اعتقال نافالني.. حلقة جديدة في مسلسل اغتيال المعارضة في روسيا

حسام السبكي

حسام السبكي

بعد فشلها في اغتياله جسديًا -وفق تقارير دولية- ومحاولة إسكاته قبل سنوات، ها هي السلطات الروسية، تعيد اعتقال المعارض الروسي ألكسي نافالني، العائد إلى موسكو، بعد رحلة علاجية في ألمانيا، ليبدأ معها فصل جديد من فصول قتل المعارضة في روسيا!.

اعتقال جديد

فور وصوله إلى العاصمة الروسية موسكو، اعتقلت السلطات هناك، المعارض الروسي ألكسي نافالني، وذلك بعد خمسة أشهر من محاولة تسميم، كادت تودي بحياته، العام الماضي.

وشوهدت الشرطة تقتاد نافالني، 44 عاماً، عند نقطة لمراقبة الجوازات.

وكانت جموع غفيرة قد تحلّقت في مطار فنوكوفو في موسكو الأحد، لاستقبال رحلته القادمة من برلين، لكنّ مسار الرحلة حوّل إلى مطار شيريميتيفو، في العاصمة الروسية أيضاً.

من جانبه، تحدث نافالني لمؤيديه ووسائل الإعلام في مطار شيريميتيفو قبل دقائق من اعتقاله: “أعلم أنني على حق. لا أخشى شيئًا”.

ولم يسمح لمحامي نافالني بمرافقته. وقد قبّل زوجته يوليا التي قدمت معه من ألمانيا، بعدما هدّده عناصر الشرطة باستخدام العنف إن خالف أوامرهم.

وانتشرت شرطة مكافحة الشغب ووضعت حواجز حديديّة في مطار فنوكوفو، حيث كان من المفترض أن تهبط طائرة نافالني.

ولم تكتف السلطات الروسية بهذا الأمر، بل طال جحيم الاعتقال، عدداً من النشطاء، من بينهم حليف نافالني، ليوبوف سوبول، وفق ما ذكرته وسائل إعلام روسية.

وقد حثّ نافالني الذي كان يتلقّى العلاج في ألمانيا، مناصريه على ملاقاته في المطار، وأُنشئت على فيسبوك صفحة باسم “لنذهب للقاء نافالني” (باللغة الروسية). وعبّر الآلاف عن رغبتهم بملاقاته بالرغم من البرد القارس، ومحاذير جائحة كوفيد – 19.

أسباب الاعتقال

أما عن أسباب اعتقال المعارض الروسي، فقد ذكرت إدارة السجون الروسية، في بيانٍ أمس الأحد، إنّ نافالني انتهك شروط وقف تنفيذ حكم بالسجن صدر بحقه قبل أعوام.

وجاء في البيان أنّ نافالني “مطلوب منذ 29 ديسمبر/ كانون الأول 2020، بسبب مخالفته المتكرّرة لإطلاق سراحه المشروط”، وأنّه سيبقى في التوقيف الاحتياطي إلى حين صدور قرار من المحكمة.

وقد أدين نافالني بتهم اختلاس، وحكم بالسجن مع وقف التنفيذ عام 2014. وقد أدان المعارض الروسي مرّات عدّة الحكم عليه، قائلاً إنّ خلفياته سياسيّة.

كما فتح تحقيق منفصل بتهم جديدة، حول تورّط نافالني بالاحتيال، في قضية اختلاس أموال تبرعات جمعتها منظمات غير حكومية، منها منظمة مكافحة الفساد التي يديرها.

وأكّد نافالني أنّ بوتين يبذل قصارى جهده لمنع خصمه من العودة عبر اختلاق قضايا جديدة ضده.

وكانت وسائل إعلام من حول العالم قد تحلّقت في مطار برلين لتصوير مغادرة الناشط الروسي ألمانيا، في حين تجاهله الإعلام التلفزيوني ووكالات الأنباء الروسية.

ووفقًا لـ”بي بي سي”، فإنّ السلطات الروسية لطالما ادّعت أن ألكسي نافالني لا يحظى بشعبيّة بين الروس، وأنّه لا يشكّل تهديداً للرئيس بوتين.

لكن عودته إلى موسكو بعد خمسة أشهر من تسميمه، أطلقت الشرارة لإجراءات بوليسية ضخمة.

وبحسب الشبكة البريطانية، تشكّل عودة نافالني تحدياً مباشراً لفلاديمير بوتين، وقد تحوِّل المعارض إلى شهيد سياسي، على نمط نلسون مانديلا، وقد تحفّز عقوبات غربية على روسيا. ذلك ما قد يجعل نافالني شوكة في خاصرة الكرملين، في سنة يتوقّع أن تشهد انتخابات مهمّة.

