هل تكفي تحفيزات بايدن؟.. الطريق طويل للخروج من النفق!

كتب – حسام عيد

يدخل الرئيس الديمقراطي جو بايدن البيت الأبيض محملًا بأزمات متشعبة في الملف الاقتصادي داخليًا وخارجيًا، فرغم الانتعاشة التي لامسها الاقتصاد في السنوات الأولى من حقبة الرئيس السابق دونالد ترامب مع تسارع وتيرة النمو، إلا أن المنحنى التصاعدي خالف التوقعات ليأخذ اتجاهًا هابطًا منذ 2019 واستمر في المسار النزولي ذاته مع تفاقم تداعيات جائحة كورونا الوبائية “كوفيد-19” ليدخل ركودًا واسعًا.

يمكن القول إن وباء كورونا ليس السبب الرئيسي في انكماش الاقتصاد الأمريكي ومعاناة الأمريكيين بفعل التخفيضات الضريبية الموجهة لخدمة المستثمرين والأثرياء، وتدهور مؤشرات سوق العمل وارتفاع إعانات البطالة لمستويات تاريخية، بل سياسات ترامب الخارجية والتي ارتكزت على نهج الحمائية التجارية وفرض مزيد من الرسوم والتعريفات التجارية على شركاء الولايات المتحدة، أحدثت توترًا في العلاقات الاقتصادية، وتحديدًا مع الصين، لعبت دورًا كبيرًا في تباطؤ معدل النمو، وارتفاع الدين الفيدرالي وعجز الموازنة.

اليوم، جو بايدن يترأس القوة الاقتصادية الأولى في العالم وبجعبته حزم وخطط تحفيزية بآمال إنقاذ الاقتصاد الأمريكي وتصحيح مساره ليعود للانتعاش والازدهار مجددًا.. لكن هل سيكون ذلك كافيًا؟.

الاقتصاد في حقبة ترامب

إذا وضعنا الأمور في السياق، نجد أنه مع اقتراب نهاية إدارة أوباما الديمقراطية حدث اتجاه نحو التباطؤ في الاقتصاد الأمريكي. فبعدما نما في عام 2015 بمعدل 2.9%، سجل نمواً بـ 1.6% فقط في 2016؛ وفق ما أفاد موقع “العربية.نت”.

لكن هذا الاتجاه سرعان ما انعكس بعد دخول إدارة ترامب، وفي عام 2017، حقق الاقتصاد الأمريكي نموًا بنسبة 2.4%، ثم تسارع إلى 2.9% في العام الذي تلاه، أما في 2019 فتراجع نسبيًا إلى 2.3%.

ربما يعود ذلك لسياسة مالية توسعية بشكل خاص، كان لها أثرها البالغ على العجز العام للبلاد. فخلال فترة ولايته، زاد العجز الفيدرالي بشكل مطرد حيث وضعت سياسات ترامب ديون الولايات المتحدة في ذروة مسارها منذ الحرب العالمية الثانية.

لكن مع استبعاد تأثير فيروس كورونا، فإن التخفيضات الضريبية الهائلة التي أقرها الكونجرس في عام 2017، أضافت بالفعل مئات المليارات من الدولارات إلى العجز.

إذا ما نظرنا إلى الدين الفيدرالي للولايات المتحدة، فسنصل إلى نسبة 98% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية الأخيرة، بينما كان في 2019 عند 79%، وعندما دخل ترامب البيت الأبيض كانت النسبة عند 70% فقط. هذا يعني أن ما يقرب من 30% من الديون الأمريكية الحكومية نسبة إلى الناتج المحلي الإجمالي تراكمت في السنوات الأربع الأخيرة فقط.

وفي عام الوباء، تم الترويج للإنفاق قصير الأجل بحيث وصل العجز الأمريكي إلى 3.3 تريليون دولار هذا العام وحده، وهو ما يترجم إلى 16% من الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة. بهذا يكون عجز هذا العام تجاوز العجز السنوي المسجل منذ عام 1945 أي السنة التي سجلت نهاية الحرب العالمية الثانية.

ونتيجة لتداعيات الوباء، ستغلق الولايات المتحدة دفاتر العام المنصرم بانكماش في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.3%.

