حرب «تويتر» على ترامب وأنصاره.. مسألة إشكالية أم نهج لتقويض الحريات!

أميرة رضا

كتبت – أميرة رضا

مربعات رمادية فارغة، ورسائل فحواها “عفوًا هذه التغريدة ليست متوفرة”، تدوينات قد يحالفها الحظ وتظهر عبر مقالات الإنترنت وأخرى اختفت بلا عودة، هكذا بدى الحال على الحساب الرسمي للرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب على موقع العصفورة الزرقاء، بعد خطوة جريئة أثارت جدلاً واسعًا في الولايات المتحدة.

لم ينحصر الأمر بالحرب التي شنها “تويتر” على ترامب فقط، ولكن تجاوزه إلى تضييق الحصار على أنصاره وغلق نحو 70 ألف حساب لهم منذ الجمعة الماضية، طرح العديد من التساؤلات حول ما إذا كانت هذا الإجراء مجرد تصفية حسابات قديمة وإشكاليات عالقة، أم هو نهج جديد لقمع الحريات من قبل مواقع التواصل الإجتماعي؟!

خطوة جرئية.. ما بين مؤيد ومعارض

لم يتوقع ترامب الذي تمسك بموقع التدوينات المُصغرة كمنصّة أساسية له ينشر عليها تصريحاته للعالم، أن يجد نفسه بلا “تويتر” وغير قادر على التواصل مع ملايين من متابعيه، الأمر الذي أشعل غضبه وأثار حفيظته.

ففي خطوة جرئية، علقت شركة تويتر مؤخرًا حساب ترامب، بشكل دائم بسبب وجود خطر لاستغلاله في التحريض على المزيد من العنف بحسب وصفها، وتحديدًا بعد أن تسببت تغريداته ومنشوراته في حدث استثنائي لم تشهده الولايات المتحدة منذ نحو 150 سنة، حينما اقتحم أنصاره مقر الكونجرس الأميركي الأسبوع الماضي.

وقد أثارت هذه الخطوة ردود أفعال متباينة ما بين مؤيد ، ومعارض لمعرفة مدى أحقية مواقع التواصل في فرض رقابتها على المستخدمين، ومنعهم من التعبير عن آرائهم، وإيصال أصواتهم بحرية، لا سيما إذا تعلق الأمر برئيس البلاد.

فعلى مواقع التواصل سارع آلاف من النشطاء المؤيدين لقرار “تويتر”، بإطلاق وسم “ترامب المحظور”، ليتصدر قائمة الموضوعات الأكثر تداولًا حول العالم لعدة ساعات.

ووصف البعض الآخر القرار بالخطوة “المتأخرة”، والتي كان يجب اتخاذها منذ سنوات للحد من انتشار ما وصفوه بـ”سياسات الرئيس المتهورة وخطاباته التحريضية”.

وكان من بين هؤلاء، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، هيلاري كلينتون، والتي عبرت عن فرحتها بحظر حساب ترامب نهائيًا، عبر حسابها الرسمي بـ”تويتر”، حيث اكتفت بوضع علامة “صح” على تغريدة قديمة كانت قد حثت فيها ترامب على حذف حسابه.

بدورها علقت العضوة في الحزب الديمقراطي روبن كيلي على القرار قائلة: “خطوة طال انتظارها وتستحق الثناء.. يجب أن تتحمل شركات التكنولوجيا مسؤولية خطابات كراهية والمعلومات المضللة المنتشرة عبر منصاتها.. هذه خطوة مهمة نحو المساءلة”.

في المقابل، أعرب بعض رؤساء الدول والحكومات عن استيائهم من اتخاذ مثل هذه الخطوة، التي اعتبرها البعض تهديدًا للديمقراطية في العالم، إذ اعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن قرار حجب حساب ترامب يطرح “إشكالية كبيرة”.

يقول شتيفن شيبرت، المتحدث باسم ميركل، خلال مؤتمر صحافي، أمس الإثنين: “من الممكن التدخل في حرية التعبير لكن وفق الحدود التي وضعها المشرع وليس بقرار من إدارة شركة”.

ويضيف : “لهذا السبب ترى المستشارة أن إغلاق حسابات الرئيس الأميركي على شبكات التواصل الاجتماعي بشكل نهائي، يطرح إشكالية”، مؤكدًا على أن “حرية التعبير حق جوهري له أهمية أساسية”.

وأعرب المتحدث باسم الحكومة الفرنسية غابرييل أتال، عن عدم ارتياحه للقرار، قائلًا: “أنا غير مرتاح لهذا القرار، وخاصة مع غياب معايير واضحة ومحددة”.

أما وزير الاقتصاد​ والمالية الفرنسي برونو لومير، فقد اعتبر أن هذا القرار كان “صادمًا”، لأنه يدل على تحكم جماعة صغيرة بالإنترنت الرقمي، وبالتالي فإن ذلك يهدد الدول والديمقراطية في ​العالم​”، مضيفًا: “أن يكون مدير تنفيذي قادرًا على إطفاء منبر (ترامب) من دون أي ضوابط، مسألة تثير الحيرة”.

حركة «كيو أنون» ونظرية المؤامرة

لم تضع المنصة الاجتماعية في اعتبارها اشتعال النقاش أوروبيًا حول مدى إمكانيتها أو غيرها من المنصات الافتراضية إلغاء حساب ترامب أو غيره، بل زادت الأمور تعقيدًا، بالإعلان عن حذف 70 ألف حساب يدعم الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، وينشر محتوى مشبعًا بنظريات المؤامرة، على حد وصفها.

