الصفقة الخاسرة .. إيران لم تربح في سوريا!

يوسف بنده

رؤية

أدى التدخل الإيراني إلى إطالة أمد الحرب السورية المستمرة منذ تسع سنوات، وأضرار بالغة بالبنية التحتية والمرافق السكنية في البلاد، فضلا عن مقتل حوالي نصف المليون من المدنيين وتهجير الملايين داخل وخارج البلد.

وكانت إيران وروسيا من الداعمين الرئيسيين لنظام بشار الأسد في حربه ضد المعارضة، لكن مسؤولين إيرانيين اشتكوا دوما من استحواذ روسيا على الموارد ومشاريع الاستثمار وإعادة الإعمار في سوريا على حساب إيران وخسائرها هناك.

وكان اللواء يحيى رحيم صفوي، المستشار العسكري للمرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، قد أكد أن تدخلات إيران في دول المنطقة لم تكن مجانية بل تمت مقابل الحصول على الأموال خصوصاً في العراق وسوريا.

وقال رحيم صفوي، إن إعادة إعمار سوريا “ستستغرق عدة سنوات وستتطلب ما لا يقل عن 300-400 مليار دولار”.

وأضاف: “على الجمهورية الإسلامية تعويض التكاليف التي تكبدتها في سوريا، والسوريون مستعدون لتعويض تلك التكاليف من مناجم النفط والغاز والفوسفات السورية”.

فشل مستمر

وقال مسؤول إيراني، إن طهران خسرت فرص إعادة الإعمار في سوريا، حيث لم يتم تنفيذ أي من الاتفاقيات التي وقعت بين البلدين منذ عام 2018.

ونقلت وكالة «مهر» عن إيرج رهبر، رئيس جمعية الإعمار في طهران، والذي رافق الوفد الإيراني إلى سوريا لتوقيع اتفاقيات شملت إعادة الإعمار حينها، قوله إنه «لم يحدث شيء منذ 2018، ولم نقم بأي عمل بشأن إعادة الإعمار في سوريا».

وذكرت الوكالة أن «أيا من البنود الواردة في الاتفاقيات المهمة التي تم التوصل إليها بين البلدين لم تترجم اقتصاديا»، في إشارة إلى مذكرات وقعت بين إيران وسوريا بشأن الاستثمار الإيراني في قطاعات الإسكان والنقل والمصارف في سوريا.

وذكر التقرير أنه كان من المقرر على سبيل المثال، بناء بلدة بسعة 200 ألف وحدة سكنية في دمشق، من قبل جمعية الإعمار في طهران، لكن هذا لم يتحقق.

ويأتي الإعلان عن فشل القطاع الخاص الإيراني في الاستثمارات في سوريا، في وقت أعلنت فيه بعض الشخصيات السياسية الإيرانية، من بينها حشمت الله فلاحت بيشة، عضو لجنة الأمن القومي بالبرلمان الإيراني السابق، أن إيران أنفقت 30 مليار دولار في سوريا خلال السنوات العشر الماضية، وأن هذه المبالغ التي صرفت للتدخل العسكري لإبقاء نظام الأسد في السلطة، يجب أن يعاد.

وعلى الرغم من هذه التصريحات، ذكر تقرير وكالة “مهر” للأنباء أنه “في الأشهر السبعة الأولى من العام الجاري، بلغت صادرات إيران إلى سوريا 73 مليون دولار فقط والواردات من سوريا 10 ملايين دولار”.

وقد سُجل هذا الحجم من التجارة بين البلدين، في حين بلغت الصادرات التركية إلى سوريا في سبتمبر (أيلول) من هذا العام وحده “أكثر من 100 مليون دولار”.

خروج إيران من سوريا

والواضح، أن سوريا باتت بيئة صعبة بالنسبة لإيران؛ فهي ليست على الجوار المباشر مثل العراق. وقد أضرت كثيرًا بالخزينة الإيرانية. يقول المحلل السياسي، محمد القواص، في تقرير له: الثابت أن ليس لواشنطن، في عهديْ أوباما وترامب، سياسة سورية، وأن جل التدابير والإجراءات، كما القرارات التي اتخذت أو تلك التي تم التراجع عنها (لا سيما قرار ترامب بالانسحاب)، يعود لأسباب تتعلق بسياسات الولايات المتحدة في العراق، كما الصراع مع روسيا وإيران، كما الحرص على أمن إسرائيل. وفي ذلك أن واشنطن ما زالت قابلة بالدور الروسي المهيمن، وتتلاعب مع موسكو حول حجم هذا الدور ومآلاته في التسوية السورية النهائية.

والحال أن إسرائيل مارست في السنوات الأخيرة، وخصوصا بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا في سبتمبر 2015، سلوكا عسكريا وأمنيا يحظى بحرية دولية كاملة لضرب أهداف إيرانية أو أخرى تابعة لميليشيات تابعة لطهران (لا سيما حزب الله). لكن الواقع أن الضربات الإسرائيلية هي بالحقيقة ضربات أميركية روسية أيضا، من حيث رعاية واشنطن وقبول موسكو بمبدأ حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها من أي أخطار تراها مهددة لأمنها في سوريا، ومن حيث التسهيلات السياسية واللوجستية التي وفراها لتنفيذ تلك الضربات.

تقبل واشنطن دورا روسيا في سوريا ولا تقبل بدور إيراني هناك. بالمقابل تجد روسيا نفسها، عشية دخول بايدن إلى البيت، مدفوعة إلى تأكيد معادلة جيفري المتناسلة من عقيدة أوباما والتي لن تخرج عنها الإدارة المقبلة. وفق ذلك تدخل القوات الروسية لتقيم مقرا لها في مدينة البوكمال بريف دير الزور الشرقي على الحدود مع العراق. وتعلن موسكو أن عسكريين روس يشاركون القوات السورية القيام بدوريات بمنطقة الجولان، فيما يشاع عن تدابير لاحقة لتقييد الوجود الإيراني جنوب البلاد وشرق الفرات.

سيكون على إيران أن تقرأ المشهد الدولي الإقليمي بشكل جديد. لن تكون سوريا جزءا من مقايضة تشتهيها على طاولة المفاوضات المقبلة مع واشنطن. بات لسوريا محرمات تتجاوز منطق واشنطن ولا تتناقض معه.

المحرم الأول إسرائيلي يعمل بالنار على منع قيام “جنوب” في سوريا يشبه ما كان عليه جنوب لبنان، ويعمل بالنار والسياسة على تقويض النفوذ الإيراني في باقي أنحاء سوريا.

المحرم الثاني أميركي يسعى لمنع قيام “هلال” إيران الشهير من طهران إلى بيروت مرورا بدمشق.

المحرم الثالث روسي لا يقبل منافسة إيرانية في استثمار يجد بوتن أن لبلاده، التي يعود لها الفضل في منع هزيمة النظام في دمشق، الحق بجني الحصة الأكبر من ثماره.

والمحرم الرابع عربي (خليجي خصوصا) لن يقبل الانخراط في أي تمويل لإعمار البلاد دون أن تزول هيمنة طهران على قرار دمشق (وبيروت).

ربما يعجبك أيضا