في عامه الثالث.. التحديات العسكرية أمام رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي

محمد عبد الدايم

كتب – د. محمد عبدالدايم

عامان على توليه منصبه، يمكن القول بأن أفيف كوخافي رئيس أركان الجيش الإسرائيلي لم يواجه فيهما تحديات عسكرية كبيرة، لم تقرر إسرائيل البدء في عملية موسعة على قطاع غزة، خصوصا بعد الكشف عن عملية التسلسل إلى خان يونس في نوفمبر 2018، قبل أن يتولى منصبه رسميًا، لم يشن الجيش حربًا على حزب الله، فقط أعلن عن عملية هندسية لردم أنفاق في شمال إسرائيل.

على مدى سنتين لم ينخرط الجيش الإسرائيلي بقيادة أفيف كوخافي في حرب مباشرة مع إيران أو حزب الله أو حماس، فقط عمليات إغارة لسلاح الجو الإسرائيلي فوق سوريا، وقصف متقطع لمبان ومؤسسات تابعة للجهاد الإسلامي في غزة، مع نشاط واضح لعمليات نوعية في الداخل الإيراني، تقوم في الأساس على تخطيط استخباراتي من جهاز الموساد.

ما بعد اغتيال سليماني

رغم انتشار جائحة كورونا، وتأثيرها الواضح على استعدادات الجيش، ورغم الصراع السياسي المستمر منذ سنتين، والذي أدى إلى تجميد خطة “تنوفا” متعددة السنوات، فإن الحدث الأكثر أهمية خلال الفترة التي تولي فيها كوخافي منصبه هو اغتيال قوات أمريكية لقائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.

عام على اغتيال سليماني، وإسرائيل تترقب بمزيد من الحرص رد الفعل الإيراني، مع الاستمرار في السياسة العسكرية المتمثلة في “الحرب بين الحروب”، من أجل إنهاك طهران، سواء في سوريا أو العراق أو في قلب إيران، آخرها اغتيال العالم النووي محسن فخر زاده منذ شهرين، في قلب العاصمة الإيرانية.

خلال الأسابيع الماضية كرر سلاح الجو الإسرائيلي غاراته فوق سوريا، دون أن ترد إيران، صحيح أن الجيش الإسرائيلي يتوخى الحرص كيلا تُسقط طائراته عناصر من كوادر الحرس الثوري المتمركزة في سوريا، وبدلا من ذلك تواصل الطائرات بدون طيار في قصف أهداف سورية، كيلا تُستفز طهران في هذا الوقت، لكن هذا الهدوء النسبي لا يعني أن إسرائيل اطمأنت بشكل كبير، فحتى الآن تعتبر إيران العدو الأبرز لإسرائيل، ويضع كوخافي مواجهتها على قائمة أولويات الجيش، مع بدء العام الثالث من ولايته في رئاسة هيئة الأركان.

لم تجد إيران حتى الآن بديلا “شعبويًا” لقاسم سليماني، لم تنفذ سلطة الملالي تهديداتها برد فعل ضد القوات الأمريكية في العراق، أو ضد إسرائيل، بل على العكس؛ فقد ظهر واضحًا خلال العام المنصرم أن الموساد الإسرائيلي يتغلغل في الداخل الإيراني، بشكل معلن عن طريق قواعده في أذربيجان، وبشكل خفي أسفر عن عمليات نوعية، مثل تفجيرات نطنز، أو هجمات السايبر على ميناء الشهيد رجائي، واغتيال محسن فخر زاده، حتى أن إسرائيل روجت لتفوقها بإذاعة مسلسل طهران، الذي يتناول قصة تغلغل الموساد في الداخل الإيراني.

استباق الانتقام الإيراني

هذا التفوق الإسرائيلي الواضح، وخيبة رد الفعل الإيراني في المقابل، باستثناء بضعة هجمات سايبر على منشآت إسرائيلية، لا يعنيان ركون الجيش الإسرائيلي، فحتى الآن لم تخرج إيران من سوريا، ولم تتوقف مشاريعها العسكرية لتوجيه ضربات لإسرائيل، وإنما يظل تهديدها هو الأبرز بالنسبة لإسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، ويبدو الاختبار الأكبر لكوخافي هو منع إيران من ترسيخ وجودها في سوريا والعراق.