ردود أفعال دولية

على الصعيد الدولي، تسارعت ردود الأفعال على اعتقال المعارض الروسي أليكسي نافالني بعد عودته إلى بلاده قادما من ألمانيا.

وفي أول رد فعل أوروبي، اعتبر رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال، مساء الأحد، في تغريدة أن اعتقال نافالني بعيد عودته إلى موسكو أمر “مرفوض”، داعيا إلى “الإفراج الفوري” عنه.

من جهته دعا وزير خارجية الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل السلطات الروسية إلى “احترام حقوق” أليكسي نافالني مطالبا أيضا في تغريدة “بالإفراج عنه فورا”. وقال بوريل، في تغريدته: إن “تسييس النظام القضائي غير مقبول”.

بدورها دعت فرنسا السلطات الروسية إلى “الإفراج فورا” عن نافالني الذي اعتُقل بعيد عودته من ألمانيا.

وجاء في بيان لوزارة الخارجية الفرنسية: إن “فرنسا أخذت، بقلق بالغ، علما بتوقيف أليكسي نافالني في روسيا. وهي تتابع وضعه مع شركائها الأوروبيين، بأقصى درجات اليقظة، وتدعو إلى الإفراح عنه فورا”.

من جانبها، أدانت الخارجية الأمريكية قرار روسيا باعتقال المعارض السياسي البارز أليكسي نافالني فور وصوله إلى العاصمة الروسية موسكو.

وقالت الخارجية، في بيان لها، إن اعتقال نافالني هو الأحدث في سلسلة من المحاولات لإسكات المعارضين للسلطات الروسية.

وحثت الخارجية الأمريكية الحكومة الروسية على توفير مساحة متكافئة لجميع الأحزاب السياسية والمرشحين الساعين للتنافس في العملية الانتخابية، مطالبة بالإفراج الفوري وغير المشروط عنه.

ومن جانب الإدارة الأمريكية الجديدة، اعتبر جايك سوليفان مستشار الأمن القومي لبايدن أنه “ينبغي الإفراج فورا” عن نافالني.

وكتب سوليفان على تويتر أن “هجمات الكرملين على نافالني ليست انتهاكا للحقوق الإنسانية فحسب، بل إهانة للشعب الروسي الذي يريد أن يكون صوته مسموعا”.

في غضون ذلك قالت مديرة مكتب منظمة العفو الدولية في موسكو ناتاليا زفياجينا إن اعتقال نافالني لدى وصوله إلى مطار شيريميتو في موسكو “دليل آخر على أن السلطات الروسية تسعى إلى إسكاته”.

وأضافت أن اعتقاله “يسلط الضوء على الحاجة إلى التحقيق في مزاعمه بأنه تعرض للتسميم على يد عملاء دولة وبناء على أوامر صادرة من أعلى المستويات”.

تفاصيل أخرى

في أغسطس/ آب 2020، تعرّض نافالني لانتكاسة صحيّة خلال رحلة جويّة من مدينة تومسك في سيبيريا باتجاه موسكو. حوّل الطيار الرحلة إلى مدينة أومسك، حيث سمح لنافالني بالسفر إلى ألمانيا، بعد وضعه في غيبوبة اصطناعية.

سمح له بمغادرة المستشفى في برلين في سبتمبر/ أيلول، ليواصل تعافيه.

وقال نافالني مؤخراً إنّه بات قادراً على ممارسة بعض الحركات الرياضية، مرجحاً أنّه على طريق التعافي الكامل، وفقًا لـ”بي بي سي”.

وكشف صحفيون استقصائيون الشهر الماضي، أسماء ثلاثة عملاء في “جهاز الأمن الفيدرالي الروسي” (أف أس بي)، سافروا إلى تومسك خلال وجود نافالني هناك. وبحسب الصحافيين، فإنّ وحدة العمليات الخاصة في الجهاز تتبّعت المعارض لسنوات.

وفقاً لمجموعة “بيلينغ كات” الاستقصائية، تحايل نافالني خلال مكالمة هاتفية على عميل في الجهاز يدعى كونستانتين كودريافتسيف، لكشف تفاصيل العمليّة ضدّه.

وقال له العميل إنّ غاز نوفيتشوك الذي استخدم في تسميمه، وضع في سرواله الداخلي.

وقال كودريافتسيف خلال المكالمة الهاتفية إنّه أٌرسل لاحقاً إلى أومسك، للاستحواذ على ملابس نافالني، ولإزالة آثار مادة نوفيتشوك عنها.

من جهته رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ما ورد في التحقيق الذي أجرته “بيلينغ كات” وآخرون، واصفاً إياه بـ”الخدعة”، وأنّه مدعوم من أجهزة الاستخبارات الأمريكية.

ربما يعجبك أيضا