، أما الحريديم فتشعر نسبة 81% منهم بالتحريض ضدهم.

ربما يعجبك أيضا