الصومال على مفترق طرق.. انسحاب مُقلق يُهديه ترامب لـ«حركة الشباب»

دعاء عبدالنبي

كتبت – دعاء عبدالنبي

تواجه الصومال توترات حادة وصراع سياسي مع قرب الاستحقاقات الانتخابية، في وقت أعلنت فيه القوات الأمريكية سحب قواتها وهو ما يثير المخاوف حيال احتمالات حدوث تمرد من قبل حركة الشباب الصومالية وتصدرها المشهد، في ظل الهشاشة الأمنية وعجز وضعف الأجهزة العسكرية والاستخباراتية، لتثار تساؤلات حول تداعيات القرار وأبعاده على الداخل الأمريكي وعلى جهود مكافحة الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي.

انسحاب أمريكي مُثير للقلق

بالأمس، أعلنت القيادة العسكرية الأمريكية في أفريقيا “أفريكوم”، اكتمال انسحاب قواتها من الصومال قبل يومين من الموعد الذي حدده الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب.

وصرح المتحدث باسم “أفريكوم” العقيد كريستوفر كارنس، لـ”إذاعة صوت أمريكا”:  أن عددًا قليلًا جدا من القوات الأمريكية ما زال في الصومال وفق قرار ترامب، لافتًا إلى أن “مهمتهم الآن في المرحلة التالية من التعاون مع الجيش الصومالي”، متعهدا بأن الولايات المتحدة ستواصل حملتها ضد حركة الشباب الإرهابية.

يذكر أن عدد القوات الأمريكية في الصومال يبلغ 650-800، والتي كانت في الصومال للمساعدة في تدريب القوات الصومالية وشن عمليات محدودة ضد حركة الشباب.

وثمة قلق خاص من تضرر التدريب العملي والإشراف الذي يقدمه الأمريكيون لقوات العمليات الخاصة الصومالية في منطقة داناب، على الرغم من استمرار غارات طائرات أمريكية مسيّرة مثيرة للجدل في كثير من الأحيان على أهداف تابعة لحركة الشباب.

الصومال في مفترق طرق

لا شك أن الانسحاب الأمريكي من الصومال سيؤثر بدوره على الوضع الأمني في الصومال، الذي  يمر حاليًا بلحظة فاصلة بسبب مواقف ونزاعات القادة الوطنيين والإقليميين داخل البلاد، وخلافاتهم بشأن تأجيل الانتخابات البرلمانية، التي قد تفضي إلى أعمال عنف، بحسب تصريحات قال جيمس سوان، الممثل الخاص لأمين عام الأمم المتحدة.

وكان من المقرر أن يجري الصومال العام الماضي أول انتخابات تحت شعار “صوت واحد لشخص واحد”، وهي خطوة بارزة لدولة تعاني التمزق منذ فترة طويلة، لكن أحزاب المعارضة، التي تهيمن عليها العشائر، قاطعت العملية الانتخابية بسبب مخاوف من حدوث تزوير، وأصبح الاتفاق المبرم من خلال وساطة جيدة يعاني من أزمة حاليا، وينحي البعض باللائمة على رئيس الدولة، محمد عبد الله “فارماجو”، وسعيه لفرض إرادته على الزعماء الإقليميين في الصومال بشكل متزايد.

 يضاف إلى ذلك، التوتر الأمني الذي تعيشه العاصمة مقديشو، المدينة التي مزقتها الحروب بين العشائر المتناحرة، فضلًا عن تهديدات مقاتلي حركة الشباب التي تحتفظ بسيطرة كبيرة لها في الريف رغم طردها من المدينة ومعظم المدن الصومالية.

وما يعزز سيطرة الحركة رغم جهود محاربتها، أنها بدأت إدارة ما يرقى إلى مستوى حكومة ظل داخل مقديشو، حيث تفرض ضرائب وتهدد شركات كثيرة، وتدير محاكم شرعية، وتنفذ عمليات قتل وهجمات انتحارية تستهدف فنادق ومكاتب حكومية، وهو ما سينعكس بدوره على أي انتخابات قادمة.

