الصراع السياسي في إسرائيل.. حكم الفرد وجنون العظمة!

محمد عبد الدايم

كتب – د. محمد عبدالدايم

تكفلت الجائحة بتحويل مسار الديمقراطية الإسرائيلية إلى صراع جنون العظمة، هكذا يمكن باختصار وصف الحالة التي تعيشها السياسة الإسرائيلية بعد حل الكنيست والدعوة لانتخابات جديدة في مارس المقبل.

يتبقى أقل من شهر على إغلاق القوائم المتنافسة في الانتخابات الرابعة في عامين، ومع ذلك لم تعلن الأحزاب الإسرائيلية عن موعد لإجراء الانتخابات الداخلية، لاختيار رؤسائها أو ترتيب القوائم الحزبية، وبدلا من هذا انبرى الساسة – القدماء والجدد- لتدشين مشاريع فردية.

في ظل الكورونا، والإغلاق الكلي الثالث الذي بدأ بالتزامن مع تلقيح الجمهور الإسرائيلي، لم ينظم أي حزب حتى الآن جولات ميدانية في الشوارع والأسواق، أو مؤتمرات لحشد الجماهير واستعادة ثقتهم، وبالكاد اكتفى البعض بالتواصل الاجتماعي عبر مواقع الإنترنت وتطبيق زووم.

אוהלי קורונה שיבא ליד המיון 1

ديمقراطية زائفة

الملاحظ أن “الديمقراطية” الإسرائيلية التي يتغنى بها الساسة منذ 1948 تبدو وكأنها قشرة خارجية بدأت تسقط منذ عدة سنوات، لتبدو الحقيقة المتمثلة في حكم الفرد الواحد للحزب، ومن ثم حكم فردي للدولة، فالمنافسة داخل الأحزاب أصبحت شكلية، وتخدم الصورة العامة لرئيس الحزب، دون أن تؤسس لحياة حزبية حقيقية قائمة على المؤسسات السياسية وحكم الجماهير، وإنما تنهض على إجراءات المراوغة واستلاب انتباه الجمهور الإسرائيلي الذي يعاين فساد مؤسسات الحكم والسياسة، وترنح الاقتصاد وطأة جائحة كورونا.

F200304OF15 1024x640 1

هاليكود والملك بيبي

2966488 46

حزب هاليكود الحاكم، الذي يصفه المنتسبون إليه بأنه “الحزب الديمقراطي الوحيد الحقيقي في إسرائيل”، قرر الموافقة بأغلبية ساحقة على اقتراح رئيسه بنيامين نتنياهو بإلغاء الانتخابات التمهيدية التي من المفترض أن تحدد رئيس الحزب وترتيب قائمة المتنافسين قبل أية انتخابات للكنيست.

لكن منذ فبراير 2019 لم تجر انتخابات داخلية في حزب هاليكود، ليضمن نتنياهو بقاءه في المرتبة الأولى للمتنافسين في الانتخابات المقبلة، ولم يُعلن بعد عن آلية “ديمقراطية” لترتيب الأعضاء بدءًا من المرتبة الثانية، ومن المفهوم أن هذه القائمة يحدد نتنياهو بنفسه ترتيب أعضائها، وبالتأكيد يضم فيها أهل الثقة بالنسبة له.

ما يزال نتنياهو قابضًا على حزب هاليكود، لكنه يسعى لاستيعاب شباب الحزب، خوفا من انسحابهم خلف جدعون ساعر، الذي حزب جديد باسم “تكفا حدشا” (أمل جديد)، وتبعه عضو الحزب مئير يتسحاق هاليفي، رئيس بلدية إيلات، وشارين هاسكيل (36 عامًا) التي تبوأت منصب نائب رئيس الكنيست، ومؤخرًا أعلنت انشقاقها عن هاليكود وانضمامها لساعر، إضافة إلى ميخال شير (41 عامًا).

استطاع نتنياهو التخلص من منافسة ساعر في الانتخابات التمهيدية للحزب، لكنه الآن يسعى للتخلص من أذناب غريمه داخل الحزب، واكتساب رضا قواعد هاليكود من الشباب تحديدًا، وفي الوقت نفسه يفكر في منافسه الذي دشن حزبًا بعد انشقاقه بهدف “إزاحة بيبي” عن منصة رئاسة الوزراء.