في هذا الشأن تترقب إسرائيل دخول جو بايدن إلى البيت الأبيض، ترقبًا لتحرك الإدارة الأمريكية فيما يتعلق بإيران، مع الحديث عن انسحاب أمريكي من العراق، ما قد يسمح لإيران ببسط وجودها في سلسلة جغرافية من طهران عبر العراق إلى سوريا وعلى حدود إسرائيل، وكذلك ما قيل أنها “اتصالات سرية” بين الإدارة الأمريكية الجديدة وبين إيران من أجل العودة للاتفاق النووي.

الهدوء وتعظيم دور العقول

تتركز سياسة كوخافي العسكرية في “الهدوء”، بحيث يحقق الجيش الإسرائيلي سيطرته عبر ضربات استباقية ضمن عمليات “الحرب بين الحروب”، حيث يستمر سلاح الجو في ضرب أهداف بسوريا، دون خسارة طائرة أو عنصر بشري من الجيش، وتنشط المخابرات العسكرية والموساد في جمع المعلومات بشكل مستمر، لتنفيذ هجمات إلكترونية ناجعة داخل إيران، ومن المؤكد أن التسليح السايبراني هو الأداة الأكثر فعالية في الجيش الإسرائيلي تحت قيادة كوخافي خلال الفترة الأخيرة.

إذًا تبدو التكنولوجيا المقترنة بالذكاء الصناعي، والعمليات النوعية التي يتم التخطيط لها وتنفيذها بدقة هما أبرز أسلحة الجيش الإسرائيلي، ويتحرك رئيس الأركان لإثبات نجاح سياساته العسكرية هذه التي تهدف في الأساس إلى تحقيق التفوق الكاسح دون تكبد خسائر بشرية في الجيش.

استمر الجيش الإسرائيلي تحت قيادة أفيف كوخافي في سياسة التعاون مع شركات مدنية ناشئة، خصوصا المتخصصة الهايتيك، لتعظيم الاستفادة بالشباب الذين أصبحوا يعزفون عن الانخراط في وحداته القتالية التقليدية، ويفضلون الوحدات المستحدثة التي تقوم على الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، لأن هذه الوحدات تضمن عدم انخراطهم في حروب كلاسيكية مباشرة، وتؤمن لهم عملًا بعد إنهاء الخدمة العسكرية بالجيش، ومن هنا يركز كوخافي على التعاون مع الشركات التي تمول الجيش بأدوات التكنولوجيا التي تمنح الجيش الإسرائيلي أفضلية كبيرة في حروبه “الهادئة” التي لا تكلفه سقوط عناصر من جنوده، وفي الوقت نفسه يستفيد من العقول الذكية للشباب.

الأمر ليس منوطًا بالشراكة فحسب، بل يتحرك الجيش لتمويل قيام شركات ناشئة، تمثل استثمارًا في الأموال والعقول، وفي هذا الشأن حققت إسرائيل نتائج إيجابية واضحة، تمثلت في نجاح وحدات تابعة للجيش في إنتاج معدات صحية لمواجهة وباء الكورونا، كما تنشط معامل متخصصة في تطوير لقاحات بتمويل من الجيش.

الجيش يلعق جراحه منذ 2018

بالعودة إلى عملية خان يونس، التي نفذتها قوة من المستعربين في نوفمبر 2018، فقد اعتبر المحلل العسكري لموقع والا الإسرائيلي أمير بوحطوف أن الجيش الإسرائيلي ما يزال يلعق جراحه التي سببتها هذه العملية، مما جعل كوخافي يركز في خطته لتطوير الجيش على التكنولوجيا، لتكون بديلا عن المعارك التقليدية المباشرة، التي ترتفع معها نسبة الخسائر البشرية في الجيش، لكن الاعتماد الكلي على التكنولوجيا، وحروب “الروبوتات” ليس خيارًا ناجحًا بشكل تام لكبح جماح إيران، والحيلولة دون تعظيم حماس لقدراتها العسكرية، ودحر حزب الله اللبناني.

ربما يعجبك أيضا