تطورات المشهد الأمريكي.. الانتقال من مرحلة «الاضطراب» إلى «التدمير»!

أميرة رضا

كتبت – أميرة رضا

أحداث قد تكون متشابهة يشهدها العالم السياسي في معظم بلدن العالم من احتجاجات ومظاهرات، وعادة ما تنتج عن تضارب حقيقي، أو منافسة في الاحتياجات والمصالح على السلطة أو المزايا وغيرها، ويعد هذا أمر طبيعي، ولكن عندما تتحول تلك الاضطرابات السياسية، إلى مشروع تخريبي هنا يبدأ الخطر الحقيقي وتبدأ الألعاب السياسية غير النظيفة في اتخاذ مسارات قد تزيد من أخطار المواقف المستقبلية المحتملة.

فعلى الساحة الأمريكية، لم يكن المشهد الغوغائي الذي تصدره شخص مفتول العضلات يرتدي خوذة بقرني ثور مع فرو متدل من الجهتين، وقد امتلأ جسده بالوشوم، ولون وجهه بألوان العلم الأمريكي، هو المتصدر لتطورات المشهد الحالي بعد اقتحام ساحات وقاعات مبنى الكابيتول بواشنطن فحسب، بل كان نذيرًا بزيادة التعقيدات لاسيما بعد تسريب معلومات أفادت بأن ذلك لم يكن إلا ستارًا يختبئ ورائه تنظيم خطط لأسر واغتيال العديد من المسؤولين المُنتخبين في حكومة الولايات المتحدة، مما طرح التساؤل حول ما إذا كانت هذه الأحداث ستنتقل من مرحلة الاضطراب إلى مرحلة التخريب و التدمير؟!

فصل جديد في تاريخ المسيرة الأمريكية

الحدث الاستثنائي الذي لم تشهده الولايات المتحدة منذ نحو 150 عامًا، كان بمثابة فصل جديد في تاريخ المسيرة الأمريكية، خاصة وأن هذه الأحداث لم نشاهدها كثيرًا في بلد “أم الحريات” كما يقال عليها، الأمر الذي ترتب عليه جدل كبير في أروقة الحكومة والكونجرس، خاصة مع مطالبات بتفعيل التعديل رقم 25 في الدستور الأمريكي الذي يُمكن من عزل الرئيس، وقد كان، ليصبح الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، أول رئيس أمريكي يتم عزله مرتين من قبل مجلس النواب.

قرار عزل ترامب جاء من قبل تصويت مجلس النواب، بواقع 232 صوتًا مؤيدًا، فيما عارض القرار 197، وسبق وأن تعرض ترامب لمحاولة عزل في ديسمبر 2019 بتهمة إساءة استخدام السلطة وعرقلة عمل الكونجرس بسبب تعاملاته مع أوكرانيا لفتح تحقيق بشأن المنافس السياسي جو بايدن، لكن ترامب أفلت من العزل بعد تبرئه مجلس الشيوخ له في فبراير 2020، مدعوم بأصوات الجمهوريين.

تطورات المشهد لم تتوقف عند عزل ترامب، على خلفية التحريض على التمرد، بعد أن دعا حشدًا من أنصاره على اقتحام مبنى الكابيتول فحسب، ولكن كشف الادعاء الاتحادي الأمريكي، اليوم الجمعة، عن تفاصيل جديدة لحصار مبنى الكونجرس، قائلًا في مذكرة مقدمة إلى المحكمة “إن مثيري الشغب المناصرين للرئيس المنتهية ولايته كانوا يعتزمون أسر واغتيال مسؤولين منتخبين، في حكومة الولايات المتحدة”.

التهديدات تتزايد.. اغتيالات وتمرد

في الوقت الذي رفعت فيه، وزارة العدل الأمريكية، أكثر من 80 قضية جنائية تتعلق بأحداث العنف التي شهدتها أحداث الكونجرس، طالب الادعاء الأمريكي، اليوم، في مذكرته إصدار أمر باحتجاز جيكوب تشانسلي، الذي أشرنا عنه من قبل، بعدما تداولت صورته على مواقع التواصل الاجتماعي، عندما وقف على مكتب مايك بنس نائب الرئيس في مجلس الشيوخ، مشيرًا إلى أنه مدمن مخدرات ويعاني خللًا عقليًا واحتمال هروبه من العدالة قوي.

