«مصالحة الضرورة»‎.. حراك سياسي لتسوية الخلافات بين حماس وفتح

محمود

رؤيـة – محمد عبدالكريم

القدس المحتلة – يتخوف الفلسطينيون من أن ما يجري من تحضيرات للانتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في 22 مايو/ أيار، ما هي إلا حلقة أخرى من حلقات المصالحة التي امتدت محاولات إتمامها إلى 14 عامًا من التناحر والانقسام، يفترض أن تتلوها انتخابات رئاسية في 31 يوليو/ تموز، والمجلس الوطني (برلمان منظمة التحرير) في 31 أغسطس/آب 2021.

وفي الثاني من شهر يونيو لعام 2014، شكلت حكومة وفاق وطني فلسطيني بعد مشاورات مع كافة الفصائل الفلسطينية، يرأسها رامي حمد الله، أملا وتحضيرا لانتخابات تنهي الانقسام، إلا أن هذه الخطوة المستندة إلى تفاهمات سابقة فشلت، فما الجديد في هذه المرة التي سبقت فيها العربة الحصان إذ يفترض أن تجري الانتخابات ثم تسوى الخلافات.

إعادة بناء المنظومة السياسية

تفيد المعلومات بأنّ دولاً إقليمية، إضافة إلى الاتحاد الأوروبي ومسؤولين في واشنطن، ضغطت على السلطة الفلسطينية في اتجاه إعادة بناء المنظومة السياسية، والسيطرة على قطاع غزّة، خصوصاً بعد النتائج التي أفرزتها الانتخابات الأميركية إذ إن عدم تطبيق هذه الخطوة يعقد مسألة التسوية السياسية.

وبحسب المعلومات فإنّ دولاً عربية منها مصر، وأخرى منها روسيا، ضغطت على “حماس” في اتجاه استعادة الوطنية، وإعادة بناء المنظومة السياسية، وشرحت لقيادة الحركة أنّ رفض القرارات يسبب لها عزلة ويضعها في مأزق عالمي، وأن ثمّة بدائل صعبة جداً مطروحة قد تطال سكان القطاع، وعليها تحمل ذلك.

إعادة تموضع وتكيف

ونقلت “القناة العبرية 20” عن مسؤول فلسطيني أن السلطة تلقت مؤخرا رسائل من مقربين من بايدن عبروا فيها عن رغبتهم بإجراء انتخابات وإقالة فاسدين.

وتدرك “حماس” مثل “فتح” والآخرين مغزى سقوط دونالد ترامب ونجاح جو بايدن، وهي تسعى لتأهيل نفسها على طريقة تناسبها بدعم من حلفائها، وخصوصًا قطر وتركيا والإخوان المسلمين، للاستعداد لتوليه سدة البيت الأبيض، أسوة بما فعل الرئيس والسلطة في رام الله حين أجرت سلسلة من التغييرات بدأت بإعادة العلاقات والتنسيق الأمني مع إسرائيل، ومرورًا بتغيير مرجعية وأسس التعامل مع الأسرى، ولم تنته بتبني موقف معتدل جدًا من استئناف العلاقات مع الإدارة الأميركية الجديدة لا يشمل دعوتها التراجع عن قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس، فضلًا عن القبول باستئناف المفاوضات من دون شروط كما صرح رياض المالكي وأكثر من “مسؤول فلسطيني رفيع” لمصادر إعلامية إسرائيلية وأجنبية، وذلك لضرب الحديد وهو ساخن، وإقناع سيد البيت الأبيض الجديد بالاهتمام بالقضية الفلسطينية بدلًا من وضعها في آخر سلم الأولويات، وكانّ الاهتمام وحده كافيًا، وليس ضمن أي سياق ولتحقيق أية أهداف.

إذًا، “حماس” هي الأخرى تراهن على التغيير الذي حصل في الولايات المتحدة، بدليل من عدم إصرارها على إلغاء الالتزامات المترتبة على اتفاق أوسلو كأساس للوحدة، وتستعد لتولي بايدن لدرء مخاطره وجلب منافعه، فهو يتبنى “حل الدولتين”، ويدعم إجراء الانتخابات لتجديد شرعية السلطة، وقد يدعم دمج “حماس” في السلطة أسوة بما فعله رئيسه السابق باراك أوباما.

