تهديد أم منافس.. كيف تنظر إدارة بايدن إلى الصين؟

محمود رشدي

رؤية- محمودرشدي

منذ المؤشرات الأولى لفوز جو بايدن الانتخابات الأمريكية وانطلقت الأحاديث في الأروقة السياسية والإعلامية حول السياسة الأمريكية القادمة تجاه الصين، وطُرحت عدة أسئلة تتمحور حول، هل تستمر السياسة الأمريكية الخشنة تجاه الصين على طريقة ترامب، أم سيستبدلها بايدن بأخرى ترتكز حول التعاون والشراكة؟، هذا مع الوضع في الاعتبار الانقسام داخل الحزب الديمقراطي ومؤيديه حول شكل السياسة الخارجية تجاه الصين.

انقسام الديمقراطيين

أصبحت الصين تحديًا قويًا لتفوق الولايات المتحدة على العالم بعد الحرب العالمية الثانية، ومما زاد الأمر سوءًا، أن التحالف السياسي الذي دفع بايدن للفوز منقسم بشدة حول كيفية التعامل مع الصين.

فهناك معارضة قوية بين الديمقراطيين للمواجهة السياسية الشاملة والفصل الاقتصادي الكامل عن الصين الذي أوضحته إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب. ففريق يدفع بتكثيف الضغط على بكين بشأن حقوق الإنسان، وفريق آخر تشكله مصالح الشركات القوية في وول ستريت وفي وادي السيليكون، وكثير منهم على صلة وثيقة بالحزب الديمقراطي، حيث يرغبون في العودة إلى العمل كالمعتاد مع الصين. وبالتعاون مع هذا الفريق عديد من الديمقراطيين الذين يرون أن تغير المناخ هو التحدي الأهم للبشرية ويعتقدون أن الولايات المتحدة يجب أن تتعاون مع الصين للتخفيف من هذا التهديد.

وأما الفريق الأول المناهض للتعاون مع الصين يشكله العمال الأمريكيون والمدافعون عنهم بالقلق من التنازل عن المزيد من وظائف التصنيع للصين باسم العولمة الاقتصادية المتجددة.

تهديد أم منافس؟

تجنب بايدن، خلال حملته الناجحة للرئاسة، الحديث عن سياسته القادمة تجاه الصين لعلمه بانقسام الديمقراطيين حول آلية العمل الأمريكي تجاه بكين، وجادل بأن الصين ليست تهديدًا بل منافسًا، وأن هذه المنافسة يمكن أن تتصدى لها وتفوز بها الولايات المتحدة.

ولهذا، سيتخذ بايدن السياسة الصناعية لإعادة بناء نقاط القوة الأمريكية التقليدية، وانتقد حروب ترامب الجمركية كأداة فظة، ووعد بتطوير استراتيجية أكثر تطوراً للمشاركة الاقتصادية والمنافسة.

من المحتمل أن يعيد بايدن بناء التحالفات الآسيوية لإنتاج تحالف أكثر فعالية لإقناع الصين بالالتزام بالقواعد، وفي الآونة السابقة عقب تأكيد نجاحه بالانتخابات الأمريكية، سارع بايدن إلى الاتصال بالحلفاء في طوكيو وسيول وكانبيرا. كما اتصل برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، الذي برزت بلاده كشريك إقليمي رئيسي للولايات المتحدة في السنوات الأخيرة. وكون بايدن ليس ترامب وسيحل محل الفوضى في واشنطن أرسل هذا رسائل إطمئنان قوية إلى معظم الحلفاء الآسيويين، هذا فضلًا عن خبرة بايدن الطويلة في السياسة الخارجية وفريق الشخصيات المألوفة من إدارتي أوباما وكلينتون الكثير في العواصم الآسيوية.

هل يستمر على نهج ترامب؟

كل هذه النوايا الحسنة الغامضة بين بايدن وآسيا سيتم اختبارها عاجلاً وليس آجلاً من خلال ثلاثة تناقضات هيكلية على الأقل. الأول متجذر في التوتر بين المشاركة التي تشتد الحاجة إليها مع الصين بشأن القضايا الاقتصادية وتراجع الهوامش المحلية للتوافق السياسي بشأن التجارة والقضايا ذات الصلة.

إن حتمية واشنطن لإشراك بكين أمر طبيعي بالنظر إلى شدة الترابط الاقتصادي بين البلدين والصعوبات الحقيقية للفصل، وقد كانت العديد من سياسات ترامب الاقتصادية ردًا على التكاليف الحقيقية والمتصورة للتجارة المكثفة مع الصين بين قسم مهم من المجتمع الأمريكي، ووعد بايدن بعدم متابعة الصفقات التجارية مع الصين التي تضر بالعمال الأمريكيين، لكنه رفض أيضًا الدعوات إلى الفصل باعتبارها غير واقعية.

هذا التوتر الذي لم يتم حله والذي يحيط بمستقبل المشاركة الاقتصادية مع الصين – وبشكل أوسع  العولمة الاقتصادية – يغذي علاقة الولايات المتحدة بحلفائها الآسيويين.

حتى الآن، بدت التكاليف المحلية لالتزام الولايات المتحدة بالتجارة الحرة، والتي أصبح حلفاؤها يحبونها كثيرًا، معقولة. لكن من المرجح أن يتغير هذا الآن وسط تزايد الطلبات المحلية على التجارة العادلة. انتهزت الصين الفرصة لتقدم نفسها لجيرانها الآسيويين على أنها البطل الحقيقي للعولمة وشريك اقتصادي طويل الأمد أكثر مصداقية. كثير من هؤلاء الجيران، بما في ذلك حلفاء الولايات المتحدة منذ فترة طويلة، وافقوا على حجة بكين. وهم يحتفلون بالشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، اتفاقية التجارة الحرة على مستوى آسيا التي تشمل الصين، بينما يعبدون على انسحاب الولايات المتحدة من الشراكة عبر المحيط الهادئ تحت إدارة ترامب. إن وعد بايدن بالعمل مع الحلفاء لإجبار الصين على الالتزام بالقواعد سيخضع للاختبار من خلال الضغط المحلي المستمر في الولايات المتحدة لتغيير بعض قواعد العولمة على الأقل التي دافعت عنها واشنطن حتى وقت قريب.

ربما يعجبك أيضا