سياسات توزيع لقاحات كورونا تتسبب بـ«كارثة عالمية»

أسماء حمدي

كتبت – أسماء حمدي

يتابع العالَم باهتمام كبير أخبار لقاحات كورونا، الفيروس الذي تحول إلى جائحة عالمية منذ مارس 2020، وتسبب في إصابة أكثر من 95.13 مليون شخص، في حين وصل إجمالي عدد الوفيات الناتجة عن الفيروس إلى مليونين و36471 حتى الآن.

ولاحتواء الأزمة بدأ العلماء في سباق مع الزمن في محاولة تطوير لقاحات التحصين ضد كورونا، حيث طورت كل من الصين، والهند، وروسيا، والمملكة المتحدة، والولايات المتحدة لقاحات مضادة، فيما تطور فرق عمل دولية لقاحات أخرى مثل لقاح فايزر الأمريكي-الألماني.

فشل أخلاقي كارثي

تواجه المؤسسات العالمية والعلماء مشكلة التوزيع العادل والمنصف للقاحات كورونا على جميع سكان العالم، وحذر المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، من أن العالم مهدد بـ”فشل أخلاقي كارثي” بسبب عدم تكافؤ سياسات توزيع اللقاحات المضادة للفيروس.

وقال تيدروس، إنه ليس من العدالة أن يحصل الشباب الأصحاء في الدول الغنية على اللقاحات قبل أولئك الأكثر عرضة للخطر في الدول الفقيرة، مشيرا إلى أن نحو 39 مليون جرعة من اللقاحات مُنحت بالفعل في 49 دولة غنية، بينما لم تحصل إحدى الدول الفقيرة إلا على 25 جرعة.

“يجب أن أكون صريحا: العالم على شفا فشل أخلاقي كارثي، وثمن هذا الفشل سيُدفع بالأرواح وسبل العيش في الدول الأفقر في العالم، وأن منهج “أنا أولا” سوف يكون مدمرا، لأنه سيشجع على ارتفاع أسعار اللقاحات وتكديسها، وفي نهاية المطاف، هذه الأفعال لن تؤدي إلا إلى إطالة أمد الجائحة، والقيود اللازمة لاحتوائها، والمعاناة البشرية والاقتصادية”، بحسب تيدروس.

وطالب مدير منظمة الصحة العالمية بالتزام كامل بمبادرة كوفاكس لتداول اللقاحات على مستوى العالم، التي يبدأ العمل بها الشهر المقبل، مضيفا: “التحدي الذي أحمله إلى الدول الأعضاء هو ضمان بدء توزيع لقاحات كوفيد-19 في كل دولة بحلول اليوم العالمي للصحة، في السابع من أبريل، وهو ما أرى أنه سيكون رمزا لاجتياز أزمة الوباء وأزمة غياب المساواة المتأصلة في الكثير من تحديات الصحة العالمية”.

تحذيرات من الاستحواذ على اللقاح

حذرت منظمات دولية من مغبة استحواذ الدول الغنية على نسبة كبيرة من لقاحات فيروس كورونا، قائلة إن ذلك سيحرم مَن يعيشون في البلدان الفقيرة من فرصة الحصول عليها.

من جانبه، قال التحالف الشعبي للقاحات، الذي يضم منظمات من بينها العفو الدولية وأوكسفام، إن ما يقرب من 70 دولة، من ذوات الدخل المنخفض، ستكون قادرة فقط على تطعيم شخص واحد من بين كل 10 أشخاص.

وخلص تحليل أجراه التحالف الشعبي للقاحات، إلى أن الدول الغنية اشترت جرعات من اللقاحات كافية لتطعيم جميع سكانها ثلاث مرات إذا اعتُمدت جميعها للاستخدام.

وأشار التحالف الشعبي إلى أن كندا، على سبيل المثال، طلبت لقاحات كافية لتطعيم كل كندي خمس مرات، وأعطت السلطات الكندية في ديسمبر الماضي الضوء الأخضر لاستخدام لقاح فايزر-بيونتيك.

وبالرغم من أن الدول الغنية لا تمثل سوى 14٪ من سكان العالم، إلا أنها اشترت 53٪ من اللقاحات المعتمدة حتى الآن، وفقا لبيانات خاصة بثمانية لقاحات في المرحلة الثالثة من التجارب.

تقول مديرة السياسة الصحية في منظمة أوكسفام، آنا ماريوت: “لا ينبغي منع أي شخص من الحصول على لقاح منقذ للحياة بسبب البلد الذي يعيش فيه أو بسبب المبلغ المالي الموجود في جيبه، ما لم يتغير شيء ما بشكل كبير، فلن يتلقى مليارات الأشخاص حول العالم لقاحا آمنا وفعالا، لكوفيد-19 لسنوات قادمة”.

مبادرة كوفاكس

وأتخذت عدة خطوات لضمان عدالة توزيع اللقاحات في جميع أنحاء العالم، وقد نجح تحالف دولي يُعرف اختصارا باسم “كوفاكس” في تأمين 700 مليون جرعة من اللقاحات لتوزيعها على 92 دولة ذات دخل منخفض.

مبادرة “كوفاكس”، هي مبادرة  تدعمها منظمة الصحة العالمية ومجموعة من جماعات الدفاع عن الحق في اللقاحات، وقعت عليها  180 دولة، بهدف توحيد صف كل دول العالم لتمثل تكتلا واحدا يجعلها في موقف قوة أثناء التفاوض مع شركات الأدوية.