إضافة إلى ما سبق، الأولوية لدى “حماس” الاحتفاظ بسلطتها في غزة، وهي بحاجة إلى أن تستظل بمظلة الشرعية التي تحظى بها السلطة للتخفيف من أعبائها الثقيلة، وإلى أن تشارك في المنظمة، وإذا تحقق ذلك، فهذا جيد جدًا، وهو قد يكون متاحًا، لأن جولة المصالحة الحالية لا تشترط إنهاء الانقسام أولًا، ولا إنهاء سيطرة “حماس” على القطاع وهيمنة “فتح والرئيس على السلطة والمنظمة، بل تقوم على انتخابات ستجري تحت الاحتلال والانقسام وفي ظل إطار سلطة الحكم الذاتي. أما إذا تعذر تحقيق ذلك فتسعى “حماس” من خلال المرونة التي قدمتها لئلا تتحمل المسؤولية، أو عدم تحملها وحدها عن استمرار الانقسام.

العقبات في الطريق

رغم ما سبق وفي ظل تعديل “حماس” لموقفها إلا أن طريق الانتخابات الشاملة ليست سالكة تمامًا.

فالحوار حول أسس الشراكة والقضايا الأخرى سيبدأ بعد صدور المراسيم، وإمكانية الاتفاق عليها أقل من عدم الاتفاق حولها. كما أن إسرائيل بالمرصاد، وهي لاعب رئيسي يجب أن تعطي الضوء الأخضر لإجراء الانتخابات حتى تُجرى، وكيفية التعامل مع شروط الرباعية ومشاركة مختلف القوى في الحكومة الفلسطينية القادمة وكيفية التعامل مع ردود الفعل الإسرائيلية على إجراء الانتخابات في القدس واحتمال مصادرة نتائجها إذا لم تأت على مقاس ما يريده  الاحتلال يجب أن يكون على رأس جدول أعمال الحوار الوطني المفترض أن يبدأ بعد صدور المرسوم أو المراسيم.

وهل ستجري الانتخابات، وهل ستستنسخ الوضع القائم بدون تغيير وتجديد حقيقين؟ وإذا جرت ستنهي الانقسام أم ستكرسه، وهل ستكون حرة ونزيهة بدون تزوير وتمويل خارجي وهل ستحترم نتائجها فلسطينيا وإسرائيليا وأميركيا، ما هي وظيفتها هل تكريس سلطة الحكم الذاتي والتزامات أوسلو أم الخروج عنها، وهل تستكمل وتصل إلى المجلس الوطني أم تقف عند الرئاسية أو لا تصل حتى إليها؟

المعضلة أن إصدار المراسيم أولا على أن يبدأ الحوار ثانيا هو سير بالمقلوب، وأن يقتصر الحوار على مستلزمات إنجاح العملية الانتخابية، ولا يشمل عدد من القضايا الجوهرية التي يؤدي تجاهلها إلى حصاد الفشل.

ولا يمكن التقدم إلى الأمام من دون حسم مسألة أشكال المقاومة، فلا يكفي الحديث عن المقاومة الشعبية وغيرها، فكل طرف يريدها بشكل مختلف جدًا، بين من يطالب بالمقاومة المسلحة، وبين من لا يرى سوى المقاومة السلمية، وبين من يجمع لفظيًا أو عمليًا بينهما.

