ألمانيا في مواجهة «التنميط العنصري» داخل صفوف الشرطة

جاسم محمد

رؤية – جاسم محمد 

بعد سلسلة من الانتقادات ضد الشرطة الألمانية، بأنها تمارس التنميط العنصري داخل صفوفها، خضعت وزارة الداخلية إلى الضغوطات من داخل البرلمان ومن داخل الاتحاد الأوروبي لإجراء فحص ومراجعة إلى سلوكيات وعمل الشرطة الألمانية.وتصاعدت الانتقادات أكثر في أعقاب انتشار فيديو عبر وسائل التواصل الاجتماعي يظهر تعرض أصول عربية للضرب على رأسه من قبل شرطية في مدينة كريفيلد.  

التنميط العرقي 

إن عوامل التصنيف العرقي يقوم على كيفية استهداف السلطات للأفراد المشتبه في ارتكابهم جرائم مختلفة، بما في ذلك الإرهاب، والهجرة غير القانونية أو الاتجار بالمخدرات. وحدد كبير المدّعين العامين في ولاية كاليفورنيا، “بيتر سيغينز”، التنميط العرقي كممارسة تشير إلى النشاط الحكومي الموجه إلى المشتبه به أو مجموعة من المشتبه بهم بسبب عرقهم، سواء كان عن قصد أو بسبب أعداد غير متكافئة من جهات الاتصال استنادًا إلى أسباب أخرى سابقة للنص. وبعبارة أخرى، فإن السلطات في بعض الأحيان تتساءل عن شخص يقوم على أساس العرق فقط لأنهم يعتقدون أن مجموعة معينة من المرجح أن ترتكب جرائم معينة.  

كشف تقرير إعلامي من داخل ألمانيا، في الأول من أكتوبر 2020، أن هناك شبهات بتورط موظفين بالاستخبارات الداخلية في ولاية شمال الراين ويستفاليا الألمانية، في أنشطة متطرفة عبر الإنترنت. وقالت وزارة الداخلية في الولاية إن ثلاثاً من أربع حالات مشتبه بها بين صفوفها، عملت مع فريق مراقبة استخباراتي، حسبما ذكرت صحيفة راينيشه بوست. وفي رد على سؤال بشأن ما إذا كان الموظفون المشتبه بهم قد شاركوا أيضاً في رصد متطرفين يمينيين، قالت الصحيفة نعم لقد تضمن الأمر متطرفين يمينيين. وقالت الوزارة للصحيفة: تم حل الفريق الاستخباراتي المعني وتم إجراء تغيير في القيادة.  

39597702 401

مجموعات دردشة يمينية متطرفة  للشرطة الألمانية 

أعلنت السلطات الألمانية يوم 18 سبتمبر 2020  الكشف عن مجموعة من رجال الشرطة في ولاية شمال الراين-ويستفاليا مشتبه في اشتراكهم في خمس مجموعات دردشة يمينية متطرفة على الأقل. وقال وزير الداخلية المحلي، هيربرت رويل: إن هناك 29 شرطية وشرطياً مشتركون في هذه المجموعات، مشيراً إلى أنه تم إيقافهم جميعاً عن العمل ، بالإضافة إلى بدء إجراءات تأديبية ضد 15 منهم، فضلاً عن تسريح 14 شرطياً من الخدمة. وذكر رويل أنه تم تداول 126  صورة عبر مجموعات الدردشة الخمسة، من بينها صور لأدولف هتلر، إلى جانب صورة تخيلية للاجئ داخل غرفة غاز. ويرجح الوزير أن هذه المجموعات تم تأسيسها منذ عام 2013 حتى مايو 2015 على أقصى تقدير. 

ذكرت رئيسة الحزب الاشتراكي الديمقراطي، الشريك في الائتلاف الحاكم في ألمانيا،” زاسكيا إسكن”، أن هناك عنصرية كامنة أيضا لدى قوات الأمن الألمانية. وقالت إسكن في تصريحات لصحف مجموعة “فونكه” الألمانية الإعلامية الصادرة في الثامن من يونيو2020 ، “انتفض عشرات الآلاف من المتظاهرين حول العالم، لأن الوفاة العنيفة لجورج فلويد خلال عملية للشرطة في الولايات المتحدة لم تكن حالة فردية.  المتظاهرون الألمان يرون هذه الظروف أيضا على عتبة بابهم : أيضا في ألمانيا هناك عنصرية كامنة في صفوف قوات الأمن، والتي يتعين الاعتراف بوجودها ومكافحتها عبر إجراءات من قبل القيادة الداخلية”.

