تداعيات انسحاب روسيا من معاهدة «الأجواء المفتوحة»

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

بعد أشهر من انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة “الأجواء المفتوحة”، أعلنت روسيا انسحابها في خطوة مماثلة لما قامت به إدارة ترامب، وهو ما يثير المخاوف من صعوبة ضبط ومراقبة التسلح عالميًا وقد يشعل سباق التسلح النووي مع اقتراب آخر اتفاقية نووية بين موسكو وواشنطن من انتهاء العمل بها دون الاتفاق على تمديدها، فما مصير الاتفاقية؟ وكيف سينعكس ذلك على أمن واستقرار الدول الموقعة عليها؟ وكيف ستتعامل إدارة بايدن مع تلك التطورات؟

انسحاب روسيا: رد مماثل

في خطوة مماثلة لما قامت به الولايات المتحدة العام الماضي، أعلن وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف انسحاب روسيا من معاهدة الأجواء المفتوحة لمنظمة الأمن والتعاون الأوروبي، وهي اتفاقية متعددة الأطراف تسعى إلى الشفافية في الحد من التسلح.

وفي بيان لها، أعلنت الخارجية الروسية عن بدء إجراءات الانسحاب من المعاهدة، مُبررة ذلك بوجود “عقبات أمام استمرار عمل المعاهدة في الظروف الحالية”، خطوة جاءت ردًا على انسحاب أمريكا تحت مزاعم واهية وهو ما قد يلحق الضرر بفعاليتها.

وأوضحت موسكو أن الاتفاقية التي تسمح بعمليات المراقبة وجمع المعلومات باستخدام الطيران غير الحربي في أجواء الدول الأعضاء، قد أصبحت تمثل تهديدًا باختراق السيادة بعدما أعلنت واشنطن الانسحاب منها.

يذكر أن اتفاقية السماوات المفتوحة تم التوقيع عليها عام 1992 ودخلت حيز التنفيذ عام 2002، وقد صُممت لتعزيز الثقة بالقدرة على مواجهة الهجمات، وتسمح للدول الأعضاء بتسيير رحلات طيران غير مسلحة في أجواء بقية الأعضاء بعد إخطار سريع قصير الأمد بحيث تتمكن من تسيير طائرات مراقبة غير مسلحة لجمع المعلومات العسكرية وتحديد مواقع الأسلحة الثقيلة مثل الدبابات والمدفعية وبطاريات الصواريخ.

ويشارك في الاتفاقية أكثر من 30 دولة من بينها فرنسا وألمانيا وبلجيكا وإسبانيا، وقد صدقت أكثر من 26 منها على الاتفاقية في برلماناتها.

وشهدت السنوات الماضية نهاية عدة معاهدات لنزع الأسلحة أو مراقبة الأسلحة الموقعة بين البلدين الخصمين السابقين خلال حقبة الحرب الباردة.

ولم يبق ساريًا سوى معاهدة “نيو ستارت” التي وقعت في 2010 وتحد من الترسانتين للقوتين النوويتين إلى ما أقصاه 1550 رأسا حربية يسمح بنشرها لكل منهما، لكن هذه المعاهدة تخضع لضغوط مع اقتراب انتهاء العمل بها، ويبقى أمام واشنطن وموسكو مهلة حتى الخامس من فبراير القادم لتمديدها، وسط خلافات حول معظم القضايا الدولية واتهامات بتدخل في الانتخابات وتجسس وهجمات إلكترونية.

الاتفاقية وسباق التسلح

رغم انخفاض عدد الأسلحة النووية بشكل كبير عقب نهاية الحرب الباردة، إلا أن التهديد النووي يتزايد الآن مرة أخرى ففي العام الماضي، انهارت معاهدة حظر الصواريخ النووية متوسطة المدى الأرضية بين الولايات المتحدة وروسيا، كما أصبح مستقبل المعاهدة المركزية الثانية لنزع السلاح بين البلدين غير مؤكد، مع اقتراب انتهاء اتفاق خفض الأسلحة النووية الاستراتيجية.

