بين عجز قياسي ونمو متواضع.. الاقتصاد الأمريكي رهينة لدى كورونا

ولاء عدلان

رؤية

كتبت – ولاء عدلان

يثقل الفيروس التاجي كاهل الولايات المتحدة بشكل غير مسبوق خلال هذه الفترة، فأول أمس حصد أرواح 4197 أمريكيا، وهي حصيلة قياسية تعد أكبر عدد وفيات يتم تسجيله في يوم واحد منذ بداية الجائحة، هذا على الرغم من أن أمريكا تعد من أولى البلدان التي أطلقت حملة وطنية للتطعيم ضد كورونا وحتى اللحظة حصل أكثر من 9 ملايين مواطن على جرعتهم الأولى من اللقاح، في حين تم توزيع أكثر من 27 مليون جرعة في كافة الولايات.

 وكما يثقل كورونا كاهل المواطنين والقطاع الصحي في أمريكا، يواصل أيضًا الضغط على حركة الاقتصاد الوطني وميزانية الدولة، بحسب بيانات وزارة الخزانة الأمريكية الصادرة، أمس، بلغ عجز الموازنة 143.5 مليار دولار خلال شهر ديسمبر الماضي، مقارنة بعجز 13.2 مليار دولار في نفس الفترة قبل عام واحد!

عجز قياسي بفعل تداعيات “كوفيد-19”

هذا العجز قفز خلال أول ثلاثة أشهر من العام المالي الجديد الذي بدأ في أكتوبر الماضي، إلى مستوى قياسي بلغ 572.9 مليار دولار، بزيادة 61% مقارنة بمستوياته قبل عام، إذ بلغ إنفاق الحكومة الفيدرالية  خلال الفترة من أكتوبر إلى ديسمبر نحو 1.37 تريليون دولار، مقابل إيرادات بلغت 803.3 مليار دولار.

يعود الجزء الأكبر من عجز الموازنة الأمريكية إلى زيادة الإنفاق المرتبط بالحد من التداعيات الاجتماعية والاقتصادية لـ”كورونا”، ففي الشهر الماضي وافق الكونجرس على حزمة تحفيز مالي جديدة بقيمة 900 مليار دولار، وتم دمج هذا الرقم مع فاتورة إنفاق حكومي ضخمة قيمتها 1.4 ترليون دولار لتمويل الوكالات الفيدرالية للعام المالي الجديد.

وتعد هذه الحزمة هي ثاني أكبر حزمة تحفيز يقرها الكونجرس لمساعدة الاقتصاد والأسر في ظل كورونا، بعد حزمة بنحو  2.3 تريليون دولار أقرها في مارس الماضي.

الإنفاق الضخم من أجل إنقاذ الاقتصاد والشركات والأسر من براثن كورونا، دفع الموازنة الأمريكية لتسجيل عجز قياسي خلال السنة المالية 2020 بلغ 3.132 تريليون دولار، وهو ما يزيد عن ثلاثة أمثال العجز في 2019، وأكثر من مثلي الرقم القياسي البالغ 1.416 تريليون دولار المسجل في السنة المالية 2009 عندما كانت واشنطن في قلب الأزمة المالية العالمية، تجدر الإشارة إلى أن الحكومة الأمريكية كانت تتوقع عجزا خلال 2020 بنحو تريليون دولار، لكن هذا قبل تفشي فيروس كورونا وإجراءات الإغلاق العام التي أعلنتها مارس الماضي.

نمو متواضع

أمام هذا العجز في الموازنة حركة الاقتصاد الأمريكي أيضا ليست بخير لتعالجه على النحو المطلوب، فبحسب ما كشفه تقرير صدر، أمس، عن المركزي الأمريكي، النشاط الاقتصادي سجل نموا متواضعا خلال الأسابيع الأخيرة، في ظل فرض مزيد من إغلاقات الشركات بسبب تفشي كورونا غير المسبوق.

وأكد الاحتياطي الفيدرالي أن عددا متزايدا من مناطق بنوكه الفرعية شهد تراجعا في معدلات التوظيف خلال الأسابيع الأخيرة، في مؤشر على أن ارتفاع معدلات الإصابة بالفيروس التاجي نال بشكل قوي من التفاؤل الذي أشاعه بدء توزيع اللقاحات على الصعيد الوطني.

وقال التقرير: رغم أن أمل اللقاحات عزز تفاؤل الشركات حيال النمو في 2021، فقد نال من هذا التفاؤل انتشار الفيروس بسرعة أكبر في الآونة الأخيرة وتداعيات ذلك على أوضاع الشركات في المدى القريب، لافتا إلى تراجع النشاط الاقتصادي في بعض مناطق بنوكه، للمرة الأولى منذ مايو الماضي.

وفي مطلع يناير الجاري، توقع البنك الدولي أن ينمو الناتج المحلي الأمريكي بنحو 3.5% خلال 2021، بعد أن سجل انكماشا بنحو 3.6% خلال 2020، وحذر من أن تداعيات الجائحة ستكون طويلة المدى ليس فقط على الاقتصاد الأمريكي بل على الاقتصادي العالمي ككل ما لم يتحرك صانعو السياسات بحسم لمواجهتها وتطبيق إصلاحات لدعم الاستثمار.

هذا يعني أن الاقتصاد الأمريكي ما زال في دائرة الخطر وقد يشهد انكماشا جديدا هذا العام، ما لم يحمل الرئيس الجديد جو بايدن في جعبته حلولا ناجعة تنقذ الشركات والأسر وفي نفس الوقت تعالج عجز الموازنة، وبحسب ما هو معلن بايدن يعتزم تمرير حزمة تحفيز جديدة تقدر بتريليونات الدولارات لرفع مدفوعات التحفيز للأمريكيين من 600 دولار إلى ألفي دولار وتمديد إعانات البطالة ومعالجة التدهور الاقتصادي وتسريع عمليات التطعيم ضد الوباء، ويقول إنه سيعزز إيرادات الخزينة الأمريكية عبر خطط إصلاح ضريبي ستسهم في جمع نحو 4 تريليونات دولار، لكن يظل الأمر مرهونا بسرعة انتشار الوباء فبالأمس فقط سجلت أمريكا نحو 230 ألف إصابة جديدة وأكثر من 3900 وفاة، ومع استمرار هذه الوتيرة من الإصابات والوفيات فإن الاقتصاد سيتضرر بشدة وسيكون هناك المزيد من العاطلين عن العمل، ولن تجدي نفعا كافة حلول الرئيس الجديد سوى في تقليل وتيرة تباطؤ الاقتصاد عبر الضغط على موازنة الدولة، أما عودة معدلات النمو إلى طبيعتها فتبدو أمرا بعيدا على المدى القصير والمتوسط.

ربما يعجبك أيضا