ولا ينفع خوض الانتخابات من دون حسم مصير السلطة وتغييرها لتكون سلطة موحدة في خدمة الإستراتيجية والقيادة الموحدة، وهل ستجرى في القدس بالشروط القائمة والواردة في اتفاق أوسلو، والمتمثلة بالتصويت في صناديق الاقتراع، وضمن حد أقصى لا يزيد عن 6 آلاف منتخب، أم سنستخدم التمثيل النسبي كمخرج لتصويت أهل القدس أينما شاؤوا داخل الجدار وخارجه، أم يجب وضع التصويت بالقدس كقضية كفاحية، بحيث توضع صناديق الاقتراع في المسجد الأقصى وكنيسة القيامة والمدارس داخل البلدة القديمة وخارجها؟

كما لا ينفع الحديث عن إجراء الانتخابات والعودة عن ذلك المرة تلو الأخرى، وكذلك المضي بإجرائها تحت الانقسام وكأنه تفصيل لا يمس بالعملية الانتخابية، ومن دون حكومة وحدة توفّر أجواء الثقة واحترام حقوق الإنسان وحرياته، وتحارب الفساد، وتوحّد المؤسسات، خصوصًا القضاء الذي سيحسم الأمر عند حدوث أي خلافات أو تزوير أو عدم احترام النتائج، وتوحيد وتجديد وإصلاح وتنظيم الأجهزة الأمنية والموظفين المدنيين تحت قيادة واحدة وسلطة واحدة وسلاح واحد، والاتفاق على أن يكون سلاح المقاومة في جيش واحد، أو يتبع لمرجعية واحدة وإستراتيجية واحدة وقيادة واحدة.

بقية الفصائل

وقال رئيس لجنة الانتخابات المركزية حنا ناصر إن لقاء سيعقد خلال أسبوع بين الفصائل الفلسطينية في مصر لحل بعض الأمور الفنية الخاصة بالانتخابات، مؤكدا أن المراسيم التي أصدرها الرئيس محمود عباس بخصوص الانتخابات كانت بالتوافق مع جميع الفصائل على إجرائها.

يدفع إلى قول ما سبق التجارب السابقة التي اعتمدت على الحوار الانتقائي والاتفاق الثنائي، والتعامل مع الفصائل الأخرى، وتجاهل قضايا الخلاف الأساسية، وأسباب الانقسام وجذوره، والتركيز على الجوانب الشكلية الإجرائية، مثل تشكيل حكومة وحدة أو وفاق، أو تمكين الحكومة، أو إجراء الانتخابات، أو عقد اجتماع الأمناء العامين، أو تشكيل لجنة تحضيرية لعقد المجلس الوطني، بمعزل عن المضمون والاتفاق على الهدف الوطني المركزي الإستراتيجي، وعلى كيفية تحقيقه، وأشكال النضال المناسبة والمثمرة في هذه المرحلة.

يقول عضو المكتب السياسي في “الجهاد الإسلامي” خالد البطش: إنّ “ما أعلنته حماس والسلطة الفلسطينية عن التوصل إلى اتفاق يخص المصالحة عن طريق الانتخابات والمشاركة، يأتي خارج سياق الإجماع الفصائلي، ونحن لم نعترض على اللقاءات الثنائية بينهما، لكن كان من المفترض أن تكون هناك اتصالات موسعة مع الكل الوطني”.

في الحقيقة، ليست “الجهاد الإسلامي” وحدها اعترضت على التقارب بين “فتح” و”حماس”، أيضاً الجبهة الشعبية، إذ تقول عضو المركزية فيها مريم أبودقة إنّه “لا بد من إجراء حوار وطني شامل تضع فيه جميع الفصائل النقاط على الحروف، خصوصاً أنّ جميع الاتفاقيات الثنائية السابقة باءت بالفشل، وعدم مشاركة القوى السياسية في ذلك يجعلنا نراجع إذا ما كنا سنشارك في أيّ عملية انتخابية”.

وتشير أبودقة إلى أنّ “الأساس الذي ينبغي الاستناد إليه كمرجعية في أيّ انتخابات مقبلة، هو توافق الأمناء العامين للفصائل، ووثيقة الوفاق (أعدت في 2006)، بحسب ما اتفق عليه في المجلسين الوطني والمركزي، وما دون ذلك تجاوز كبير”.

في الإطار ذاته، شدّد نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية فهد سليمان على “وجوب مغادرة فتح وحماس مربع الثنائية، عند مناقشة الملفات الوطنية الكبرى”، مؤكّداً أنّ “لا أحد في ساحة العمل الوطني معجب بأسلوب الثنائيات”.

ربما يعجبك أيضا