وفضلا عن ذلك، يتم تحديث ترسانات الأسلحة النووية الحالية وهناك خطر متزايد من ظهور قوى نووية جديدة، في الوقت الذي أصبحت فيه اتفاقية حظر الأسلحة النووية الإيرانية على حافة الهاوية منذ انسحاب الولايات المتحدة في عهد الرئيس دونالد ترامب. وفي حالة تمكنت إيران من تصنيع قنبلة ذرية، فقد يؤدي ذلك إلى سباق تسلح نووي في المنطقة.

ولذلك، ظهرت دعوات تقودها ألمانيا بضرورة تغيير هذه السياسة وأنه يتعين إيجاد طريق إلى مسار الرقابة على التسلح النووي ونزع السلاح بشكل فعال ولهذا الغرض، تم تأسيس ما يسمى بمبادرة ستوكهولم في العام الماضي.

ويشدد الخبراء العسكريون على أهمية الحوار عندما يتعلق الأمر بالتهديدات الأمنية العالمية، لأن خطر الحرب النووية لا يزال قائما، في ظل وجود حوالي 15 ألف سلاح نووي حاليا مخزّن في تسع دول، مع وجود المئات في حالة تأهب قصوى وقدرة على الانطلاق في غضون دقائق.

وهنا تدفع المخاوف الغربية من احتمال توسع روسي في الأفق في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وحتى منطقة أوراسيا إلى اتهام موسكو بالعمل على إثارة سباق للتسلح بين دول العالم، خصوصا مع نشر الجيش الروسي منظومة دفاع متطورة على حدود البلاد الغربية في السنوات التي كان فيها ترامب رئيسا للبلاد.

وقد فرضت الولايات المتحدة مجموعة عقوبات على روسيا ردا على تلك الخطط وخصوصا بسبب عمليات القرصنة الإلكترونية واتهامات بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأميركية في 2016.

ويأتي تبادل الاتهامات بين البلدين في حين يتعين على الدبلوماسيين الروس والأمريكيين معالجة عدة ملفات لدى تولي بايدن مهامه بعد أسابيع وعلى رأس القائمة تجديد معاهدة “نيو ستارت” لنزع الأسلحة، في وقت يحذر فيه خبراء من انفراط عقد آخر معاهدة نووية، ما يطلق العنان لسباق تسلح جديد.

كيف ستتعامل إدارة بايدن؟

بحسب المحللين قد يكسب بايدن الكثير إذا حقق نجاحًا دبلوماسيا في الأسابيع الأولى من رئاسته، لكنه يخضع لضغط كبير من الطبقة السياسية الأمريكية التي تريد سياسة أكثر حزمًا تجاه روسيا.

ففي العام الماضي، دعا المشرعون الأمريكيون العام الماضي إلى معاقبة روسيا بسبب موجة هجمات إلكترونية استهدفت إدارات وشركات في الولايات المتحدة، ونسبت إلى موسكو. وكانت واشنطن فرضت أصلا عقوبات على موسكو في قضايا عدة، إلى جانب تبادل طرد دبلوماسيين.

لكن جيك ساليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس المنتخب، قال إن بايدن طلب من فريقه البدء في التفكير في تمديد “المعاهدة الجديدة للحد من الأسلحة الاستراتيجية”.

ويقول لوكا غريفث، الخبير في الشؤون العسكرية في تقرير نشره موقع “ديفنس نيوز”، إن إدارة بايدن مطالبة بتبني مقاربة واقعية لمفاوضات التسلح مع روسيا والصين، فقد كان الهدف المعلن للرئيس ترامب تحقيق سريع لاتفاق واحد يسيطر على جميع الأسلحة النووية الروسية والصينية بعيد المنال، وبالنظر إلى استعداد الرئيس بوتين للتحدث، يمكن للمسؤولين الأمريكيين أولا السعي إلى اتفاق ثنائي مع روسيا، وبعد ذلك يمكنهم متابعة اتفاق ثنائي مع الرئيس الصيني شي جين بينغ.

ولكن في حال انتهاء المعاهدة في فبراير القادم دون تمديد أو توقيع معاهدة جديدة ستكون هذه أول مرة -منذ ستينات القرن الماضي- لا توجد أي معاهدة لمراقبة والسيطرة على الأسلحة النووية بين أكبر قوتين في العالم، وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام سباق تسلح نووي لا أحد يمكنه أن يتوقع تداعياته.

ربما يعجبك أيضا