«الاحتياطي الفيدرالي» وحقبة الاستقرار مع «بايدن»

كتب – حسام عيد

خلال الأربع سنوات الماضية عرف مجلس الاحتياطي الفيدرالي “البنك المركزي الأمريكي” هجومًا شديدًا من قبل الرئيس السابق دونالد ترامب على صانعي سياساته النقدية، مطالبًا إياهم بتخفيض أسعار الفائدة، والتي يراها ترامب من وجهة نظره سياسة تلعب دورًا كبيرًا في تحفيز الاقتصاد وزيادة إقراض الشركات ما يسمح في نهاية المطاف بالإنفاق الرأسمالي التوسعي.

هجوم كرس انطباعا أن مجلس الاحتياطي الفيدرالي رضخ لضغوطات دونالد ترامب، ما انعكس في فشل “الاحتياطي الفيدرالي” من بلوغ مستهدفاته.

ومنذ أغسطس 2019، خفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي أسعار الفائدة عدة مرات لتصل إلى نطاق الفائدة الصفرية (صفر – 0.25%).

واليوم، مع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، وقيادته للقوة الاقتصادية الأولى عالميًا، ستشهد الفترة المقبلة تحسنًا ملموسا في العلاقة بين البنك الذي يتمتع باستقلالية تامة في اتخاذ قراراته وإدارة الرئيس جو بايدن.

ترامب والفائدة المتدنية (صفرية أو سلبية)

في أعقاب سلسلة من تسع زيادات للفائدة منذ أواخر 2015، غير الرئيس السابق دونالد ترامب مسار سياسة البنك المركزي الأمريكي بعد الهجوم المتكرر لدفعه إلى تخفيض أسعار الفائدة.

في نوفمبر من عام 2019، قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على “تويتر” إنه ينبغي لمجلس الاحتياطي الفدرالي أن يخفض أسعار الفائدة إلى “الصفر أو أقل” للمساعدة في “إعادة تمويل ديوننا” بتكاليف فائدة أكثر انخفاضًا وأطول أجلا، وألقى باللوم على رئيس البنك المركزي الأمريكي عن تبديد “فرصة تأتي مرة واحدة في العمر”.

وقال ترامب إن البنك المركزي الأمركي تسبب في إضعاف القدرة التنافسية للولايات المتحدة أمام دول أخرى، مشيرا إلى أنه “بطيء للغاية في خفض أسعار الفائدة”.

وأضاف “تذكروا أننا نتنافس بنشاط مع دول تخفض صراحة أسعار الفائدة حتى إن الكثيرين يحصلون الآن في الواقع على مال عندما يسددون قروضهم، وهو ما يعرف بالفائدة السلبية، من منكم سمع بمثل هذا الشيء؟”.

وتابع “أعطوني بعضا من ذلك، أعطوني بعضا من ذلك المال، أريد بعضا من ذلك المال، مجلس الاحتياطي لدينا لا يدعنا نفعل هذا”، في إشارة إلى أسعار الفائدة السلبية.

مواصلة ضخ السيولة لاحتواء تداعيات كورونا

وقبل تنصيب جو بايدن رئيسًا للولايات المتحدة، تعهد مجلس الاحتياطي الاتحادي الأمريكي بضخ السيولة في الأسواق المالية لفترة طويلة من أجل محاربة الركود، حتى مع تحسن توقعات صناع السياسات للعام القادم إثر الشروع في نشر لقاح فيروس كورونا.

وجدد الفدرالي الأمريكي تعهده بإبقاء سعر الفائدة القياسي لأجل ليلة واحدة قريبا من الصفر لحين اكتمال التعافي الاقتصادي، وقال إنه سيربط برنامج مشتريات السندات الحكومية الشهري بالهدف ذاته.

وقال المجلس في بيان عقب اجتماع استمر يومين إن المشتريات ستتواصل “لحين إحراز تقدم ملموس صوب هدفي اللجنة المتمثلين في أقصى توظيف واستقرار الأسعار”.

وكانت تلك هي الخطوة الأكبر من بين الخيارات التي كان مجلس الاحتياطي يدرسها، في ضوء رفع صناع السياسات توقعاتهم للنمو الاقتصادي في العام القادم إلى 4.2% من 4% في المتوسط، وخفضهم معدل البطالة المتوقع بنهاية السنة من 5.5% إلى 5%.

ورغم تحسن المشهد الاقتصادي، لم يغير مجلس الاحتياطي طبيعة مشتريات السندات ولا وتيرتها، وهي الخطوة التي توقعها محللون كثيرون كطريقة لتقديم مزيد من الدعم الفوري لمساعدة الاقتصاد خلال الأشهر التي سيستغرقها ظهور أثر اللقاح.

لكن البيان يربط للمرة الأولى المشتريات الشهرية البالغة 120 مليار دولار من سندات الخزانة الأمريكية والأوراق المالية المدعومة حكوميا بعدد من الشروط الاقتصادية. وكان التعهد السابق أن تستمر تلك المشتريات “على مدى الأشهر المقبلة” فحسب، دون توجيه واضح بخصوص موعد وقف البرنامج الهادف لمكافحة الركود.

بايدن وحقبة الاستقرار للاحتياطي الفيدرالي

بعد أربع سنوات من الاضطراب في العلاقة بين الفيدرالي الأمريكي والبيت الأبيض تحت إمرة الرئيس السابق دونالد ترمب، يستعد أكبر صانع للسياسة النقدية في العالم لمرحلة جديدة من العلاقة في زمن الرئيس الأمريكي الجديد جو بايدن الذي نصب رئيسا قبل نحو ساعات.

ويشير تقرير لشبكة CNBC الأمريكية إلى أن الفترة المقبلة ستشهد تحسنًا واستقرارًا، فلن يكون هناك المزيد من التغريدات المزعجة في منتصف الليل التي تهاجم أعضاء الفيدرالي وتصفهم بالحمقى إذا لم تتسق قراراتهم مع رغبات الرئيس جو بايدن”.

ولكن التقرير أيضا أشار إلى مجموعة من الصعوبات تنتظر الفيدرالي الأمريكي في زمن جو بايدن في مقدمتها جائحة كورونا والتحركات التي يتعين على البنك اتخاذها في مواجهة آثارها بما يسمح في نهاية المطاف في انتشال الاقتصاد الأمريكي الأكبر بالعالم من براثن الركود.

ومن بين المؤشرات على استقرار العلاقة بين الرئيس الجديد للولايات المتحدة والفيدرالي اختياره لجانيت يلين رئيسة الفيدرالي السابقة كمسؤولة عن ملف المالية في إشارة لا تخطئها العين على ثقة بايدن في أعضاء البنك الذي يدير الأمور النقدية للاقتصاد الأول بالعالم.

وقال المحلل المالي لدى  Whalen Global: “سيحترم منصبه، إنه رجل تقليدي سيكون بمثابة كابح لكثير من الأشخاص المتطرفين في حزبه”.

وعلى مدار العام الماضي تحرك الفيدرالي الأمريكي في أكثر مناسبة لمواجهة تبعات الجائحة من خلال خفض أسعار الفائدة لمستويات متدنية وزيادة ميزانيته وبرنامجه لشراء الأصول للعمل على توفير السيولة اللازمة بالسوق.

وقال محلل آخر “الفيدرالي الآن يمكنه الاسترخاء والعمل بأريحية أكثر فلن يكون هناك المزيد من العدائية والتغريدات الكريهة”.

ربما يعجبك أيضا