الميليشيات العراقية.. اقتصاد الظل والمنطقة الرمادية

جاسم محمد

رؤية ـ جاسم محمد

إن الفصل بين العمل “الميليشياوي المافيوي” والعمل السياسي، أصبح من الأمور الصعبة في منطقة الشرق الأوسط، في أعقاب صعود الفوضى الخلاقة منذ عام 2011 ولحد الآن، وهذا يذكرنا بمقولة، صعوبة الفصل ما بين” البصلة وقشرتها”، وكان ينطبق على تنظيم القاعدة وطالبان، وهذا لحال اليوم ينطبق كثيرا على المشهد في العراق والدول التي تشهد الفوضى. 

وضعت وزارة الخزانة الأميركية يوم السابع من يناير 2021، اسم فالح الفياض، مسؤول الحشد الشعبي في العراق على قائمة العقوبات الأميركية، التوقيت جاء قبل أسبوعين تقريبا من انتهاء ولاية ترامب في البيت الأبيض. 

عمل الفياض خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات متنقلاً بين طهران ودمشق في عدة أنشطة، لكن عمله إلى جانب فيلق بدر، وهي المليشيا التي شاركت بقتال الجيش العراقي إلى جانب الإيرانيين في حرب السنوات الثماني كانت الأبرز، مع شخصيات أخرى محسوبة على حزب الدعوة الإسلامية والمجلس الإسلامي الأعلى. وتولى الفياض عام 2004 منصباً تنفيذياً في مكتب رئاسة الجمهورية، ضمن الذين تم ترشيحهم عقب تسليم الحاكم المدني الأميركي آنذاك بول بريمر السلطة عام 2004. 

أقال رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي الفياض من منصب مستشارية الأمن الوطني ورئاسة جهاز الأمن الوطني مطلع يوليو2020. وعرف عن الفياض بأنه يتمتع بالسرية وبمكانة عشائرية داخل عشيرته آل بو عامر ولم تكن ضده قضايا فساد، وهذه من أبرز العوامل التي جعلته أن يستمر بمنصبه لأكثر من حكومة عراقية ما بعد عام 2003. 

خطر الجماعات المسلحة “الميليشيات” 

الخطر الذي يمثله زعامات الجماعات المسلحة تحديدا في العراق وهو ينطبق على زعامات الأحزاب والتنظيمات “الميليشياوية” في لبنان وسوريا واليمن وليبيا وفي باقي دول المنطقة الجمع ما بين النشاط السياسي و”الميليشياوي”، أي أن يكون الأشخاص في منطقة” الظل أو المنطقة الرمادية”، ما بين النشاط “الميليشاوي المافيوي “وما بين النشاط السياسي والذي يكون غطاء شرعي للتحرك والتنقل. 

إن وضع الأشخاص والأحزاب والجماعات تحت قائمة الإرهاب الأميركية أو قوائم أممية، ربما لها تأثير عملي لوجستي على هذه الشخصيات والتنظيمات بقدر ما يكون لها أثر معنوي ورمزي، ممكن أن يضع حد إلى التاريخ السياسي لتلك الأفراد والجماعات، أكثر من أي شيء آخر. 

وما يعقد الأمر، أن الحكومة العراقية، ردت عن طريق وزارة الخارجية، بأنها تعتبر قرار وضع الفياض مفاجئ، وسوف تطلب من الإدارة الأميركية الحالية أو القادمة، إدارة بايدن، بإعادة النظر أو مراجعة قرار وضع الفياض على قائمة العقوبات الأميركية. 

إن رد وزارة الخارجية، يعكس مدى تمسك الحكومة العراقية بالفياض، وما يعزز هذه الفكرة استقبال رئيس الحكومة العراقية للفياض يوم 10 يناير 2020 في مكتبه، وهنا يكمن صعوبة الفصل بين النشاط رئيس” الحشد الشعبي” التابع للحكومة العراقية والنشاط السياسي.

لماذا الفياض؟ ولماذا لم تضع جماعات وزعامات خارجة عن القانون في العراق على قائمة العقوبات الأمريكية، فهاك كثر؟ 

ربما الفياض، كان حاضرا بالقرب من تجمع شعبي قرب السفارة الأميركية مطالبا بخروج الأميركان، وكان حاضرا أيضا بذكرى مقتل سليماني يوم الثالث من يناير 2021. إذا وضع الفياض يمكن أن يكون من أجل الدعاية الداخلية للإدارة الأمريكية. 