فيما خلف فيروس كورونا والتباطؤ الاقتصادي نسبة بطالة بلغت 14.7% في أبريل، وهو أعلى مستوى منذ الكساد الكبير في الثلاثينيات.

ومنذ توليه منصبه، فرض ترامب من جانب واحد العديد من التعريفات الجديدة على الصلب والألمنيوم ومجموعة متنوعة من المنتجات الصينية، مما خلق ضغطًا تصاعديًا على الأسعار في الولايات المتحدة. وبناءً على مستويات الاستيراد لعام 2019، تؤثر الرسوم الجمركية الانتقامية في الولايات المتحدة حاليًا على أكثر من 460 مليار دولار من الواردات والصادرات.

وغالباً ما يتحمل المستهلك عبء الرسوم الجمركية، التي تترجم زيادةً في التكاليف السنوية التي يتحملها المستهلكون بحوالي 57 مليار دولار، وهو خطأ تقديري من إدارة ترامب دفع ثمنه الأمريكيون.

وفيما كانت الغاية الأولى من حرب التجارة تقليص العجز التجاري الأمريكي مع الصين، إلا أن الرهان يبدو خاسرًا ومع نهاية ولاية ترامب، سجل الفائض التجاري للصين مع الولايات المتحدة رقمًا قياسيًا وظل أعلى من الفجوة البالغة 254 مليار دولار التي سجلت في عام 2016.

بايدن وحقبة الخطط والحزم التحفيزية

في الأسبوع الماضي، اقترح جو بايدن قانون تحفيز بقيمة 1.9 تريليون دولار، كجزء من خطة طموحة تاريخياً لمكافحة أزمة اقتصادية.

لكن العديد من الاقتصاديين وقادة الأعمال يتفقون على أنه لا يمكن لأي قدر من المساعدة الحكومية للأفراد والشركات الصغيرة إصلاح الاقتصاد حتى يتم هزيمة السبب الأساسي للمشاكل والمتمثل في جائحة كوفيد-19.

يعتقد كبير الاقتصاديين في وكالة “موديز” مارك زاندي، وغيره من الاقتصاديين أن الناتج المحلي الإجمالي يمكن أن يرتفع إذا حصل بايدن على موافقة على حزمته الكاملة للتحفيز بعد فترة وجيزة من توليه منصبه، إلا أن نمو الوظائف سيكون أكثر صمتًا.

وقد فقد الاقتصاد الأمريكي 22 مليون وظيفة في مارس وأبريل وأنهى العام بانخفاض آخر في صافي الوظائف بمقدار 140 ألف وظيفة، ورغم استعادة 12.5 مليون وظيفة، إلا أن عدد الموظفين انخفض بنحو 10 ملايين خلال الوباء.

وتوقعت وكالة موديز أن هذه الوظائف لن يتم استردادها بالكامل حتى عام 2022، حتى لو حصل بايدن على أجندته الكاملة.

فيما قالت المديرة التنفيذية لشركة ABI آمي كواكنبوس، “إن استمرار برامج الإغاثة الحكومية، وتأجيل الإقراض ساعد العائلات والشركات على مواجهة التحديات الاقتصادية خلال العام الماضي الناتجة عن جائحة كورونا”. لكن هذا الدعم، على الرغم من أهميته، لم ينه الأزمة الاقتصادية.

واليوم، ليس من الواضح كم من الـ1.9 تريليون دولار الذي يطلبه بايدن سيوافق عليه الكونجرس المنقسم.

وختامًا، يمكن القول؛ إنه ثمة وضوح تام لدى الجميع بأن الخطوة الأولى لخروج الاقتصاد الأمريكي من الأزمة تتمثل في هزيمة فيروس كورونا “كوفيد19”.

ووفق رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول: “لن يكون التعافي الكامل ممكناً حتى يثق الناس بأن استئناف النشاط الطبيعي آمن”.

ومع التوزيع الشامل للقاح يرى “الفيدرالي” نموًا في الاقتصاد الأمريكي بنسبة 4.2% لهذا العام، لكن لا يزال هناك طريق طويل للخروج من النفق.

ربما يعجبك أيضا