وسبق أن تعرضت الشرطة في مدينة إيسن، بولاية شمال الراين-ويستفاليا لانتقادات لنشرها كتيب تدريبي عن الجريمة العربية المنظمة في المنطقة والذي زُعم أنه تضمن إهانات عنصرية. وبحسب صحيفة دي فيلت، فإن الدليل المؤلف من 20 صفحة يعلم طلاب الشرطة أن أفراد “العشائر” العربية يخافون من الكلاب ويعتبرون الضابطات “عامل استفزاز”. ومع ذلك، قالت شرطة إيسن إنها لا ترى أي سبب لعدم استخدام الوثيقة، وأنها تعكس نتائج دراسة أكاديمية. 

N4hh g20 dpa

دراسة عن العنصرية داخل الشرطة الألمانية 

وبعد رفض وزير الداخلية زيهوفر إجراء دراسة علمية عن العنصرية داخل الشرطة الألمانية، خضع أخيرا للضغوطات ووافق على تطبيق تلك الدراسة، في 20 أكتوبر 2020. وقال زيهوفر، إنه من المقرر أيضا أن تتناول الدراسة العنصرية التي يتم مواجهتها في مسار الحياة اليومية في قطاعات اجتماعية أخرى، في سوق العمل مثلا، أو خلال البحث عن شقة.  

تخضع الشرطة الألمانية بعد سلسلة من الحوادث العنصرية لمزيد من التدقيق والتمحيص. وتقوم برلين ومدن أخرى بتضمين مناهج دراسية مناهضة للعنصرية في التدريب الأساسي لعناصر الأمن، لكنها لم توحد في عموم ألمانيا حتى الآن.  يذكر بان هناك 17 وحدة شرطة منفصلة بألمانيا، واحدة لكل ولاية من الولايات الــ16 والوحدة الفيدرالية، والتدريب على التعدد الثقافي بعيد كل البعد عن المعيارية: فبينما تدرب قوة برلين قواتها على مناهضة التمييز في الشرطة منذ عام 2009، وكذلك تبنت ولاية شليزفيغ- هولشتاين مبدأ الكفاءة متعددة الثقافات في التدريب الأساسي لشرطتها، فإن الولايات الأخرى لم تعالج هذه المسألة بشكل رسمي على الإطلاق. وقال زايمن نيوماير إن القضية بالتأكيد لم تطرح أبدًا أثناء وجوده في المدرسة في ساكسونيا.  

وتقول المدربة بورمان المعنية بتطبيق الدراسة: لا أستطيع أن أقول ما إذا كانت الشرطة في ألمانيا لديها ثقافة يمينية في الأساس – أنا لا أعتقد ذلك، لكن لديها مشكلة بالتأكيد. وتوضح: لكنني أعتقد أن القليل منهم من يتحدثون عن ذلك، ولهذا السبب توجد مشكلة. هذه بالتأكيد ليست حالات منعزلة. نعلم من خلال العديد من الضباط أنه من الصعب مواجهة هذه القضية.  

تبذل الحكومة الألمانية الكثير من الجهود، للحد من مخاطر اليمين المتطرف، لكن التقديرات تقول: إن حجم المخاطر اليمينية المتطرفة، هي أكثر من إمكانيات وقدرات الاستخبارات الألمانية.  

 رغم ما تبذله الحكومة الألمانية من جهود في محاربة التنميط العرقي داخل أجهزة الشرطة تحديدا، باعتبارها من اكثر المؤسسات الأمنية احتكاكا في المواطن، فان التحديات التي تواجهها الداخلية الألمانية اكبر من قدراتها وإمكانياتها، وربما هذا يعود إلى خلفيات، و “ثقافات” الأفراد قبل التحاقهم بجهاز الشرطة، وهذا ما يتطلب من الحكومة الألمانية اتباع شروط وسياقات جديدة، بقبول من ينتمي لجهاز الشرطة أو الأمن. 

ربما يعجبك أيضا