إذ قالت المنصة في بيان رسمي لها، مساء أمس الإثنين، إنها أوقفت منذ الجمعة 01/12 أكثر من 70 ألف حساب كان مكرس في الأساس لمشاركة محتوى حركة “كيو أنون” اليمينية الداعمة لترامب، التي تؤمن بنظريات المؤامرة، وذلك بعد أعمال العنف التي شهدتها واشنطن الأسبوع الماضي.

وعن النظرية التي تروج لها الحركة، فتقول ببساطة أن ترامب يحاول كشف القناع عن مجموعة من الأشخاص الخطرين الذين يعتنقون عقائد وثنيه، ويتورطون في ممارسات لها علاقة بالمتاجرة بالأطفال عالميًا، ومن بين هؤلاء سياسيين وفنانيين مشاهير من حول العالم.

ورغم أن الرئيس الأمريكي كان قد نفى من قبل أي معرفة له بنظرية المؤامرة تلك التي تزداد شعبيتها يومًا بعد يوم، مؤكدًا في عدد من المؤتمرات الصحفية، إنه لا يعلم شيئًا عنها، إلا أن ما حدث بشأن قرارات تويتر الأخيرة تجاه روادها، قد يصب في مصلحته بشأن حربه مع الشركة.

فبصرف النظر عن ما تدعو له المؤامرة، إلا أن مستخدموا الإنترنت حول العالم يتساءلون إذا ما كان من الأفضل صدور تلك القرارات عن جهة قضائية؟

ويرى متابعون، إن قرارًا مثل قرار إلغاء حساب رئيس دولة عظمى، يجب أن يصدر عن محكمة لا عن مجلس إدارة شركة خاصة، مدافعين عن مقترحات الاتحاد الاوروبي الأخيرة لفرض مزيد من الرقابة على شركات التكنولوجيا الكبرى، لعدم التعرض لانتهاكات الخصوصية.

على خط الأزمة

2 7

وفي الوقت الذي تبرر فيه تويتر قرارتها بحذف حساب ترامب، و70 ألف آخرين من أنصاره، بحجة تحريضهم على العنف، ومخالفة قواعد المنصة الداخلية، أعلنت شركة “فيس بوك” هي الأخرى تعليق حساب ترامب إلى أجل غير مسمى الأسبوع الماضي، بالإضافة إلى إزالة المحتوى الذي يشتمل على عبارة “أوقفوا السرقة”، إذ تواصل شركات التكنولوجيا حملة غير مسبوقة على نظريات المؤامرة التي شجعت على أعمال الشغب في مبنى الكونجرس الأسبوع الماضي.

في هذا الصدد قالت شركة “فيس بوك” إنها ستزيل المحتوى الذي يحمل عبارة “Stop the Steal” من على منصتها، نظرًا “إلى المحاولات المستمرة لتنظيم حركات ضد نتيجة الانتخابات الرئاسية الأمريكة التي يمكن أن تؤدي إلى العنف.

وكانت تلك العبارة قد استخدمت من قبل المتورطين في أعمال العنف يوم الأربعاء في واشنطن، بحسب بيان الشركة.

ودعمًا للإجراءات غير المسبوقة التي اتخدتها بعض المواقع وكبرى شركات التكنولوجيا تجاه حركة “كيو أنون”، قالت “أمازون” أكبر متاجر التجزئة القائمة على الإنترنت في العالم، الإثنين، إنها تعمل على إزالة بعض منتجات “كيو أنون” من سوقها على الإنترنت، مستشهدة بسياسات تحظر العناصر المسيئة أو غيرها من المحتويات غير الملائمة.

وكان المتجر، قد خضع للتدقيق بسبب عرض ملابس تحمل شارة “QAnon”، والكتب ذات الصلة للبيع بعد أيام من انضمام متابعي الحركة إلى حصار مبنى الكابيتول الأمريكي.

مظاهرات أمام مقر «تويتر»

1 3

لم تمر كل هذه التطورات مرور الكرام، إذ لبت حفنة من أنصار ترامب دعوة للتظاهر أمام مقر “تويتر” في سان فرانسيسكو؛ احتجاجًا على قرار إغلاق حساب الملياردير الجمهوري، لتشتعل الأمور وتزداد تعقيدًا، لاسيما قبل أيام قليلة من تنصيب الرئيس المُنتخب جو بايدن رئيسًا للبلاد.

كانت هذه الدعوات قد تناقلها مؤيدين لترامب، خلال نهاية الأسبوع الماضي، على منتدى إلكتروني يرتاده اليمين المتطرف (ذي دونالد دوت وين)، للحث على التجمع أمام مقر الشركة.

ووفقًا لصحيفة “سان فرانسيسكو كرونيكل” فإن بعض الداعين للتظاهرة طلبوا من الراغبين بالمشاركة فيها أن يجلبوا معهم أصفادًا بلاستيكية لتنفيذ عمليات اعتقال وهمية.

ويبقى السؤال هل تفتح هذه الإجراءات التي قامت بها كل من فيسبوك وتويتر بابًا جديدًا لقمع الحريات من جانب مواقع التواصل الإجتماعي، أما أنها ستكون بمثابة زوبعة في فنجان تنتهي بانتهاء الحدث الكبير

ربما يعجبك أيضا