الانتخابات الرابعة في إسرائيل.. تحدي إزاحة نتنياهو من الحكومة

محمد عبد الدايم

كتب – د. محمد عبدالدايم

–    ديسمبر 2020 شهر الانشقاقات والأحزاب الجديدة.

–    هاليكود يتصدر دون سيطرة كاملة.

–    كاحول لافان ينهار سريعا.

–    بيني جانتس: جنرال الجرف الصامد يسقط سريعا في معركة السياسة

–    كتل مفتتة يهزمها الإيجو الشخصي تسعى لإسقاط نتنياهو

الأمر كان واضحًا منذ شهور، حين أعلن بيني جانتس فجأة عن تشكيل حكومة “طوارئ” بمشاركة غريمه نتنياهو، كانت الصورة واضحة للجميع، فيما عدا الغر الساذج سياسيًا بيني جانتس، الذي ظن أن بيبي سيلتزم باتفاقه ويمنحه رئاسة الحكومة وفقًا لبنود الائتلاف بين “كاحول لافان” و”هاليكود”.

لكن جانتس الذي كان بمثابة الأمل بالنسبة لقطاع من الجمهور الإسرائيلي، لكونه جنرالا سابقًا، ورئيسًا لهيئة الأركان يتشدق بدوره في الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014، سقط سريعًا على خشبة المسرح السياسي الإسرائيلي.

فشل جانتس في إجبار نتنياهو على الالتزام ببند تمرير ميزانية للعامين 2020- 21، وسار الكنيست نحو مصيره المتوقع، حتى أُعْلِن الموافقة على حله والدعوة إلى انتخابات هي الرابعة في عامين.

جدعون ساعر القطب الليكودي المعارض لنتنياهو أعلن مؤخرًا انشقاقه عن الحزب، ودشن حزبًا جديدًا باسم “تكفا حدشا” (أمل جديد)، وأعلن دخوله الانتخابات القادمة بهدف رئيس، هو إسقاط بنيامين نتنياهو، وإنهاء سيطرته على الحكومة الإسرائيلية.

نهاية عصر الجنرالات

حاول جدعون ساعر استقطاب شخصيات جديدة لحزبه، في مقدمتها رئيس هيئة الأركان السابق للجيش الإسرائيلي جادي أيزنكوت، لكن الأخير قرر ألا ينخرط في معترك السياسة في الوقت الراهن، فيما أعلن جابي أشكنازي وزير الخارجية في الحكومة الحالية، وعضو حزب كاحول لافان، ورئيس هيئة الأركان الأسبق، اعتزاله الحياة السياسية في الوقت الحالي، ليدق مسمارا في نعش حزب بيني جانتس، والأخير وجد نفسه فجأة يقف في مؤتمر صحفي يعلن بشجاعة “المنكسر” عزمه الاستمرار في سعيه لإسقاط نتنياهو، في الوقت الذي ينهار فيه حزبه، ويرحل عنه عضو بعد الآخر، حتى وصل العدد إلى ستة راحلين في أسبوع واحد، بداية من وزير القضاء آفي نسانكورين الذي انضم لحزب “هايسرائيليم” (الإسرائيليين) الذي دشنه رئيس بلدية تل أبيب رون حولدائي، ثم أشكنازي، وتبعهما  أساف زامير، ميكي حايموفيتش، ميخال كوتلير ووونش عيناف.

إضافة إلى انهياره، فإن حزب بيني جانتس وصل إلى الدرك الأسفل سريعًا، ففي استطلاعات الرأي التي أصبحت شبه يومية، وتعدها شبكات التلفاز والصحف، يبدو أن بيني جانتس سيغوص في القاع، حتى أن حزبه لن يحصل إلا على 5 مقاعد في الكنيست القادم، وربما لا يصل إلى نسبة الحسم التي تؤهله لدخول الكنيست.

قبل الانتخابات بأقل من ثلاثة أشهر، تراجعت أربعة أسماء من الجنرالات، كانوا جميعًا في السابق رؤساء لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي، بيني جانتس الذي تحول من رمز جديد ينافس نتنياهو إلى مطية سياسية، وساعد بيبي على إرجاء موعد محاكمته، وفي الوقت نفسه انزوى موشيه يعلون مع حزبه “تيلم” في عباءة حزب ييش عاتيد برئاسة يائير لابيد، ويوشك حزبه على التقوض، مع حدوث انشقاقات، واستمرار خلافاته مع لابيد، ثم أعلن جابي أشكنازي خروجه عن الحياة السياسية، وفي الأخير رفض جادي أيزنكوت المغامرة في الوقت الراهن، وأعلن عدم تنافسه في انتخابات مارس المقبل مع أي حزب.

أربعة رؤساء سابقين لهيئة أركان جيش إسرائيل سقطوا في اختبار السياسة، فيما تبدو وكأنها نهاية لعصر الجنرالات الذين ظنوا أن السياسة كالعسكرية، وخاب ظنهم جميعًا، مثلما خاب أمل قطاع من الجمهور الإسرائيلي الذي بدأ يعتاد على عسكرة السياسة، على غرار عسكرة قطاعات أخرى من الدولة.