انسحاب لصالح الحركة

مع سيطرة الحركة وتوالي تأثيرها في المشهد الأمني عبر تفجيراتها المتتالية، وفي ظل التوترات داخل مؤسسات الدولة الهشة وتنامي عدم الاستقرار في إثيوبيا، لا شك إن انسحاب القوات الأمريكية في الوقت الحالي سيمثل فرصة كبيرة لتمدد الحركة وتوسيع نفوذها.

ورغم التقدم الذي أحرزته الصومال في العديد من المجالات خلال السنوات الماضية، فلا يزال هذا التقدم يعتمد كليا على قوات بعثة الاتحاد الإفريقي “أميسوم” المؤلفة من نحو 20 ألف جندي أفريقي، والتي تحمي الحكومة وتصدرت مشهد محاربة حركة الشباب على مدار سنوات، بيد أن محاولاتهم في بناء جيش وطني متماسك لدعم حملتهم ضد حركة الشباب باءت بالفشل إلى حد كبير.

في الماضي، عندما كانت حركة الشباب لا تزال تسيطر على أكثر من نصف مقديشو واندلعت حرب الخنادق العنيفة في المدينة، كان من المقبول على نطاق واسع فكرة أن المسلحين سوف يجتاحون العاصمة في غضون ساعة إذا انسحبت قوات “أميسوم”.

لكن اليوم، إذا انسحبت “أميسوم”، وفقا لمسؤول عسكري بارز تحدث بشرط عدم كشف هويته، فسوف يستغرق الأمر “12 ساعة فقط” حتى تستولي حركة الشباب على مقديشو ومعظم المدن الأخرى.

وبحسب المحللين، فإن خطوة ترامب لن تخدم متطلبات الإرهاب العالمي في الصومال، وتعد ضربة قاصمة لجهود كبح حركة الشباب الإرهابية، كما ستعزز من إمكانية مضاعفة حركة الشباب لأعمالها الإرهابية وتحفيز عناصرها بانهم حققوا انتصارًا عسكريا على الأمريكيين.

ومن المتوقع أن يلقي الفراغ الأمني بظلاله على معنويات الجيش الصومالي وخاصة قوة دنب المدربة أمريكيا منذ 2014 التي تعد أقوى فيلق عسكري في البلاد والتي تنفذ عمليات نوعية في مقتل القيادات الإرهابية واعتقالها من عقر ديارهم.

تداعيات القرار وأبعاده

بحسب المحللين، يبدو جليًا أن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب يريد أن ينهي فترته الرئاسية بتنفيذ كافة الوعود التي اطلقها خلال حملته الرئاسية قبل 4 سنوات.

لكن في المقابل سيؤثر هذا القرار بدوره على الداخل الأمريكي وجهود مكافحة الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي كما يلي:

ـ يمثل القرار تحديًا لإرادة الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن بسبب استمرار نشاط الحركة الإرهابي والتي ستؤثر بدورها على المصالح الأمريكية في المنطقة

ـ سيشكل تهديدًا لأمن الصومال في ظل الأجواء المتوترة التي تعيشها الصومال على خلفية النزاعات القبلية الداخلية، والانتخابات التشريعية والرئاسية المزمع إقامتها في الأشهر القادمة، بالإضافة لتزامنه مع مع توتر الأجواء واندلاع الحرب في إثيوبيا التي سحب المئات من قوات السلام التابعة لها لمواجهة صراعها الداخلي.

– تعزيز مصالح روسيا وإيران والصين، فالانسحاب يمثل فرصة سانحة لخصومها لتعزيز مصالحهم الاقتصادية والسياسية في جميع أنحاء القارة السمراء

– انسحاب القوات الأمريكية سينعكس بدوره على تقويض جهود مكافحة الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي ويشجع التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها حركة الشباب على القيام بشن جرائمها الإرهابية وتوسيع نفوذها.

ولا شك أن القرار سيكون له انعكاسات جلية في تهديد الوضع الأمني في الصومال إذا لم تتمكن الحكومة من الحفاظ على مكتسباتها وإجراء انتخاباتها والانتقال السلمي للسلطة وإلا ستتصدر الحركة المشهد والتي يصعب ضبطها حتى مع قدوم إدارة أمريكية جديدة.

ربما يعجبك أيضا