ما يزال نتنياهو يعتمد على كل من حاييم كاتس رئيس اللجنة المركزية لهاليكود، ويسرائيل كاتس، سكرتير الحزب ووزير المالية، واستطاع مع الثنائي تمرير قرار إلغاء الانتخابات التمهيدية للحزب، وهو القرار الذي يخالف دستور الحزب، وكان يستلزم لاتخاذه موافقة ما يقرب من 3000 عضو، لكن جائحة الكورونا وفرت لبيبي الغطاء لتمرير القرار، بموافقة 100 عضو فقط، معظمهم من اللجنة المركزية الموالية تماما لنتنياهو.

لم يلق قرار إلغاء الانتخابات التمهيدية قبولا لدى بعض الأعضاء المخضرمين بالحزب، خصوصًا من يسعون للتواجد في مراتب متقدمة بالقائمة المتنافسة في انتخابات الكنيست، ولكن تتضاءل فرص هؤلاء في تغيير القواعد التي يضعها نتنياهو، كلما اقترب موعد إغلاق باب تقديم قوائم المتنافسين في 4 فبراير المقبل، وهو ما يعني أن بيبي يتحكم – مع المقربين منه- في اختيار القائمة النهائية للحزب والتي تدخل انتخابات الكنيست، وتخدم الكورونا بيبي بتأجيل محاكمته في قضايا فساده.

هاعفودا يتجه للنسيان

50546

على جانب آخر، ورغم إعلانه عدم ترشحه عن رئاسة الحزب في الانتخابات المقبلة، فإن عمير بيرتس رئيس حزب هاعفودا هو الآخر قد قرر إلغاء الانتخابات التمهيدية لحزبه، وقصرها على انتخابات مصغرة بين 3000 مندوب فقط، لكن الأمر أثار غضبا عارمًا، وصل إلى رفع قدماء الحزب قضايا أمام المحكمة الجزئية، والتي حكمت بإلغاء قرار بيرتس، وإجراء انتخابات تمهيدية لشاغلي المناصب داخل الحزب.

تقف ميراف ميخائلي في مواجهة بيرتس، المذيعة التلفزيونية والصحفية التي تنافس على رئاسة حزب هاعفودا، تنادي بضرورة إجراء انتخابات تمهيدية للحزب، رغم أن استطلاعات الرأي تشير نتائجها إلى احتمالية عدم تحقيق هاعفودا نسبة الحسم التي تؤهله لدخول الكنيست، لكن ميخائلي تأمل في تحفيز الديمقراطية داخل الحزب، بما يساهم في عودة رونقه بتدفق السياسة بين عروقه مجددًا.

تجد ميخائلي منافسة قوية على رئاسة حزب هاعفودا، تتمثل في ايتسيك شمولي وزير العمل السابق، وداني عطار الرئيس السابق للصندوق القومي لإسرائيل، لكنها كذلك تواجه إصرار عمير بيرتس على عدم إجراء انتخابات داخلية موسعة تشمل كوادر الحزب، والجميع ينتظرون الحكم النهائي للمحكمة الجزئية في 24 يناير المقبل.

78886938972095640360no

ميرتس وفشل اليسار في الوجود

الأمر في حزب حزب ميرتس اليساري لا يختلف كثيرًا عن هاليكود وهاعفودا، فبدلا من إجراء انتخابات تمهيدية داخلية على رئاسة الحزب، توصل كبار المسئولين إلى اتفاقيات مبكرة قُدمت إلى اللجنة المركزية للحزب، وأُعلن أنها جاءت بموافقة “أغلبية” عبر تصويت إلكتروني، بسبب جائحة كورونا، وجاءت نتيجة هذا التصويت لصالح استمرار نيتسان هورفيتش في رئاسة الحزب، فيما تم تجميد اختيار قائمة الحزب المشاركة في الانتخابات المقبلة.