إن وضع الفياض ممكن أن يعقد مشهد العلاقات الأميركية العراقية، كون الفياض وزعامات لجماعات مسلحة أخرى فاعلة في المشهد السياسي العراقي ومرتبطة بإيران وتتبع الحرس الثوري الإيراني مباشرة وتتبع نهج “ولاية الفقيه” تحديدا، هي جماعات وعناصر مؤدلجة وحاصلة على التدريب وهذا ويجعلها أن تكون على غرار الحرس الثوري الإيراني. وربما تواجه الولايات المتحدة نسخة حزب الله في العراق. 

هل الإدارة الأميركية بالفعل تريد معاقبة الجماعات المسلحة العراقية الخارجة عن القانون؟

وماذا عن الحشد الشعبي في العراق؟ 

هناك شكوك حول رغبة الولايات المتحدة الأمريكية بوضع تلك الجماعات والتنظيمات على قائمة العقوبات، الإدارات الأميركية من الجمهوريين والديمقراطيين، لا يرغبون بإزاحة “الميليشيات “والجماعات الموالية إلى إيران من المشهد السياسي، فالولايات المتحدة تجد فيهم، “ساعي بريد” ما بين واشنطن وطهران فلا تعمل على إقصائهم. 

ماذا يجري في العراق ؟

إن إدارة ترامب دفعت الكاظمي من أجل ضرب “الميليشيات” وجمع السلاح، وهي خطوة أو مهمة محددة جدا، لا نتوقع منها الكثير، تضع الكاظمي، رئيس الحكومة العراقية، تحديدا في وضع حرج، طالما أن الكاظمي لم يحصل على أي دعم أميركي:  فموازنة العراق خاوية، والعراق أعلن إفلاسه حتى غير قادر على تسديد رواتب موظفيه، كون اقتصاد العراق اقتصادا ريعيا. 

الخيارات أمام الكاظمي محدودة، لذا ما يعمل عليه الكاظمي من خطوات، هي خطوات إيجابية وجريئة، لكنها ضعيفة جدا يمكن تصنيفها ضمن باب المناورة السياسية ما بين الإدارة الأمريكية وما بين الميليشيات العراقية التي تمسك بالحكومة والبرلمان وبواقع في الشارع العراقي. 

ما يقوم به الكاظمي مطاردة مجموعات ميليشاوية غير معروفة، ويجمع السلاح من عشائر ضعيفة أطراف بغداد، وهو غير قادر أبدا على مواجهة الجماعات المسلحة الرئيسية في العراق كونها هي من رشحته للمنصب في مهمة محدود ولها أصواتها في البرلمان، وهذا يعني أنه لا الكاظمي ولأغيره يستطيع مواجهة الميليشيات المدعومة من إيران، التي تمسك بالعراق ب “أذرع صلبة” وسياسات اقتصادية ومجتمعية ناعمة، تنخر العراق من الداخل. 

الإدارة الأمريكية لا توجد لديها رغبة بتغيير الأوضاع في العراق ، لو كانت الإدارة الأميركية فعلا تريد التغيير في العراق، ينبغي عليها تقديم الدعم الاقتصادي والعسكري والأمني إلى جانب الدعم السياسي، لكي تمكن الكاظمي، رئيس الحكومة، على أقل تقدير باتخاذ خطوات جريئة بتصحيح ما يجري في العراق أولها إعادة قانون الانتخابات ثم إعادة كتابة الدستور وأن تطلب الأمر حل البرلمان، وهي ضمن صلاحيات رئيس الحكومة، رئيس مجلس الوزراء، لكن هذا لم يحدث وسوف لا يحدث في إدارة بايدن القائمة. 

ما يحصل في العراق هو تطبيق أميركا برنامج العراق والفوضى الخلاقة تحت لافتة، ديمقراطية هشه. الولايات المتحدة الأميركية تحديدا تتحمل مسؤولية ما يجري في العراق منذ عام 1990 وما بعد عام 2003، حيث احتلال العراق، وينبغي أن تكون هناك تفعيل إلى محاكمات قضائية ضد الإدارة الأميركية. 

بات متوقعا، أن يستمر العراق بالفوضى الخلاقة، واستمرار سيطرة الجماعات المسلحة الموالية إلى إيران على العراق، وبدعم من إيران مباشر، وما تقوم به إيران من دعم الجماعات المسلحة في العراق، هو عمل مقصود، من أجل بغداد وجعلها مبدل ومنصة إيرانية لاستهداف أمن الخليج وخصومها.

ربما يعجبك أيضا