قوة وسطوة.. إمبراطوريات الاحتكار التكنولوجي واستغلال الأزمات

كتبت – علياء عصام الدين

لا يسعنا أن نتخيل مرور يوم واحد دون الاستعانة بخدمات محرك البحث “جوجل” أو موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، هذه الآفة التي تنامت في الفترة الأخيرة وأضحت جزءًا لا يتجزأ من تفاصيل حياتنا اليومية ومحركًا قويًا لأفكارنا ومشاعرنا.

بيد أن مخالب إمبراطوريات الاحتكار التكنولوجي أصبحت أكثر حدة حيث شحذتها “الأزمات” وجعلتها أكثر شراسة وتوحشًا.

وعلى الرغم من كافة الإجراءات التي تم اتخاذها للحد من سطوة وقوة الشركتين اللتين أصبحتا أصلًا وأساسًا للبنية التحتية للشبكة العنكبوتية دون منازع ولا حتى منافس، إلا أن كل من جوجل وفيسبوك قد تجاوزتا كونهما مجرد محرك بحث وموقع تواصل إجتماعي لما هو أعمق وأخطر من ذلك.

محاولات لكبح الجماح

على خلفية فضيحة “كامبريدج أناليتكا” فرضت لجنة التجارة الفيدرالية في أمريكا العام الماضي أكبر غرامة على “فيسبوك” في تاريخها لانتهاكه خصوصية مستخدميه بعد تسريب بيانات ملايين من الناخبيين الأمريكيين ليتم استغلالها في التأثير على نتيجة الانتخابات.

وفي ظل تنامي المخاوف من سيطرتهما المتزايدة واجهت كل من جوجل وفيسبوك سيلا من التحقيقات.  

وعلى الرغم من محاولات كبح الجماح الذي انتهجها المشرعون بالولايات المتحدة في الآونة الأخيرة ، إلا أن أزمة جائحة كورونا جاءت لتكون “فرصة ذهبية” و”مهربًا” للانفلات من قبضة المساءلة والتحقيقات.

من أين تؤكل الكتف

في ظل الإغلاق وجلوس الملايين في منازلهم أصبح “جوجل” و”فيسبوك” هما الملجأ الأول والأساسي لجموع الجماهير التي تغيرت عاداتها حول العالم بشكل جعل منهم أكثر اعتمادًا على خدمات تلك الشركات، لمتابعة ما يحدث من جانب والمشاركة فيه من الجانب الآخر، الأمر الذي جعل من الشركتين أبرز المستفيدين من الأزمة وما تبعها من كساد اقتصادي وتزايد معدلات البطالة.

حققت أسهم كل من جوجل وفيسبوك قفزات غير مسبوقة خلال العام الفائت، في الوقت الذي قامت فيه كثير من الشركات بالاستغناء عن موظفيها وتسريحهم وإغلاق مكاتبها، أعلنت فيسبوك عزمها توظيف 10 آلاف موظف جديد في 2020.

على عكس الكثير من الشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا توسعت كل من جوجل وفيسبوك في أنشطة الاستحواذ واستغلت الأزمة التي وفرت لهما مخزونا ضخمًا من الأرباح ستمكنهما بطبيعة الحال من تحمل الركود الاقتصادي المقبل.

غض الطرف

عززت المكاسب سابقة الذكر من الاحتكار الصارخ الذي حققه عملاقا التكنولوجيا في أعقاب أزمة كورونا، الأمر الذي دفع بالحكومة الأمريكية إلى غض الطرف عنهم في الوقت الحالي، لا سيما بأن مثل هذه الشركات ستساهم بلا شك في مساعده الاقتصاد الأمريكي في النهوض من كبوة ما بعد الجائحة.

وتتربع كل من جوجل وفيسبوك ومعهما آبل وأمازون على عرش إمبراطوريات التكنولوجيا دون منافس في ظروف اقتصادية دفعت بكثير من الشركات الصغيرة  والناشئة إلى الاندثار والزوال بعد أن تجرعت مرارة الخسارة.

ومن الصعب بمكان فهم مدى سرعة سيطرة شركات التكنولوجيا العملاقة على الاقتصاد العالمي، فلقد كان صعودًا سريعًا ومرعبًا والسؤال الأهم بالنسبة للمستقبل هو: كيف ستؤثر سيطرتهم المتزايدة باستمرار على الشركات الأخرى وسوق العمل؟

لقد حولت أزمة كورونا شركات التكنولوجيا العملاقة من شركات “تخنق” المنافسة إلى شركات “تحتكر” السوق وتقتل المنافسين وتتوحش لتصبح أكثر سطوة وقوة.

ولعل أبرز تحليل لما نشهده اليوم ما قدمه الفيلسوف الألماني هربرت ماركوز في كتابه” الإنسان ذو البعد الواحد” عندما أكد أن عجلة الاقتصاد الرأسمالي القائمة على الزيادة في الإنتاج والاستهلاك هي التي تقوم بخلق الإنسان ذي البعد الواحد، وهو الإنسان الموهوم بالرخاء والسعادة في مجتمع الاستهلاك، بينما هو في حقيقة الأمر مكبل غير قادر على الفكاك من “قبضة” التكنولوجيا التي حولته لمجرد “شئ” ونسخة باهتة مكررة خالية من أي مضمون إنساني.

ربما يعجبك أيضا