وتشانسلي من سكان أريزونا، ويُعد من مروجي نظريات المؤامرة، وتطرقت المذكرة التي كتبها محامو وزارة العدل في أريزونا إلى تفاصيل أكبر عن تحريات مكتب التحقيقات الاتحادي في أمره، كاشفة أنه ترك ملحوظة مكتوبة لبنس يحذر فيها من “أنها مجرد مسألة وقت.. العدالة قادمة”.

وجاء في مذكرة الادعاء “دلائل قوية من بينها كلمات تشانسلي نفسه وأفعاله في الكابيتول تدعم فكرة أن نية محدثي الشغب كانت تستر ورائها أفكارًا تنظم لأسر واغتيال هؤلاء المسؤولين.

وقال الادعاء إن الاتهامات “تشمل المشاركة الفعلية في تمرد يسعى للإطاحة من خلال العنف بحكومة الولايات المتحدة” وحذر من أن “التمرد لا يزال قائمًا”، في الوقت الذي تتخذ فيه أجهزة إنفاذ القانون استعداداتها لاحتمال حدوث مزيد من المظاهرات في واشنطن وعواصم الولايات.

يأتي هذا في الوقت الذي بدأ فيه المدعون وأجهزة اتحادية توجيه اتهامات أشد خطورة مرتبطة بما وقع من عنف، ومنها الكشف، أمس الخميس، عن قضايا تتهم رجل الإطفاء المتقاعد روبرت سانفورد بإلقاء مطفأة على رأس شرطي.

كذلك اتهمت شخص آخر يدعى بيتر ستيجر بضرب شرطي آخر بقائم عليه العلم الأمريكي.

مخاطر أمنية قبيل تنصيب بايدن

من خلال هذه التطورات، في ظل ما تشهده الساحة الأمريكية حاليًا من قلق وتوتر وانقسامات داخلية، وقبيل أيام قليلة من تنصيب المرشح الديمقراطي المُنتخب، جو بايدن، وبالقياس إلى تهور شخصية ترامب، وخاصة بعد حزمة الإجراءات المتخذه تجاهه الفترة الأخيرة، فهناك تخوف يسيطر على الأجواء، بشأن توقع أعمال عنف أو اضطرابات أمنية، قد يكون من مصلحتها تعكير الأجواء خلال حفل تسليم السلطة في 20 يناير الجاري، أو حتى تهدف لمنع إقامته من الأساس.

وفي هذا السياق، وسعت وزارة العدل، حملة اعتقالاتها للأشخاص المشكوك في أمرهم، وصلتهم بأحداث اقتحام الكونجرس، إذ قال كريستوفر راي، مدير مكتب التحقيقات الاتحادي الأمريكي، أمس الخميس، إن المكتب اعتقل ما يربو على مئة شخص فيما يتعلق بحصار “الكابيتول”، وإنه يتحرى الآن أفراداً من المحتمل أن يهددوا تنصيب الرئيس المنتخب جو بايدن بعد عدة أيام.

وقال راي في إفادة خاصة لمايك بنس نائب الرئيس المنتهية ولايته بخصوص تأمين مراسم التنصيب: “نتحرى أمر أفراد ربما يتطلعون إلى تكرار العنف الذي شهدناه الأسبوع الماضي”.

وأضاف: “حددنا أكثر من 200 مشتبه به منذ السادس من يناير فحسب لذلك فنحن نعلم من أنتم وعملاء مكتب التحقيقات الاتحادي في طريقهم للعثور عليكم”.

مايك بنس.. وتعهدات كبيرة

تعهد مايك بنس، نائب الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، في أول ظهور رسمي له، بعد أن كان واحدًا من كبار المسؤولين الأمريكيين الذين اضطروا للاختباء خلال هجوم الأسبوع الماضي، بضمان إجراء حفل تنصيب “جو بايدن” في أجواء آمنة.

جاء ذلك في تصريحات أدلى بها “بنس”، الخميس، خلال زيارة الوكالة الفيدرالية لإدارة الطوارئ (FEMA) بواشنطن؛ للوقوف على التدابير الجاري اتخاذها من أجل حفل تنصيب بايدن.