وقال غيبريسوس: “نجحنا في تأمين ملياري جرعة من اللقاحات من خمسة مُصنّعين مع توافر خيار آخر بالحصول على مليار جرعة إضافية، ونأمل بدء التوزيع في فبراير “.

أبرز لقاحات كورونا

ما زالت الغالبية العظمى من الناس عرضة للإصابة بفيروس كورونا، ولتجنب الإصابات تم تطوير عددا من اللقاحات التي تُعلِّم أجسادنا على كيفية مكافحة العدوى عن طريق منعها من أن استقبال الفيروس وأن تكون حاضنة له فينمو في داخلها؛ أو على الأقل تجعل كوفيد أقل فتكاً.

ومن أبرز هذه اللقاحات لقاح “جامعة أكسفورد – أسترا زينيكا”، والذي بدأ طرحه في 5 يناير، وكانت الموافقة على اعتماده تمت في أواخر عام 2020، بعد أن أظهرت التجارب نجاحه بنسبة 70 في المئة على توفير حماية للناس من الإصابة، كما أظهرت البيانات أيضاً وجود استجابة مناعية قوية لدى كبار السن الذين تلقوا التطعيم باللقاح.

وقد يكون هذا من أسهل اللقاحات توزيعاً، لأنه لا يحتاج إلى تخزينه في درجات حرارة بالغة البرودة، فهو مصنوع من نسخة مضعّفة من الفيروس الذي يتسبب بنزلات البرد لدى الشمبانزي، وتم تعديله بحيث لا ينمو في أجسام البشر.

وأطلقت  شركة فايزر- بيوتينك  لقاحها والذي ظهرت نتائجه الأولى في نوفمبر الماضي، وأثبتت فعالية اللقاح بنسبة تصل إلى 95 في المئة، ويعطى اللقاح في جرعتين بفاصل ثلاثة أسابيع بينهما، ويجب أن يُخزّن هذا اللقاح في درجة حرارة نحو 70 درجة مئوية تحت الصفر.

في الثاني من ديسمبر الماضي، أصبحت المملكة المتحدة أول دولة في العالم تعتمد لقاح فايزر بيونتيك للاستخدام على نطاق واسع.

فيما أعلنت شركة موديرنا تطوير لقاحها، وهو نوع جديد يسمى لقاح “آر إن أي” (الحمض النووي الرايبوزي)، ويستخدم جزءاً صغيرا جدا من الشفرة الجينية للفيروس، يبدأ هذا في تكوين جزء من الفيروس داخل الجسم، فيتعرف عليه جهاز المناعة لدينا على أنه جسم غريب ويبدأ في مهاجمته، وتشير الشركة إلى أن اللقاح يحمي 94.5٪ من الناس.

من جانبها، بدأت روسيا حملتها في الخامس من ديسمبر مع لقاح سبوتنيك-في الروسي فيما كان ما زال في مرحلته الثالثة والأخيرة من التجارب السريرية، وأعطت السلطات الصينية بالفعل الضوء الأخضر للاستخدام لقاح “سينوفارم”.

في المجموع، هناك 16 لقاحًا في المرحلة الأخيرة من التطوير، أو المرحلة الثالثة، وفقاً لمنظمة الصحة العالمية، وهو عدد يشمل تلك الموجودة بالفعل في السوق.

الدول الفقيرة تنتظر وقتا أطول

أثيرت مخاوف من أن الدول الفقيرة على مستوى العالم سوف تنتظر مدّة أطول من الدول الغنية للحصول على اللقاحات، وعلى الرغم من أنّ عدد حالات الإصابة والوفاة قليلة نسبياً في معظم أنحاء أفريقيا، إلا أن بعض المناطق تشهد مجدداً ارتفاعاً في عدد الحالات.

وتثير سلالة جديدة من فيروس كورونا المسبب لمرض كوفيد-19 في جنوب أفريقيا قلقاً خاصا، إذ إنها مسؤولة عن معظم الحالات الجديدة، وقال رئيس الاتحاد الأفريقي: “نتيجة لجهودنا الخاصة، حصلنا على التزام بتأمين كمية مبدئية من 270 مليون لقاح من ثلاثة موردين رئيسيين: فايزر واسترازنكا وجونسون أند جونسون، وأن ما لا يقل عن 50 مليون جرعة ستكون متاحة في “المرحلة الحاسمة بين أبريل ويونيو 2021”.

ومن خلال جهود مبادرة “كوفاكس” التي تهدف إلى تأمين لقاحات للبلدان ذات الدخل المنخفض، تتوقع القارة الأفريقية الحصول على نحو 600 مليون جرعة، لكنها لا تزال غير كافية لتلقيح سكان القارة بأسرها، والتي يبلغ عدد سكانها 1.3 مليار شخص، وتحتاج إلى 2.6 مليار جرعة لضمان تلقيح الجميع في نهاية المطاف.

وفي نهاية الأمر، ما يحتاج إليه الناس هو تعاون عالمي، واعتراف من الدول بأن وجود مستويات عالية من العدوى في مناطق أخرى هو أمر سيئ، حتى للبلدان التي قامت بحماية سكانها، فتجاهُل الآخر في ضوء حركة الرحلات الجوية بين البلدان سيكرر الانتشار نفسه ورد الفعل المتسلسل مرارًا وتكرارًا.

ربما يعجبك أيضا