انشقاق وانزواء وكتل مفتتة

خرج جدعون ساعر من هاليكود ليدشن لحزب “تكفا حدشا” لمنافسة حزبه القديم هاليكود، وتبعه – حتى الآن- عضو هاليكود، رئيس بلدية إيلات، مئير يتسحاق هاليفي، ثم توالت الانشقاقات في حزب “كاحول لافان”، ولم يتوقف الأمر على الحزبين الرئيسين الذي يؤلفان الحكومة الحالية، حيث أعلن عمير بيرتس رئيس حزب “هاعفودا” انسحابه هو الآخر من رئاسة حزبه، وعدم المنافسة في الانتخابات القادمة، وهي الخطوة التي يبدو أنها لن تساعد الحزب الذي أصبح في السنوات الأخيرة ظلا مترهلا، ويوشك على عدم الوصول لنسبة الحسم في الانتخابات القادمة.

كذلك خرج عوفر شيلح من حزب “ييش عاتيد”، لينهي شراكته مع يائير لابيد، ومن المرجح أن ينهي موشيه يعلون هو الآخر شراكة حزبه “تيلم” مع حزب لابيد، وليس الأمر قاصرًا على أحزاب اليمين والوسط، بل يبدو أن حزب ميرتس اليساري مقبل على حالة جديدة من الانشقاق تقربه من عدم الوصول إلى نسبة الحسم، فيما تشهد القائمة العربية المشتركة خلافات كبيرة بين أعضائها، مما يرجح من انقسامها إلى كتلتين أو أكثر.

يترقب روني حولدائي رئيس بلدية تل أبيب، خروج أي قطب من حزبه القديم، ليتلقفه ويعضد به قائمة حزبه الجديد “هايسرائيليم” الذي أعلن مؤخرًا عن تأسيسه، وقد أعلن حولدائي منذ فترة نيته دخول الساحة السياسية، دون أن يترك منصبه في رئاسة البلدية قبلما يؤدي اليمين كعضو جديد في الكنيست المقبل.

اليمين والحريديم خلف بيبي

في مقابل هذا التفتيت الكبير في كتل الوسط واليسار، والقائمة العربية، ما زال حزب “هاليكود” يتمتع بقوة تمنحه الصدارة في الانتخابات القادمة، لكنها بالتأكيد ليست صدارة مطلقة، فحزب نتنياهو وفقًا لاستطلاعات الرأي ما يزال في إمكانه الحصول على أكبر عدد من المقاعد في الكنيست القادم، ربما تصل إلى 29 مقعدًا، لكنه عدد بعيد كثيرًا عن 61 مقعدًا تؤهله لتشكيل حكومة أغلبية، وبالتأكيد سيعتمد على دعم أحزاب اليمين والحريديم، وهي الأحزاب التي أعلنت مرارًا وأكدت على دعمها لبيبي وحده دون غيره، وفي مقدمتها حزبي “شاس” و”يهدوت هاتوراه”.

تحدي إزاحة نتنياهو والأنا الذاتي

حليف الأمس وخصم اليوم نفتالي بينت، وزير الدفاع السابق، على رأس كتلة “يامينا” (إلى اليمين) التي تجمع حزبي “هايمين هاحادش” (اليمين الجديد)، و”هاإيحود اللئومي” (الاتحاد القومي)،  ومعه أييلت شاقيد، وزيرة القضاء السابقة، يواصلان الهجوم على نتنياهو وحكومته، ويبدو أنهما يكتسبان شعبية من جديد، حتى أن بينيت يراهن على سيطرة كتلته على 20 مقعدًا بالكنيست القادم، وفي هذه الحالة لابد وأن يعاود بيبي الاتحاد معه، كي يصل بمشاركته ودعم أحزاب اليمين الدينية على 61 مقعدًا تمنحهم أغلبية الكنيست، وفي الأيام الأخيرة كف نتنياهو بالفعل عن مهاجمة بينت، لأنه يعي أن اليمينيين والأصوليين هم شركاؤه في النهاية، ولا يستطيع الاستمرار بدونهم، ولأن البديل أن يتحد نفتالي بينت مع جدعون ساعر بحزبه الجديد “تكفا حدشا”، ويسعيان لمشاركة رون حولدائي بحزبه “هايسرائيليم” وأفيجادور ليبرمان بحزبه “يسرائيل بيتينو”، ليكون هؤلاء كتلة ائتلافية تُنحي نتنياهو عن المشهد، بعد فترة هي الأطول في رئاسة الحكومة الإسرائيلية.

لكن يبدو حتى الآن أن تفتيت الكتل والأحزاب في صالح الإيجو الذاتي لهؤلاء الحالمين بتحقيق حلم الوصول لرئاسة حكومة إسرائيل، بإزاحة نتنياهو، أو بالتحالف معه في نهاية الأمر.

الظاهر أن نتنياهو يواصل هيمنته حتى الآن، رغم الضربات التي يتلقاها، فإن خصومه يستمرون في ضرب بعضهم، والنتيجة عدد كبير من الأحزاب السياسية والكتل، ويتبقى شهر تقريبا على إغلاق القوائم، ليستعد المجتمع الإسرائيلي، المنهك من الكورونا ودوامة الانتخابات، لجولة جديدة رابعة تحدد أطراف حكومة لا يُتوقع لها أن تستمر لكامل مدتها.

ربما يعجبك أيضا