3116768 46

طوفان الأحزاب الجديدة

أحزاب جديدة تنضم إلى المنافسة على انتخابات 2021، جدعون ساعر المنشق عن هاليكود وحزبه “تكفا حدشا” (أمل جديد)، رون حولداي، رئيس بلدية تل أبيب،  وحزبه “هايسرائيليم” (الإسرائيليون)، عوفر شيلح المنشق عن “ييش عاتيد” (يوجد مستقبل) وحزبه “تنوفا” (هِمّة)، ويارون زليخا الخبير الاقتصادي وحزبه “هامفلجا الكلكليت” (الحزب الاقتصادي)، وقطب هاعفودا سابقًا داني يتوم وحزبه “الجملائيم” (المتقاعدون)، وربما يرتفع العدد قبل إغلاق باب التقدم بالقوائم، هذا بخلاف أحزاب قائمة وتعمل لخدمة تلميع قادتها، “يسرائيل بيتينو” (إسرائيل بيتنا) برئاسة أفيجادور ليبرمان، ييش عاتيد برئاسة يائير لابيد، وتكتل “يامينا” (إلى اليمين) برئاسة نفتالي بينت، وغيرها من الأحزاب والتكتلات.

2929803 46

إجو Ego وجسور محترقة

الصورة العامة تُظهر كميات من الإجو Ego، من الجسور المحترقة بين حلفاء الأمس، من عدم المنطق السياسي، عداء بين نتنياهو وبين الجميع، ما عدا كتل الحريديم واليمين الديني، خصومة بين يائير لابيد وبيني جانتس بعد تشكيل الحكومة الأخيرة وخروج كاحول لافان من حلف ييش عاتيد- تيلم، خصومة بين هاعفودا وميرتس، بعد موافقة عمير بيرتس على الانضمام لحكومة نتنياهو- جانتس.

خصومة وعداء، أداء تمثيلي أمام الكاميرات، كل حزب يتحرك بمفرده، وكل رئيس حزب يؤسس لحكم الفرد، كل سياسي يعلن أنه سينافس بمفرده حتى النهاية، كل سياسي يعد بحل مشكلات الإسرائيليين، قبيل حدث انتخابي مُكرر يبدو وكأنه قائم على جنون العظمة.

فقاعات ترتفع وتنفقئ

بدلا من معالجة المشكلات التي ظهرت في البنية الداخلية للأحزاب القائمة، سواء في اليمين أو الوسط أو اليسار الإسرائيلي، عبر إجراءات ديمقراطية داخلية حقيقية، تبنى الساسة – القدماء والجدد- طريقة جديدة للمنافسة الحزبية والسياسية، عبر إنشاء المزيد من الأحزاب، التي ظهرت وكأنها شركات خاصة، تسعى لبناء مشاريع نجاح فردية لأصحابها، دون الالتفات للمواطن الإسرائيلي، مجرد فقاعات حزبية، تفتت الأصوات الانتخابية، ترتفع سريعًا، وتنفقئ سريعًا مع إعلان حكومة ائتلافية قائمة على مصالح ذاتية، والماضي القريب يشهد على سرعة اختفاء مثل هذه الكيانات، “قاديما” (إلى الأمام) برئاسة شارون وبعده أولمرت وتسيبي ليفني التي أسست بعده حزب “هاتنوعا” (الحركة) وانزوت، وموشيه كحلون وحزبه “كولانو” (كلنا) وانضم إلى هاليكود، و”حوسن ليسرائيل” (مناعة لإسرائيل) برئاسة بيني جانتس، وتحول إلى “كاحول لافان” (أزرق أبيض)، والآن ينفرط عقده سريعا، و”يسرائيل ديمقراطيت” (إسرائيل ديمقراطية) برئاسة إيهود باراك، وسرعان ما اختفى، و”هايمين هاحداش” (اليمين الجديد) برئاسة نفتالي بينت ومعه أييلت شاقيد، و”تيلم” (حركة قومية رسمية” برئاسة موشيه يعلون، و”جيشر (الجسر) برئاسة أورلي ليفي أفيقاسيس، والقوس مفتوح بعده، من الآن، وحتى نتيجة الانتخابات المقبلة في مارس.

ربما يعجبك أيضا