وقال بنس في تصريحاته: “لقد عشنا جميعا ذلك اليوم، السادس من يناير، وكما أوضح الرئيس أمس، نحن ملتزمون بانتقال منظم وتنصيب آمن.. الشعب الأمريكي لا يستحق أقل من ذلك”.

وقال إن بايدن ونائبته كاملا هاريس سيؤديان اليمين يوم 20 يناير كانون الثاني “بطريقة تتماشى مع تاريخنا وتقاليدنا وبطريقة تشرف الشعب الأمريكي والولايات المتحدة”.

ومن ثم التقى بنس بالعشرات من أفراد الحرس خارج مبنى الكابيتول، خلال اجتماع صغير، وقدم لهم الشكر على توفير الأمن قائلًا: “في مثل هذا الوقت المهم في حياة شعبنا”.

تدابير مشددة

وفي ذات السياق، أعلنت الخدمة السرية في واشنطن قائمة بالممنوعات المحظور اصطحابها خلال حضور حفل التنصيب، والتي “يمكن أن تسبب مخاطر على السلامة العامة”.

ومن بين تلك الممنوعات “المتفجرات، مؤشرات الليزر، رذاذ الفلف، البخاخات، الذخيرة، الطائرات بدون طيار، الأسلحة النارية، السوائل القابلة للاشتعال، العبوات الزجاجية أو الحرارية أو المعدنية”.

أما خطوط “المترو” فقد أعلنت عن تعديلات في خدمة الخطوط ضمن الاستعدادات الأمنية لحفل التنصيب اعتبارًا من الجمعة 15 يناير وحتى الخميس 21 يناير، مشيرة إلى إنها “ستغلق 13 محطة داخل المحيط الأمني، مع إغلاق 11 محطة يوم الجمعة ومحطتين إضافيتين يوم السبت، وتستمر حتى نهاية الخدمة يوم الخميس”.

وأضافت: “خلال هذه الفترة، تمر القطارات عبر المحطات المغلقة دون توقف”.

ومن جانبه، قال مدير عام الشركة “بول جيه فيدفيلد”: “نعمل عن كثب مع شركائنا الإقليميين والفيدراليين للحفاظ على سلامة الجمهور خلال حفل التنصيب.. بينما ندعم خطط إنفاذ القانون لتعزيز الأمن، فإننا نحتفظ أيضًا بالخدمات الأساسية لسكاننا الذين يحتاجون إلى العمل والمواعيد الطبية ومحلات البقالة”.

وأشار إلى أنه “سيتم تحويل 26 مسارًا للحافلات حول المحيط الأمني الموسع بدءًا من الجمعة وحتى الخميس”.

من جهتها، ستقوم القوات الأمنية بوضع حواجز خرسانية على العديد من الشوارع المتقاطعة على طول الشارع القريب من البيت الأبيض، وسيقوم ضباط الشرطة بفحص الأشخاص القادمين إلى وسط المدينة.

بدوره، أعلن القائم بأعمال قائد الشرطة في واشنطن “روبرت كونتي” أنه سيتم نشر ما لا يقل عن 20 ألف عنصر من الحرس الوطني في العاصمة من أجل تأمين المراسم.

كذلك حثت عمدة المدينة “موريل بوزر” المواطنين على عدم القدوم إلى منطقة وسط المدينة التجارية المركزية، التي تمتد تقريبًا من شرق مبنى الكابيتول إلى نصب لنكولن التذكاري وشمالًا إلى شارع ماساتشوستس، كما حثت الزائرين المحتملين على البقاء في منازلهم.

وقال مسؤولون إنه سيتم إغلاق العديد من مواقف السيارات بالقرب من مبنى الكابيتول والبيت الأبيض يوم حفل التنصيب، كما سيتم إغلاق مواقف السيارات الخاصة في البنايات السكنية القريبة من موقع الحفل.

وفي النهاية، ومع كل هذه التطورات، بما يشملها الخوف والترقب لما هو قادم بعد ترامب، فيمكننا القول إن التركيز على المشهد السياسي الداخلي في بلد “أم الحريات” وضع الولايات المتحدة تحت مجهر المجتمع الدولي، لكشف ما ستشهده واشنطن الأيام القادمة!

ربما يعجبك أيضا